Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 1
الربع رقم 1
quran-border  مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين
Page Number

1

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)} {ظُلُمَاتٍ} (17)- يُصوِّرُ اللهُ تَعَالى حَالَ المُنَافِقِينَ الذِينَ أَسْلَمُوا وَدَخَلَ نُورُ الإِيمَانِ إِلى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ دَاخَلَهُمُ الشَّكُّ فِيهِ فَكَفَرُوا، فَيَقُولُ: إِنَّ حَالَهُمْ يُشْبِهُ حَالَ جَمَاعَةٍ أَوْقَدوا نَاراً لِيَنْتَفِعُوا بِها فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُمْ مِنَ الأَشْيَاءِ وَالأَمَاكِنِ، عَرَضَ لَهَا عَارِضٌ أَطْفَأَهَا فَأَصْبَحُوا فِي ظَلامٍ دَامِسٍ لا يَتَسَنَّى لَهُمْ مَعَهُ الإِبْصَارُ والاهْتِدَاءُ، ذلِكَ لأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا فَضَائِلَ الإِيمَانِ وَمَحَاسِنَهُ، فَأَصْبَحُوا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ لا يُبْصِرُونَ مَسْلَكاً مِنْ مَسَالِكِ الهِدَايَةِ وَالنَّجَاةِ. المَثَلُ- الشَّبَهُ. اسْتَوْقَدَ نَاراً- طَلَبَ إِيقَادَها.

{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)} (18)- وَهؤُلاءِ كَأَنَّهُمْ صُمٌّ لا يَسْمَعُونَ، وَبُكْمٌ لا يَنْطِقُونَ، وَعُمْيٌ لا يُبْصِرُونَ، لأَنَّهُمْ لا يَنْتَفِعُونَ بِحَوَاسِّهِمْ مَعَ سَلامَتِهَا، وَلِذلِكَ فَإِنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْجِعُوا إِلى الحَقِّ لأَنَّ مَنْ فَقَدَ حَوَاسَّهُ لاِ يَسْمَعُ صَوْتاً يَهْتَدِي بِهِ، وَلا يَصِيحُ لِيُنْقِذَ نَفْسَهُ، وَلا يَرَى بَارِقاً مِنْ نُورٍ يَتَّجِهُ إِليهِ وَيَقْصُدُهُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ حَالُهُ: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ يَتَرَدَّى فِي مَهَاوِي الهَلاكِ. الصَّمَمُ- آفَّةٌ تَمْنَعُ السَّمعَ. البَكَمُ- الخَرَسُ، وَفَقْدُ القُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ.

{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)} {ظُلُمَاتٌ} {أَصَابِعَهُمْ} {آذَانِهِم} {بالكافرين} (19)- وَحِينَما جَاءَتْ هؤُلاءِ المُنَافِقِينَ دَعْوَةُ اللهِ، وَبَيِّناتُهُ وآياتُهُ، وَوُجِّهَتْ أَبْصَارُهُمْ إِلى حُجَجِ اللهِ القَائِمَةِ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ الْتَمَعَ في نُفُوسِهِمْ قَبَسٌ مِنْ نُورِ الهِدَايَةِ، وَلكِنَّهُمْ سُرْعَانَ مَا اعْتَرَضَتْهُمْ ظُلمَاتُ الشُّبَهِ وَالتَّقَالِيدِ وَالخَوْفِ مِنَ الذَّمِّ، إِذا أَخَذُوا بمَا يُخَالِفُ آراءَ مَنْ حَوْلَهُمْ، فَاعْتَرَتْ نُفُوسَهُمُ الحَيْرَةُ والقَلَقُ والاضْطِرابُ. وَقَدْ مَثَّلَ اللهُ حَالَ هؤلاءِ المُنَافِقِينَ بِحَالِ قَوْمٍ في إِحدَى الفَلَواتِ نَزَلَ بِهِمْ- بَعْدَ حُلُولِ ظَلامِ اللَّيلِ- مَطَرٌ شَدِيدٌ يَتَسَاقَطُ مِنَ السَّمَاءِ، تُصَاحِبُهُ رُعُودٌ قَاصِفَةٌ، وَبُرُوقٌ لامِعَةٌ، وَصَوَاعِقُ مُنْقَضَّةٌ فَتَولاهُمُ الدَّهَشُ والرُّعْبُ، وَأَهْوَوْا بِأَصَابِعِهِمْ لِيَضَعُوهَا فِي آذانِهِمْ لِيَمْنَعُوا وُصُولَ الأَصْوَاتِ المُخِيفَةِ المُزْعِجَةِ إِلى أَسْمَاعِهِمْ، لِمَا يَحْذَرُونَهُ مِنَ المَوْتِ. وَلكِنْ هَلْ يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ؟ إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بأَسْمَاعِهِم وَأبْصَارِهِمْ وَلكِنَّهُ إِذا لمْ يَفْعَلْ فَمَا ذلِكَ إِلا لحِكْمَةٍ اقْتَضَتْهَا مَشِيئَتُهُ. الصَّيِّبُ- المَطَرُ الذِي يَنْزِلُ. الرَّعْدُ- الصَّوتُ الذِي يُسْمَعُ فِي السَّحَابِ وَقْتَ البَرْقِ. البَرْقُ- النُّورُ اللامِعُ في السَّحَابِ. الصَّاعِقَةُ- نَارٌ تَنْقَضُّ مِنْ بَيْنِ السَّحَابِ.

{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} {أَبْصَارَهُمْ} {وَأَبْصَارِهِمْ} (20)- يَكَادُ بَرْقُ الإِيمَان يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ لِشِدَّةِ ضَوْئِهِ، فَكُلَّما ظَهَرَ لَهُمْ شَيءٌ مِنَ الإِيمَانِ، اسْتَأْنَسُوا بِهِ واتَّبَعُوهُ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ فَتُظْلِمُ نُفُوسُهُمْ، وَيَقِفُونَ حَائِرِينَ مُتَرَدِّدِينَ. وَكَذَلِكَ يَكُونُ حَالُ المُنَافِقِينَ مُتَفَاوِتينَ فِي الدَّرَجَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَلَو شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، لِمَا تَرَكُوا مِنَ الحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَاللهُ وَاسِعُ القُدْرَةِ، إِذا أَرَادَ شَيئاً فَعَلَهُ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ أَبَداً فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ. قَامَ- وَقَفَ في مَكَانِهِ. أَظْلَمَ عَلَيهِمْ- خَفِيَ عَلَيهِم البَرْقُ وَاسْتَتَرَ. يَخْطَفُ- يَذْهَبُ بِهَا بِسُرْعَةٍ.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} {يَاأَيُّهَا} (21)- يَدْعُو اللهُ تَعَالَى النَّاسَ (وّقّالّ بّعْضَ المُفَسِّرِينَ إِنَّهُ قَصَدَ بِدَعْوَتِهِ هذِهِ هُنَا المُنَافِقينَ وَالكَافِرِينَ) إِلى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، عِبَادَةَ خُشُوعٍ وَإِخْلاصٍ، لأَنَّهُ هُوَ الذِي خَلَقَهُمْ، وَخَلَقَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الأَجْيَالِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذلِكَ أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّقْوَى، وَبَلَغُوا الغَايَةَ القُصْوَى، وَكَانُوا مِنْ عِبَادِ اللهِ المُتَّقِينَ الذِينَ يُذْعِنُونَ لِلْحَقِّ، وَيَخَافُونَ سُوءَ العَاقِبَةِ.

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} {فِرَاشاً} {الثمرات} (22)- فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَذِي جَعَلَ الأَرْضَ لِلنَّاسِ مُوطَّأَةً مِثْلَ الفِراشِ لِيَنْتَفِعُوا بِخَيْرَاتِها، وَليَسْهُلَ عَلَيهِم الاستِقْرارُ عَلَيها، وَجَعَلَ السَّمَاءَ سَقْفاً يُحِيطُ بِالأَرْضِ (بِنَاءً)، وَزَيَّنَهَا بِالكَوَاكِبِ لِيَهْتَدِيَ بِها السَّارِي فِي ظُلُماتِ اللَّيلِ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ أَنْواعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ رِزْقاً لَهُمْ وَلأَنْعَامِهِمْ، وَفِي كُلِّ ذلِكَ مَا يَهْدِي العَقْلَ إِلى أَنَّ خَالِقَ هذا الكَوْنِ البَدِيعِ المِثَالِ لا نِدَّ لَهُ وَلا نَظِيرَ، لِذلِكَ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ الذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَعبُدُوهُ. ثُمَّ يأمُرُ اللهُ تَعَالى العِبَادَ بِأَنْ يَعبُدُوهُ، وبِأَنْ لا يَجْعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ وَأَنْدَاداً يُمَاثِلُوَنُهْم بِهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَالخَلْقِ، وَلا نَظِيرَ لَهُ وَلا مُمَاثِلَ. نِدٌّ- نَظِيرٌ وَمُمَاثِلٌ وَشَبيهٌ. فِراشاً- بِسَاطاً وَوِطَاءً للاسْتِقْرارِ عَلَيهَا.

{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)} {صَادِقِينَ} (23)- وَيَتَحَدَّى اللهُ المُشْرِكِينَ وَالكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا فِي شَكِّ (رَيْبِ) مِنْ صِحَّةِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ، مِنْ وَحْي وَقُرْآنٍ، فَلْيَأْتُوا بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مِثْلِ هذا القُرآنِ فِي بَلاغَتِهَا وَإِحْكَامِهَا وَهِدَايَتِهَا، وَلْيَدْعُوا آلِهَتَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ وَمَنْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ (شُهَدَاءَهُمْ) مِنْ دُونِ اللهِ، إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَاعتِقَادَاتِهِمْ. ادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ- أَحْضِرُوا آلِهَتَكُمْ الذِينَ تَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ.

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} {لِلْكَافِرِينَ} (24)- فَإِنْ لَم يَسْتَطِيعُوا هُمْ وِشُرَكَاؤهُمْ وَشُهَداؤهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنَ القُرآنِ الكَرِيمِ (وَهُمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ أَبَداً مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ) فَلْيَعْلَمُوا أَنَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْ وَحيِ المُكَابِرِينَ المُعانِدِينَ المُكَذِّبينَ بِالحَقِّ، وَفِيما يُبَلِّغُهُ عَنْ رَبِّهِ، وَيَكُونُونَ هُمُ المُكَابِرِينَ المُعَانِدِينَ المُكَذِّبينَ بِالحَقِّ، وَعَلَيهِمْ أَنْ يَخْشَوْا عَذَابَ اللهِ وَنَارَهُ التِي يَكُونُ النَّاسُ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ أَصْنَامٍ وَحِجَارَةٍ... مِنَ الوَقُودِ الذِي تَشْتَعِلُ بِهِ، وَهِيَ مُعَدَّةٌ لِتَعْذِيبِ الكَافِرِينَ الجَاحِدِينَ المُعَانِدِينَ.