{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)} {أَأَنذَرْتَهُمْ} (6)- أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَجَحَدُوا الحَقَّ وَسَتَرُوهُ، فَإِنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، سَوَاءٌ أَأَنْذَرْتَهُمْ وَخَوَّفْتَهُمْ عَاقِبَةَ بَغْيِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ، لأَنَّهُمْ لا تُؤَثِّرُ فِيهِم المَوْعِظَةُ. الكُفْرُ- هُوَ سَتْرُ الشَّيءِ وَتَغْطِيَتُهُ. سَوَاءٌ- مُسْتَوٍ. |
{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)} {ا أَبْصَارِهِمْ} {غِشَاوَةٌ} (7)- وَهؤُلاءِ قَدْ تَمَكَّنَ الكُفْرُ مِنْهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا وَكَأَنَّ الله، قّدْ وَضَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ خَتْماً فَأَصْبَحَتْ لا يَصِلُ إِلَيهَا شَيءٌ مِنَ الهِدَايَةِ، وَكَأَنَّ اللهَ وَضَعَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ خَتْماً فَأَصْبَحَتْ لا تَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، وَلا تَتَأَثَّرُ بِأَسْبَابِ الهِدَايَةِ، وَكَأَنَّ الله تَعَالَى أَلْقَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً فَأَفْقَدَهَا القُدْرَةَ عَلَى الرُّؤْيَةِ الوَاضِحَةِ الجَلِيَّةِ، لِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ سَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَسَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَباً لاستِحْقَاقِهِم العَذَابَ العَظِيمَ مِنْ رَبِّهِمْ. الخَتْمُ وَالطَّبْعُ والرَّينُ- بِمَعْنىً وَاحِدٍ، وَهُوَ تَغْطِيَةُ الشَّيءِ. الغِشَاوَةُ- الغِطَاءُ والسَّتْرُ. |
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)} {آمَنَّا} {الآخر} (8)- يَفْضَحُ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ، وَيَكْشِفُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُمْ وَخَفَايَا نُفُوسِهِمْ. وَالمُنَافِقُونَ هُمُ الذِينَ آمَنُوا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَيَتَظَاهَرُونَ بِالإِسْلامِ، وَهُمْ كُفَّارٌ، فَهَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ، وَلكِنَّهُمْ فِي الحَقِيقَةِ غَيْرُ مُؤْمِنينَ، وَلا مُخْلِصِين فِي إِيمَانِهِمْ. وَيَنْطَبِقُ لَفْظُ المُنَافِقِ عَلَى كُلِّ مَنْ يُظْهِرُ الخَيْرَ وَيُبطِنُ الشَّرَّ. النَّاسِ- هُمْ بَنُو البَشَرِ، وَسُمِّيَ النَّاسُ أُناساً لظُهُورِهِمْ وَتَعَلُّقِ الإِينَاسِ بِهِمْ. |
{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} {يُخَادِعُونَ} {آمَنُوا} (9)- وَهُمْ إِنَّما يُرِيدُونَ خِدَاعَ النَّبيِّ وَالمؤْمِنِينَ وَغِشَّهُمْ مِنْ وَرَاءِ تَظَاهُرِهِمْ أَمَامَ المسلِمينَ بِالإِسْلامِ. وَلكِنَّ الله يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُمْ، وَقَدْ نَبَّهَ رَسُولَه صلى الله عليه وسلم وَالمُؤْمِنينَ إِلى ذلِكَ، وَلِهذا فَإِنَّهُمْ لا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أَنَّ أَمْرَهُمْ مَكْشُوفٌ. الخِدَاعُ- أَنْ يُوهِمَ الإِنْسَانُ غَيْرَهُ خِلافَ مَا يُخْفِيهِ لِيَحُولَ بَينَهُ وَبَينَ مَا يُريدُ. |
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} (10)- فِي قُلوبِ هؤلاءِ المُنَافِقِينَ شَكٌّ وَنِفَاقٌ (مَرَضٌ) فَزَادَهُمُ اللهُ شَكّاً وَنِفَاقاً وَرِجْساً (مَرَضاً)، وَقَدْ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَاباً أليماً فِي الآخِرَةِ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ عَلَى اللهِ وَعَلَى النَّاسِ. مَرَضٌ- شَكٌّ وَنِفَاقٌ. |
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)} (11)- فَإِذَا قِيلَ لِهؤلاءِ المُنَافِقِينَ: لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ، وَلا تُثِيرُوا فِيها الفِتَنَ وَالحُرُوبَ، وَلا تُحَرِّضُوا الأَعدَاءَ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلا تُفْشُوا أَسْرارَ المُؤْمِنينَ لأَعْدَائِهِمْ، وَلا تَرتَكِبُوا المَعَاصِيَ وَغَيْرَ ذلِكَ مِنْ فُنُونِ الشَّرِّ... قَالُوا: إِنَّنا نُرِيدُ الإِصْلاحَ، فَنَحْنُ بَعِيدُونَ عَنِ الإِفْسَادِ وَشَوَائِبِهِ. والمُفْسِدُونَ يَدَّعُونَ دَائماً أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الإِصْلاحَ. الفَسَادُ- هُوَ خُروجُ الَّشيءِ عَنْ حَدِّ الاعتِدالِ. وَالفَسَادُ في الأَرْضِ- هُوَ إِثَارَةُ الاضْطِرَابَاتِ وَالفِتَنِ فِيهَا. الصَّلاحُ- هُوَ عَكْسُ الفَسَادِ. |
{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)} (12)- وَلكِنَّهُمْ فِي الحَقِيقَةِ هُمُ المُفْسِدُونَ، لأَنَّ مَا يَقُومُونَ بهِ هُوَ عَيْنُ الفَسَادِ، وَلكِنَّهُمْ لِجَهْلِهِمْ لا يَشْعُرونَ بِأَنَّهُ فَسَادٌ، وَلا يُدْرِكُونَ سُوءَ العَاقِبَةِ الذِي سَيَصِيرُون إِليهِ. |
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)} {أَأَنذَرْتَهُمْ} (6)- أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَجَحَدُوا الحَقَّ وَسَتَرُوهُ، فَإِنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، سَوَاءٌ أَأَنْذَرْتَهُمْ وَخَوَّفْتَهُمْ عَاقِبَةَ بَغْيِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ، لأَنَّهُمْ لا تُؤَثِّرُ فِيهِم المَوْعِظَةُ. الكُفْرُ- هُوَ سَتْرُ الشَّيءِ وَتَغْطِيَتُهُ. سَوَاءٌ- مُسْتَوٍ. |
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)} {آمَنَّا} {شَيَاطِينِهِمْ} {مُسْتَهْزِئُونَ} {آمَنُواْ} (14)- كَانَ المُنَافِقُونَ إِذا التَقَوْا بِالمُؤمِنينَ أَظْهَرُوا لَهُمُ الإِيمَانَ نِفَاقاً وَمُصَانَعَةً وَتَقِيَّةً، وَلكِنَّهُمْ حِينَما كَانُوا يَذْهَبُونَ إلى شَيَاطِينِهِمْ- أَيْ سَادَتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ مِنْ أَحْبَارِ اليَهُودِ، وَرُؤُوسِ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ-، وَيَخْتَلُونَ بِهِمْ بَعِيداً عَنْ سَمْعِ المُؤْمِنينَ وَأَبْصَارِهِمْ، كَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ إِنَّهُمْ كَفَرَةٌ، وَإِنَّهُمْ مَا زَالُوا مُقِيمِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَلكِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ لِلْمُؤمِنينَ نِفَاقاً وَتَقِيَّةً وَمُصَانَعَةً، واسْتِهْزَاءً بِالمُؤْمِنينَ وَدِينِهِمْ. الاستِهْزَاءُ- السُّخْرِيَةُ. خَلَوْا إلى شَيَاطِينِهِمْ- انْصَرَفُوا إِلَيهِمْ، وَانْفَرَدُوا بِهِمْ. |
{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)} {طُغْيَانِهِمْ} (15)- وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَلَى هؤُلاءِ المُنَافِقِينَ وَيَقُولُ لهُمْ: إِنَّهُ عَالِمٌ بِسَرَائِرِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ، وَإِنَّهُ يَمُدُّ لَهُمْ فِي الغِوَايَةِ وَالضَّلالِ، وَيَزيدُهُمْ مِنهُما، وَهُوَ الذِي يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَتْرُكُهُمْ حَيَارَى فِي ضَلالِهِمْ لا يَجِدُونَ إِلى الخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ سَبِيلاً. العَمَهُ- هُوَ الضَّلالُ والاسْتِرْسَالُ فيهِ، وَهُوَ ظُلْمَةُ البَصِيرَةِ. مَدَّ الجَيْشَ، وَأَمَدَّهُ- زَادَهُ عَدَداً وَقَوَّاهُ بَالمَدَدِ. طُغْيَانِهِمْ- مُجَاوَزَتِهِم الحَدَّ فِي الكُفْرِ. |
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} {أولئك ا} {الضلالة} {تِّجَارَتُهُمْ} (16)- فَهؤُلاءِ المُنَافِقُونَ هُمُ الذِينَ أَخَذُوا الضَّلالَةَ وَالكُفْرَ وَتَرَكُوا الهُدَى وَالإِيمَانَ، وَكَأَنَّهُمْ عَقَدُوا صَفْقَةً بِذَلِكَ، وَلكِنَّ هذِهِ الصَّفْقَةَ خَسِرَتْ وَلَمْ تَربَحْ لأَنَّهُمْ بَاعُوا مَا وَهَبَهُمُ اللهُ مِنْ نُورٍ وَهُدىً، بِضَلالاتِ البِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَلَمْ يَهْتَدُوا فِي عَمَلِهِمْ هذا إِلى الحَقِّ وَالإِيمانِ والصَّوابِ. |