Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 26
الربع رقم 1
quran-border  افمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى انما يتذكر اولو الالباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة اولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه اية من ربه قل ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب
Page Number

1

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق} قال: هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه. {كمن هو أعمى} قال: عن الحق، فلا يبصره ولا يعقله {إنما يتذكر أولوا الألباب} فبين من هم فقال: {الذين يوفون بعهد الله}. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه في قوله: {أولوا الألباب} يعني، من كان له لب أو عقل. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: إنما عاتب الله تعالى أولي الألباب، لأنه يحبهم. ووجدت ذلك في آية من كتاب الله تعالى {إنما يتذكر أولوا الألباب}.

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} فعليكم بالوفاء بالعهد ولا تنقضوا الميثاق، فإن الله قد نهى عنه وقدم فيه أشد التقدمة، وذكره في بضع وعشرين آية، نصيحة لكم وتقدمة إليكم وحجة عليكم، وإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل وأهل العلم بالله، وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول في خطبته «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». وأخرج الخطيب وابن عساكر، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن البر والصلة، ليخففان سوء العذاب يوم القيامة» ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} يعني، من إيمان بالنبيين وبالكتب كلها {ويخشون ربهم} يعني، يخافون في قطيعة ما أمر الله به أن يوصل. {ويخافون سوء الحساب} يعني شدة الحساب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: «اتقوا الله وصلوا الأرحام، فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة» وذكر لنا أن رجلاً من خثعم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فقال: «أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الايمان بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: صلة الرحم» وكان عبد الله بن عمرو يقول: إن الحليم ليس من ظلم ثم حلم، حتى إذا هيجه قوم اهتاج، ولكن الحليم من قدر ثم عفا، وإن الوصول ليس من وصل ثم وصل، فتلك مجازاة، ولكن الوصول من قطع ثم وصل وعطف على من لا يصله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن جرير في قوله: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لم تمش إلى ذي رحمك برجلك، ولم تعطه من مالك، فقد قطعته».

13:20

{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} أخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {والذين صبروا} يعني على أمر الله {ابتغاء وجه ربهم} يعني ابتغاء رضا ربهم {وأقاموا الصلاة} يعني وأتموها {وأنفقوا مما رزقناهم} يعني من الأموال {سراً وعلانية} يعني في حق الله وطاعته {ويدرؤون} يعني يدفعون {بالحسنة السيئة} يعني يردون معروفاً على من يسيء إليه {أولئك لهم عقبى الدار} يعني دار الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن الضحاك- رضي الله عنه {ويدرؤون بالحسنة السيئة} قال: يدفعون بالحسنة السيئة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ويدرؤون بالحسنة السيئة} قال: يدفعون الشر بالخير، لا يكافئون الشر بالشر، ولكن يدفعونه بالخير. أما قوله تعالى: {جنات عدن} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة قصراً يقال له عدن، حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب، عند كل باب خمسة آلاف حيرة، لا يدخله أو لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو شهيد أو امام عادل». وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه قال: قرأ عمر رضي الله عنه على المنبر {جنات عدن} فقال: أيها الناس، هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب، على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {جنات عدن} قال: بطنان الجنة، يعني وسطها. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه قال: {جنات عدن} وما يدريك ما جنات عدن؟.. قال: قصر من ذهب، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {جنات عدن} قال: مدينة وسط الجنة، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنات حولها. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل. وأخرج ابن مردويه، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنة عدن قضيب غرسه الله بيده، ثم قال له: كن فكان». أما قوله تعالى: {يدخلونها ومن صلح من آبائهم} الآية. أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي، أين ولدي، أين زوجتي،؟؟... فيقال: لم يعملوا مثل عملك. فيقول: كنت أعمل لي ولهم، ثم قرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح} يعني من آمن بالتوحيد بعد هؤلاء {من آباءهم وأزواجهم وذرياتهم} يدخلون معهم {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} قال: يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، معهم التحف من الله ما ليس لهم في جنات عدن، ويقولون لهم: {سلام عليكم بما صبرتم} يعني على أمر الله تعالى {فنعم عقبى الدار} يعني دار الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه {ومن صلح من آبائهم} قال: من آمن في الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي مجلز رضي الله عنه في الآية قال: علم الله تعالى أن المؤمن يحب أن يجمع الله تعالى له أهله وشمله في الدنيا، فأحب أن يجمعهم له في الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح...} حتى ختم الآية قال: إنه لفي خيمة من درة مجوفة، ليس فيها صدع ولا وصل، طولها في الهواء ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ومال. لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، يقوم على كل باب منها سبعون ألفاً من الملائكة، مع كل ملك هدية من الرحمن ليس مع صاحبه مثلها، لا يصلون إليه إلا بإذن بينه وبينهم حجاب. وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: أخس أهل الجنة منزلاً يوم القيامة له قصر من درة جوفاء، فيها سبعة آلاف غرفة، لكل غرفة سبعون ألف باب، يدخل عليه من كل باب سبعون ألفاً من الملائكة بالتحية والسلام. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه- في قوله: {سلام عليكم بما صبرتم} قال: على دينكم {فنعم عقبى الدار} قال: فنعم ما أعقبكم الله تعالى من الدنيا الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {سلام عليكم بما صبرتم} قال: صبروا على فضول الدنيا. وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن نصر الحارثي رضي الله عنه {سلام عليكم بما صبرتم} قال: على الفقر في الدنيا. وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حيان وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإِيمان، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يدخل الجنة من خلق الله تعالى، فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله تعالى لمن يشاء من الملائكة: ائتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟!... قال الله تعالى: إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدونني في الدنيا ولا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن المؤمن ليكون متكئاً على أريكته إذا دخل الجنة، وعنده سماطان من خدم، وعند طرف السماطين باب مبوّب، فيقبل الملك فيستأذن، فيقول أقصى الخدم للذي يليه: ملك يستأذن، ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن، حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا له. فيقول أقربهم إلى المؤمن: ائذنوا. ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا، حتى تبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له، فيدخل فيسلم عليه ثم ينصرف. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه، عن أنس- رضي الله عنه-: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي أحداً كل عام، فإذا تفوّه الشعب، سلم على قبور الشهداء، فقال: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}». وأخرج ابن جرير عن محمد بن إبراهيم رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} وأبو بكر وعمر وعثمان».

13:22

13:22

{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)} أخرج أبو الشيخ عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال: قال لي عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-: لا تؤاخين قاطع رحم؛ فإني سمعت الله لعنهم في سورتين: في سورة الرعد وسورة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {ولهم سوء الدار} قال: سوء العاقبة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عبد الرحمن بن سابط رضي الله عنه في قوله: {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} قال: كان الرجل يخرج في الزمان الأول في إبله أو غنمه، فيقول لأهله: متعوني. فيمتعونه، فلقلة الخبز أو التمر. فهذا مثل ضربه الله للدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إلا متاع} قال: قليل ذاهب. وأخرج الترمذي والحاكم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله، لو اتخذنا لك. فقال: ما لي وللدنيا!... ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها».

13:25

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ويهدي إليه من أناب} أي من تاب. وفي قوله: {وتطمئن قلوبهم بذكر الله} قال: هشت إليه واستأنست به. وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله} يقول: إذا حلف لهم بالله صدقوا {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} قال: تسكن القلوب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} قال: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأخرج أبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، حين نزلت هذه الآية {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}: «هل تدرون ما معنى ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: من أحب الله ورسوله، أحب أصحابي». وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزلت هذه الآية {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} قال: «ذاك من أحب الله ورسوله، وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله يتحابون». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {طوبى لهم} قال: فرح وقرة عين. وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: نعم ما لهم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: غبطة لهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: حسنى لهم. وهي كلمة من كلام العرب. وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: هذه كلمة عربية، يقول الرجل طوبى لك، أي أحببت خيراً. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن إبراهيم رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: الخير والكرامة الذي أعطاهم الله سبحانه وتعالى. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: الجنة. وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: الجنة بالحبشية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} وذلك حين أعجبته. وأخرج جرير وأبو الشيخ، عن سعيد بن مسجوح رضي الله عنه قال: {طوبى} اسم الجنة بالهندية. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: {طوبى} اسم الجنة بالهندية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: {طوبى} اسم شجرة في الجنة. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {طوبى} شجرة في الجنة، يقول الله تعالى لها: تفتقي لعبدي عما شاء. فتنفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها، وعن الإِبل برحالها وأزمتها، وعما شاء من الكسوة. وأخرج ابن جرير من طريق معاوية بن قرة رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى، شجرة غرسها الله تعالى بيده، ونفخ فيها من روحه، تنبت بالحلى والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة». وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور، عن عتبة بن عبد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، في الجنة فاكهة؟ قال: نعم، فيها شجرة تدعى طوبى، هي نطاق الفردوس. قال: قال أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليس تشبه شيئاً من شجر أرضك. ولكن، أتيت الشام؟ قال: لا. قال: فإنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحد ثم ينشر أعلاها. قال: ما عظم أصلها؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرماً. قال فهل فيها عنب؟ قال: نعم. قال: ما عظم العنقود منه؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع». وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والخطيب في تاريخه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قال: «يا رسول الله، طوبى لمن رآك وآمن بك؟ قال: {طوبى} لمن رآني وآمن، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني. قال رجل: وما طوبى؟!... قال: شجرة في الجنة مسيرة مائة عام، تخرج من اكمامها». وأخرج ابن أبي شيبة في صفة الجنة، وابن أبي حاتم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يدخل الجنة، إلا انطلق به إلى طوبى، فتنفتح له أكمامها فيأخذ له من أي ذلك شاء. إن شاء أبيض وإن شاء أحمر وإن شاء أخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود. مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: شجرة في الجنة أصلها في حجرة علي، وليس في الجنة حجرة إلا وفيها غصن من أغصانها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر رجل من أهل الشام قال إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها ثم دملجها ثم فرشها وسط الجنة فقال لها امتدي حتى تبلغي مرضاتي. ففعلت ثم أخذ شجرة فغرسها وسط اللؤلؤة ثم قال لها: امتدي ففعلت فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة وهي طوبى. وأخرج ابن أبي حاتم عن فرقد السبخي رضي الله عنه قال: أوحى الله إلى عيسى ابن مريم عليه السلام في الإِنجيل (يا عيسى، جد في أمري ولا تهزل، واسمع قولي وأطع أمري. يا ابن البكر البتول، إني خلقتك من غير فحل، وجعلتك وأمك آية للعالمين، فإياي فاعبدْ وعلي ّفتوكل، وخذ الكتاب بقوة. قال عيسى عليه السلام: أي رب، أي كتاب آخذ بقوّة؟... قال: خذ كتاب الإِنجيل بقوّة، ففسره لأهل السريانية، وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم البديع الدائم، الذي لا زوال له، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان، فصدقوه واتبعوه صاحب الجمل والمدرعة والهراوة والتاج، الانجل العين، المقرون الحاجبين، صاحب الكساء الذي إنما نسله من المباركة- يعني خديجة- يا عيسى، لها بيت من لؤلؤ من قصب موصل بالذهب، لا يسمع فيه أذى ولا نصب، لها ابنة- يعني فاطمة، ولها ابنان فيستشهدان يعني الحسن والحسين- طوبى لمن سمع كلامه وأدرك زمانه وشهد أيامه. قال عيسى عليه السلام: يا رب، وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة، أنا غرستها بيدي وأسكنتها ملائكتي، أصلها من رضوان، وماؤها من تسنيم). وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه قال: {طوبى} في الجنة، حملها مثال ثدي النساء، فيه حلل أهل الجنة. وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء، وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، ضروع كلها، ترضع صبيان أهل الجنة، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون، رضع من طوبى؛ وأنّ سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة، فيبعث ابن أربعين سنة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، وعن شهر بن حوشب قال: {طوبى} شجرة في الجنة، كل شجرة في الجنة منها أغصانها من وراء سور الجنة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها، زهرها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس من مجالس أهل الجنة، ومتحدث بينهم. فبينما هم في مجلسهم، إذْ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون خيماً مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها ووبرها كخد المرعزي من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس واستبرق، فينيخونها ويقولون: ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه. فيركبوها، فهي أسرع من الطائر واوطأ من الفراش، نجباء من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا يصيب إذن راحلة منها إذن صاحبتها، ولا تزل راحلة بزلل صاحبتها، حتى أن الشجرة لتنحى عن طرقهم لئلا يفرق بين الرجل وأخيه، فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: «اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإِكرام. ويقول عز وجل، عند ذلك: أنا السلام ومني السلام وعليكم حققت رحمتي ومحبتي، مرحباً بعبادي الذين خشوني بالغيب وأطاعوا أمري. فيقولون: ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا في السجود قدامك. فيقول الله عز وجل: إنها ليست بدار نصب ولا عبادة، ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيته. فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول: ربّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها. ربّ، فائتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا، فيقول الله عز وجل: لقد قصرت بك أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني وسأتحفك بمنزلتي؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد، ثم يقول: اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر على بال فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم: براذين مقرنة، على كل أربعة منهم سرير من ياقوتة واحدة، على كل منها قبة من ذهب مفرغة، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة ألوان إلا وهو فيهما، ولا ريح طيبة إلا وقد عبقتا به ينفذ ضوء وجوهما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة، يرى مخهما من فوق أسرتهما كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل. ويرى هو لهما مثل ذلك، ثم يدخل إليهما فيجيئآنه ويقبلانه ويعانقانه، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثل ذلك. ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفاً في الجنة، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزله الذي أعد له». وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن وهب بن منبه رضي الله عنه عن محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، لو يسير الراكب الجواب في ظلها، لسار فيه مائة عام قبل أن يقطعه، وورقها برود خضر، وزهرها رياط صفر، وأقتادها سندس واستبرق، وثمرها حلل خضر، وصمغها زنجبيل وعسل، وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر، وترابها مسك وعنبر، وكافور أصفر، وحشيشها زعفران منبع، والأجوج ناجحان في غير وقود، ينفجر من أصلها. أنهارها السلسبيل والمعين في الرحيق، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه، ومتحدث يجمعهم. فبينما هم يوماً في ظلها يتحدثون، إذ جاءتهم ملائكة يقودون نجباً جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح، مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة، وبرها خز أحمر ومرعز أحمر يخترطان. لم ينظر الناظرون إلى مثله حسناً وبهاء، ولا من غير مهانة، عليها رحال ألواحها من الدر والياقوت، مفضضة باللؤلؤ والمرجان فأناخوا إليهم تلك النجائب، ثم قالوا لهم: ربكم يقرئكم السلام ويستزيركم لتنظروا إليه وينظر إليكم، وتحيونه ويحييكم، وتكلمونه ويكلمكم ويزيدكم من فضله وسعته إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم، فتحوّل كل رجل منهم على راحلته حتى انطلقوا صفاً واحداً معتدلاً، لا يفوت منه شيء ولا يفوت اذن ناقة إذن صاحبتها، ولا بركة ناقة بركة صاحبها، ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرها ورجلت لهم عن طريقها كراهية أن تثلم صفهم، أو تفرق بين رجل ورفيقه، فلما دفعوا إلى الجبار تعالى، سفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيم يحييهم بالسلام». فقالوا: ربنا أنت السلام، ومنك السلام، لك حق الجلال والإِكرام. قال لهم ربهم: أنا السلام ومني السلام ولي حق الجلال والاكرام، فمرحباً بعبادي الذي حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وخافوني بالغيب، وكانوا مني على كل حال مشفقين. قالوا: أما وعزتك وعظمتك وجلالك وعلو مكانك، ما قدرناك حق قدرك، ولا أدينا إليك كل حقك، فأذن لها بالسجود لك. قال لهم ربهم: إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة وأرحت لكم أبدانكم طالما نصبتم لي الأبدان وأعنتم لي الوجوه، فالآن أفضتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني. فما يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى أن المقصر منهم في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله تعالى إلى يوم يفنيها. قال لهم ربهم: لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم، وألحقت بكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم... فانظروا إلى مواهب ربكم التي وهبكم.... فإذا بقباب في الرفيق الأعلى وغرف مبنية من الدر والمرجان، أبوابها من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس واستبرق، ومنابرها من نور يفور من أبوابها، وأعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها. فلولا أنه مسخر إذن لالتمع الأبصار، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض، فهو مفروش بالحرير الأبيض. وما كان منها من الياقوت الأحمر، فهو مفروش بالعبقري. وما كان منها من الياقوت الأخضر، فهو مفروش بالسندس الأخضر. وما كان منها من الياقوت الأصفر، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر مبوبة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء. قواعدها وأركانها من الجوهر، وشرفها قباب من لؤلؤ، وبروجها غرف من المرجان. فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم، قربت لهم براذين من ياقوت أبيض منفوخ فيها الروح، بجنبها الولدان المخلدون، بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت، سروجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والاستبرق، فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم وتطأ رياض الجنة، فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعوداً على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنوهم كرامة ربهم. فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم ربهم مما سألوا وتمنوا، وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان {جنتان} {ذواتا أفنان} وجنتان {مدهامتان} و {فيهما عينان نضاختان} [ الرحمن: 66] وفيهما من كل فاكهة زوجان و {حور مقصورات في الخيام} [ الرحمن: 72] فلما تبوأوا منازلهم واستقروا قرارهم، قال لهم ربهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ قالوا: نعم وربنا. قال: هل رضيتم بثواب ربكم؟ قالوا: ربنا رضينا فارض عنا. قال برضاي عنكم حللتم داري ونظرتم إلى وجهي وصافحتم ملائكتي، فهنيئاً لكم عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص ولا تصريد، فعند ذلك قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأحلنا دار المقامة من فضله، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب، إن ربنا لغفور شكور. وأخرج عبد بن حميد، عن زيد مولى بني مخزوم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم {وظل ممدود} فبلغ ذلك كعباً رضي الله عنه فقال: صدق والذي أنزل التوراة على موسى، والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم. لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرماً. إن الله عز وجل غرسها بيده ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها من وراء سور الجنة، وما في الجنة نهر إلا يخرج من أصل تلك الشجرة. وأخرج ابن جرير عن مغيث بن سميّ رضي الله عنه قال: {طوبى} شجرة في الجنة، لو أن رجلاً ركب قلوصاً جذعاً أو جذعة، ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرماً. وما من أهل الجنة منزل إلا غصن من تلك الشجرة متدل عليهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون ما شاؤوا. ويجيء الطير فيأكلون منه قديداً وشوياً ما شاؤوا ثم يطير. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح رضي الله عنه قال: {طوبى} شجرة في الجنة، لو أن راكباً ركب حقة أو جذعة فأطاف بها، ما بلغ ذلك الموضع الذي ركب فيه حتى يقتله الهرم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم {طوبى} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، هل بلغك طوبى؟ قال: الله تعالى ورسوله أعلم. قال: {طوبى} شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله تعالى، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفاً. ورقها الحلل، يقع عليها الطير كأمثال البخت. قال أبو بكر- رضي الله عنه-: إن ذلك الطير ناعم، قال: أنعم منه من يأكله، وأنت منهم يا أبا بكر إن شاء الله». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى، شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة، تنبت الحلى، والثمار منهدلة على أفواهها». وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السري في الزهد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مغيث بن سمي رضي الله عنه قال: {طوبى} شجرة في الجنة ليس في الجنة دار إلا يظلها غصن من أغصانها، فيه من ألوان الثمر. ويقع عليها طير أمثال البخت، فإذا اشتهى الرجل طيراً دعاه فيقع على خوانه، فيأكل من إحدى جانبيه شواء، والآخر قديداً، ثم يصير طائراً فيطير فيذهب. وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء، وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، كلها ضروع، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {طوبى لهم} قال: غبطة {وحسن مآب} قال: حسن مرجع. وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {وحسن مآب} قال: حسن منقلب. وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه مثله.

13:27