Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 24
الربع رقم 4
quran-border  فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكا واتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما راينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما امره ليسجنن وليكونا من الصاغرين قال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما راوا الايات ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان قال احدهما اني اراني اعصر خمرا وقال الاخر اني اراني احمل فوق راسي خبزا تاكل الطير منه نبئنا بتاويله انا نراك من المحسنين قال لا ياتيكما طعام ترزقانه الا نباتكما بتاويله قبل ان ياتيكما ذلكما مما علمني ربي اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون
Page Number

1

{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فلما سمعت بمكرهنَّ} قال: بحديثهن. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان رضي الله عنه في قوله: {سمعت بمكرهن} قال: بعملهن. وقال: كل مكر في القرآن فهو عمل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه في قوله: {وأعتدت لهن متكأ} قال: هيأت لهن مجلساً، وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة، أعطوا كل إنسان سكيناً يأكل بها. فلما رأينه قال: فلما خرج عليهن يوسف عليه السلام {أكبرنه} قال: أعظمنه ونظرت إليه، وأقبلن يحززن أيديهن بالسكاكين. وهن يحسبن أنهن يقطعن الطعام. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وأعتدت لهن متكأ} قال: أعطتهن أترنجاً، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً، فلما رأين يوسف أكبرنه وجعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترنج. وأخرج مسدد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المتكأ، الأترنج، وكان يقرؤها خفيفة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {متكأ} قال: هو الأترنج. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه ثالث، عن مجاهد رضي الله عنه قال: من قرأ {متكأ} شدها، فهو الطعام. ومن قرأ {مَتَكاً} خففها فهو الأترنج. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن سلمة بن تمام أبي عبيد الله القسري رضي الله عنه قال: {متكاً} بكلام الحبش، يسمون الأترنج مَتَكاً. وأخرج ابو الشيخ عن أبان بن تغلب رضي الله عنه أنه كان يقرؤها {واعتدت لهن متكا} مخففة. قال: الأترنج. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {واعتدت لهن متكأ} قال: طعام وشراب وتكاء. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن الضحاك رضي الله عنه مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {متكأ} قال: كل شيء يقطع بالسكين. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن ابن زيد رضي الله عنه قال: أعطتهن ترنجاً وعسلاً، فكن يحززن الترنج بالسكين، ويأكلن بالعسل، فلما قيل له اخرج عليهن، خرج. فلما رأينه أعظمنه وتهيمن به حتى جعلن يحززن أيديهن بالسكين وفيها الترنج ولا يعقلن، لا يحسبن إلا أنهن يحززن الأترنج، قد ذهبت عقولهن مما رأين وقلن {حاشا لله، ما هذا بشراً} ما هكذا يكون البشر، ما هذا إلا ملك كريم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق دريد بن مجاشع، عن بعض أشياخه قال: قالت للقيم: أدخله عليهن وألبسه ثياباً بيضاً، فإن الجميل أحسن ما يكون في البياض. فأدخله عليهن وهن يحززن ما في أيديهن، فلما رأينه حززن أيديهن وهن لا يشعرن من النظر إليه، فنظرن إليه مقبلاً، ثم أومأت إليه أن ارجع. فنظرن إليه مدبراً وهن يحززن أيديهن بالسكاكين لا يشعرن بالوجع من نظرهن إليه، فلما خرج نظرن إلى أيديهن وجاء الوجع، فجعلن يولولن. وقالت لهن: أنتن من ساعة واحدة هكذا صنعتن، فكيف أصنع أنا؟!... {قلن: حاشا لله، ما هذا بشراً، إن هذا إلا ملك كريم}. وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد بن الكميت الشاعر قال: حدثني أبي عن جدي قال: سمعت جدي الكميت يقول في قوله: {فلما رأينه أكبرنه} قال أمنين. وأنشد في ذلك: لما رأته الخيل من رأس شاهق *** صهلن وأكبرن المنيّ المدفقا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فلما رأينه أكبرنه} قال: لما خرج عليهن يوسف حضن من الفرح، وقال الشاعر: نأتي النساء لدى اطهارهن ولا *** نأتي النساء إذا أكبرن أكباراً وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلما رأينه أكبرنه} قال: أعظمنه {وقطعن أيديهن} قال: حزًّا بالسكين حتى ألقينها {وقلن حاشا لله} قال: معاذ الله. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تالي التلخيص، عن أسيد بن يزيد أن في مصحف عثمان {وقلن حاش لله} ليس فيها ألف. وأخرج ابن جرير، عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأها {ما هذا بشرا} أي ما هذا بمشترى. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن هذا إلا ملك كريم} قال: قلن ملك من الملائكة من حسنه. وأخرج ابن أبي حاتم، عن يزيد بن أساس رضي الله عنه قال: لما قررن وطابت أنفسهن، قالت لقيمها: آتهن ترنجاً وسكيناً. فأتاهن بهن، فجعلن يقطعن ويأكلن، فقالت: هل لكن في النظر إلى يوسف؟ قلن: ما شئت فأمرت قيمها فأدخله عليهن، فلما رأينه جعلن يقطعن أصابعهن مع الأترنج وهن لا يشعرن، فلا يجدن ألماً مما رأين من حسنه، فلما ولى عنهن قالت: هذا الذي لمتنني فيه، فلقد رأيتكن تقطعن أيديكم وما تشعرن. قال: فنظرن إلى أيديهن فجعلن يصحن ويبكين. قالت: فكيف أصنع؟ فقلن: {حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم} وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا. وأخرج أبو الشيخ عن منبه عن أبيه قال: مات من النسوة اللاتي قطعن أيديهن، تسع عشرة امرأة كمداً. وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن». وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن». وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان وجه يوسف مثل البرق، وكانت المرأة إذا أتت لحاجة ستر وجهه مخافة أن تفتتن به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أوتي يوسف عليه السلام وأمه ثلث حسن خلق الإنسان: في الوجه والبياض وغير ذلك. وأخرج أبو الشيخ، عن إسحاق بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان يوسف عليه الصلاة والسلام إذا سار في أزقة مصر، تلألأ وجهه على الجدران كما يتلألأ الماء والشمس على الجدران. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا، وأعطي الناس الثلثين». وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قسم الله الحسن عشرة أجزاء، فجعل منها ثلاثة أجزاء في حواء، وثلاثة أجزاء في سارة، وثلاثة أجزاء في يوسف، وجزأ في سائر الخلق. وكانت سارة من أحسن نساء الأرض، وكانت من أشد النساء غيرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ربيعة الجرشي رضي الله عنه قال: قسم الله الحسن نصفين، فجعل ليوسف وسارة النصف، وقسم النصف الآخر بين سائر الناس. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه قال: قسم الحسن ثلاثة أقسام، فأعطي يوسف الثلث، وقسم الثلثان بين الناس، وكان أحسن الناس. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ، عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان فضل حسن يوسف على الناس، كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء. وأخرج الحاكم عن كعب رضي الله عنه قال: قسم الله ليوسف عليه السلام من الجمال الثلثين، وقسم بين عباده الثلث، وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله تعالى، فلما عصى آدم عليه السلام نزع منه النور والبهاء والحسن، ووهب له الثلث من الجمال مع التوبة، فأعطى الله ليوسف عليه السلام ذلك الثلثين، وأعطاه تأويل الرؤيا. وإذا تبسم رأيت النور من ضواحكه.

{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فاستعصم} قال: امتنع. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فاستعصم} قال: فاستعصى.

{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)} أخرج سنيد في تفسيره وابن أبي حاتم، عن ابن عيينة رضي الله عنه قال: إنما يوفق من الدعاء للمقدر، أما ترى يوسف عليه السلام قال: {رب السجن أحب إلي}؟.. قال: لما قال اذكرني عند ربك، أتاه جبريل عليه السلام فكشف له عن الصخرة فقال: «ما ترى؟ قال: أرى نملة تقضم. قال: يقول ربك انا لم أنس هذه، أنساك؟ أنا حبستك. أنت قلت {رب السجن أحب إلي}». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وإلا تصرف عني كيدهن} قال: إن لا يكن منك أنت القوى والمنعة، لا تكن مني ولا عندي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أحب إليهن} يقول: اتبعهن. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {أصب إليهن} قال: أطاوعهن. وأخرج أبو الشيخ، عن عمرو بن مرة. رضي الله عنه قال: من أتى ذنباً عمداً أو خطأ، فهو جاهل حين يأتيه. ألا ترى إلى قول يوسف عليه الصلاة والسلام {أصب إليهن وأكن من الجاهلين}؟ قال: فقد عرف يوسف أن الزنا حرام، وإن أتاه كان جاهلاً.

{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} أخرج ابن المنذر عن بكر بن عبيد الله رضي الله عنه قال: دخلت امرأة العزيز على يوسف عليه السلام، فلما رأته عرفته وقالت: الحمد لله الذي صير العبيد بطاعته ملوكاً، وجعل الملوك بمعصيته عبيداً.

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)} أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عكرمة رضي الله عنه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات}. قال: ما سألني عنها أحد قبلك. من الآيات: قد القميص، وأثرها في جسده، وأثر السكين، وقالت امرأة العزيز: إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة رضي الله عنه قال: من الآيات: شق في القميص، وخمش في الوجه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات...} قال: قدَّ القميص من دبر. وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {من بعد ما رأوا الآيات} قال: من الآيات كلام الصبي. وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: الآيات، جَزَّهن أيديهن، وقدّ القميص. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه قال: قال رجل ذو رأي منهم للعزيز إنك متى تركت هذا العبد، يعتذر إلى الناس، ويقص عليهم أمره، وامرأةٌ في بيتها لا تخرج إلى الناس عذروه وفضحوا أهلك. فأمر به فسجن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات، أما أول مرة فبالحبس، لما كان من همه بها. والثانية لقوله: اذكرني عند ربك، فلبث في السجن بضع سنين، عوقب بطول الحبس. والثالثة حيث قال: {أيتها العير إنكم لسارقون} فاستقبل في وجهه {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {ليسجننه حتى حين} قال: سبع سنين. وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والخطيب في تاريخه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنه، عن أبيه قال: سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقرأ هذا الحرف {ليسجننه حتى حين} فقال له عمر رضي الله عنه: من أقرأك هذا الحرف؟ قال: ابن مسعود رضي الله عنه. فقال عمر رضي الله عنه {ليسجننه حتى حين} ثم كتب إلى ابن مسعود رضي الله عنه: سلام عليك، أما بعد. فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآناً عربياً مبيناً، وأنزله بلغة هذا الحي من قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل.

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ودخل معه السجن فتيان} قال أحدهما خازن الملك على طعامه، والآخر ساقيه على شرابه. وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق رضي الله عنه قال: في قوله: {ودخل معه السجن فتيان} قال: غلامان كانا للملك الأكبر الريان بن الوليد، كان أحدهما على شرابه والآخر على بعض أمره في سخطة سخطها عليهما، اسم أحدهما مجلب، والآخر نبوا الذي كان على الشراب. فلما رأياه قالا: يا فتى، والله لقد أحببناك حين رأيناك، قال ابن إسحق: فحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه، أن يوسف عليه الصلاة والسلام قال لهما حين قالا له ذلك: أنشدكما بالله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء. قد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء، ثم أحبني أبي فدخل علي بحبه بلاء، ثم أحبتني زوجة صاحبي فدخل علي بمحبتها إياي بلاء. فلا تحباني بارك الله فيكما، فأبيا إلا حبه وألفه حيث كان، وجعل يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله. وقد كانا رأيا حين ادخلا السجن رؤيا، فرأى مجلب أنه رأى فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، ورأى نبوا أنه يعصر خمراً، فاستفتياه فيها وقالا له {نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} إن فعلت فقال لهما {لا يأتيكما طعام ترزقانه} يقول في نومكما {إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام فقال: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} أي خير أن تعبدوا، إلهاً واحداً أم آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئاً؟.... ثم قال لمجلب: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك. وقال لنبوا أما أنت، فترد على عملك ويرضى عنك صاحبك، {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}. وأخرج وكيع في الغرر، عن عمرو بن دينار قال: قال يوسف عليه السلام: ما لقي أحد في الحب ما لقيت، أحبني أبي فألقيت في الجب، وأحبتني امرأة العزيز، فألقيت في السجن. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إني أراني أعصر خمراً} قال عنباً. وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ وابن مردويه، من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قرأ {اني أراني أعصر عنباً} وقال: والله لقد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {اني أراني أعصر خمراً} يقول: أعصر عنباً، وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمراً. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {نبئنا بتأويله} قال: عبارته. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إني أراني أعصر خمراً} قال: هو بلغة عمان. وفي قوله: {إنا نراك من المحسنين} قال: كان احسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزي حزينهم ويداوي مريضهم، ورأوا منه عبادة واجتهاداً فأحبوه به، وقال لما انتهى يوسف عليه السلام إلى السجن، وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، وطال حزنهم، فجعل يقول: أبشروا، اصبروا تؤجروا، إن لهذا أجراً، إن لهذا ثواباً. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك. ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك، وأحسن خلقك!... لقد بورك لنا في جوارك، إنا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة، فمن أنت يا فتى؟!!!... قال: أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام، وكانت عليه محبة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخليت سبيلك، ولكن سأحسن جوارك، وأحسن آثارك، فكن في أي بيوت السجن شئت. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا يوسف عليه السلام لأهل السجن فقال: اللهم لا تعم عليهم الأخبار، وهون عليهم مر الأيام. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان، عن الضحاك رضي الله عنه؛ أنه سئل عن قوله: {إنا نراك من المحسنين} ما كان إحسان يوسف عليه السلام؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له، وإذا احتاج جمع له.

{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)} أخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {لا يأتيكما طعام ترزقانه} قال: كره العبارة لهما، فاجابهما بغير جوابهما ليريهما ان عنده علماً، وكان الملك إذا أراد قتل انسان، صنع له طعاماً معلوماً فأرسل به إليه. فقال يوسف عليه السلام {لا يأتيكما طعام ترزقانه} إلى قوله: {تشكرون} فلم يدعه صاحب الرؤيا حتى يعبر لهما فكرة العبارة، فقال: {يا صاحبي السجن أأرباب...} إلى قوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قال: فلم يدعاه فعبر لهما.