Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 3
الربع رقم 4
quran-border  الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الالباب ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين ثم افيضوا من حيث افاض الناس واستغفروا الله ان الله غفور رحيم فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وما له في الاخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار اولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب
Page Number

1

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)} أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في قوله: {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة». وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج أشهر معلومات شوال، وذو القعدة، وذو الحجة». وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في قوله تعالى {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة». وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عمر بن الخطاب {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع. أنه سئل أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج؟ فقال: نعم، كان يسمّي شوالاً، وذا القعدة، وذا الحجة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وعطاء والضحاك. مثله. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود {الحج أشهر معلومات} قال شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي من طرق عن ابن عباس {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، لا يفرض الحج إلا فيهن. وأخرج ابن المنذر والدارقطني والطبراني والبيهقي عن عبد الله بن الزبير {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد وإبراهيم. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود. أنه سئل عن العمرة في أشهر الحج فقال: الحج أشهر معلومات، ليس فيهن عمرة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال عمر: افصلوا بين حجكم وعمرتكم، اجعلوا الحج في أشهر واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحجكم ولعمرتكم. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عون قال: سئل القاسم عن العمرة في أشهر الحج؟ فقال: كانوا لا يرونها تامة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر في قوله: {فمن فرض فيهن الحج} قال: من أهلَّ فيهن الحج. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: الفرض الإِحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير {فمن فرض فيهن الحج} قال: الإِهلال. وأخرح ابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن ابن الزبير قال: فرض الحج الإِحرام. وأخرح ابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرض الإِهلال. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: الإِهلال الحج. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فمن فرض فيهن الحج} يقول: من أحرم بحج أو عمرة. وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله: {الحج أشهر معلومات}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج. وأخرج ابن مردويه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج». وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر موقوفا. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال لرجل قد أحرم بالحج في غير أشهر الحج: اجعلها عمرة فإنه ليس لك حج، فإن الله يقول {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: فمن فرض فيهن الحج فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية والإِحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وإبراهيم. مثله. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه عن خلاد بن السائب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال والتلبية فإنها شعار الحج». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جاءني جبريل فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعار الحج». وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير قال: التلبية زينة الحج. وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه عن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: «العج والثلج». وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وههنا عن يمينه وشماله». وأخرج أحمد وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من محرم يضحي لله يومه، يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه». وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر «أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك» وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل. وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس. أن رجلاً أوقصته راحلته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً». وأخرج الشافعي عن جابر بن عبد الله قال: ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجاً قط ولا عمرة. وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم «لبيك إله الخلق لبيك». وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن سعد بن أبي وقاص. أنه سمع بعض بني أخيه وهو يلبي: يا ذا المعارج. فقال سعد: إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج الشافعي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذه برحمته من النار». وأخرج الشافعي عن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية. أما قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «في قوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} قال: الرفث الاعرابة والتعريض للنساء بالجماع، والفسوق المعاصي كلها، والجدال جدال الرجل لصاحبه». وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} قال: لا جماع ولا فسوق. قال: المعاصي والكذب». وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس في الآية: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء. وفي لفظ: أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الرفث غشيان النساء والقبل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، والفسوق معاصي الله كلها، والجدال المراء والملاحاة. وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن طاوس قال: سألت ابن عباس عن قوله: {فلا رفث} قال: الرفث الذي ذكر هنا ليس الرفث الذي ذكر في {أحل لكم ليلة الصيام الرفث} [ البقرة: 187] ذاك الجماع، وهذا العراب بكلام العرب، والتعريض بذكر النكاح. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي العالية قال: كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم وهو يرتجز بالإِبل ويقول: وهن يمشين بنا هميساً *** إن صدق الطير ننك لميسا فقلت: أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما روجع به النساء. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر في الآية قال: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال السباب والمنازعة. وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر في قوله: {فلا رفث} قال: غشيان النساء {ولا فسوق} قال: السباب {ولا جدال} قال: المراء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في الآية فقال: الرفث اتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم، والفسوق اتيان معاصي الله في الحرم، والجدال السباب، والمراء والخصومات. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تعرض بذكر النساء. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس أن عبد الله بن الزبير قال: إياكم والنساء فإن الاعراب من الرفث. قال طاوس: وأخبرت بذلك ابن عباس فقال: صدق ابن الزبير. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس. أنه كره الاعراب للمحرم قيل: وما الاعراب؟ قال: أن يقول لو أحللت قد أصبتك. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال: الرفث اتيان النساء، والجدال تماري صاحبك حتى تغضبه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس في الآية قال: الرفث الجماع، والفسوق والمنابزة بالألقاب تقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وعكرمة قالا: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك وعطاء. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: الرفث اتيان النساء، والفسوق السباب، والجدال المماراة. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: الرفث الغشيان، والفسوق السباب، والجدال الاختلاف في الحج. وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير في قوله: {فلا رفث} قال: لا جماع {ولا فسوق} لا سباب {ولا جدال} لا مراء. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {ولا جدال في الحج} قال: الجدال كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم. وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولا جدال في الحج} قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم، فقطعه الله حين أعلم نبيه بمناسكهم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولا جدال في الحج} قال: «لا شبهة في الحج ولا شك في الحج قد بين وعلم وقته، كانوا يحجون في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر من أجل النسيء الذي نسأ لهم أبو يمامة حين وافقت حجة أبي بكر في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فذلك حين يقول: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض». وأخرج سفيان بن عيينة وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله: {ولا جدال في الحج} قال: صار الحج في ذي الحجة فلا شهر ينسىء. وأخرج سفيان وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة. مثله. وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى نسكه وقد سلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه». وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل أحبّ إلى الله من جهاد في سبيله، وحجة مبرورة متقبلة لا رفث ولا فسوق ولا جدال». وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل الله أفضل من حجة مبرورة، لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال». وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر قالت «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً، وكانت زاملتنا مع غلام أبي بكر، فجلسنا ننتظر حتى تأتينا، فاطلع الغلام يمشي ما معه بعيره فقال أبو بكر: أين بعيرك؟ قال: أضلني الليلة، فقام أبو بكر يضربه، ويقول: بعير واحد أضلك وأنت رجل؟ فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تبسم وقال: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع». وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: لا ينظر المحرم في المرآة ولا يدعو على أحد، وإن ظلمه. وأما قوله تعالى: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}. أخرج عبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون، يقولون: نحن متوكلون، ثم يقدمون فيسألون الناس، فأنزل الله: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا. فقال الله: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى} ما يكف وجوهكم عن الناس. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زاداً آخر، فأنزل الله: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى} فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتزوّدوا الكعك والدقيق والسويق. وأخرج الطبراني عن الزبير قال: كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد، فأمرهم الله أن يتزوّدوا فقال: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى}. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: كان الناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون: نتوكل على الله، فأنزل الله: {وتزوّدوا...} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى} قال: كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون، فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى. وأخرج سفيان بن عيينة وابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى} قال: كان أناس يقدمون مكة بغير زاد في أيام الحج، فأمروا بالزاد. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {وتزوّدوا} قال: السويق والدقيق والكعك. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير {وتزوّدوا} قال: الخشكناتج والسويق. وأخرج سفيان بن عيينة عن سعيد بن جبير {وتزوّدوا} قال: هو الكعك والزيت. وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الشعبي قال: {وتزوّدوا} قال: الطعام التمر والسويق. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال: «لما نزلت هذه الآية {وتزوّدوا} قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله ما نجد زاداً نتزوّده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوّد ما تكف به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم به التقوى». وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال: في قراءة عبد الله {وتزوّدوا وخير الزاد التقوى}. وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يتزوّد في الدنيا ينفعه في الآخرة». وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن الزبير بن العوّام «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العباد عباد الله والبلاد بلاد الله، فحيث وجدت خيراً فأقم واتق الله». وأخرج أحمد والبغوي في معجمه والبيهقي في سننه والأصبهاني عن رجل من أهل البادية قال: «أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله، فكان فيما حفظت عنه أن قال: إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا أعطاك الله خيراً منه». وأخرج أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وصححه وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: الأجوفان: الفم والفرج». وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن رجل من بني سليط قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يظلمه، التقوى هاهنا التقوى هاهنا وأومأ بيده إلى صدره». وأخرج الأصبهاني عن قتادة بن عياش قال: «لما عقد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومي أتيته مودعاً له فقال: جعل الله التقوى زادك، وغفر ذنبك، ووجهك للخير حيث تكون». وأخرج الترمذي والحاكم عن أنس قال: «جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أريد سفراً فزوّدني، فقال: زوّدك الله التقوى قال: زدني. قال: وغفر ذنبك. قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: ويسر لك الخير حيثما كنت». وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد سفراً فقال: أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما مضى قال: اللهم ازو له الأرض، وهوّن عليه السفر». وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي بكر الصديق. أنه قال في خطبته: الصدق أمانة، والكذب خيانة، أكيس الكيس التقى، وأنوك النوك الفجور. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن عمر بن الخطاب. أنه كتب إلى ابنه عبد الله: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، فإنه من اتقاه وفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاء قلبك، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسنة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن ما زين القرآن؟ قال: التقوى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم اتق الله ونم حيث شئت. وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال: الإِيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله العفة. وأخرج ابن أبي الدنيا عن داود بن هلال قال: كان يقال: الذي يقيم به العبد وجهه عند الله التقوى، ثم يتبعه الورع. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عروة قال: كتبت عائشة إلى معاوية. أما بعد فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس، وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي حازم قال: ترصدني أربعة عشر عدواً، أما أربعة منها فشيطان يضلني، ومؤمن يحسدني، وكافر يقاتلني، ومنافق يبغضني. وأما العشرة منها فالجوع، والعطش، والحر، والبرد، والعري، والهرم، والمرض، والفقر، والموت، والنار، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام، ولا أجد لهم سلاحاً أفضل من التقوى. وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا، وعلمنا مما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئاً هو أفضل من تقوى الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر. وأخرج الأصبهاني عن زيد بن أسلم قال: كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا.

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)} أخرج سفيان وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في الموسم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} في مواسم الحج. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، ويقولون أيام ذكر الله، فنزلت {ليس عليكم جناح...} الآية. وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس: في أوّل الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فانزل الله {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج}فحدث عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة التميمي قال: «قلت لابن عمر: إنا ناس نكتري فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وبين الصفا والمروة، وتأتون المعرف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ قلت: بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الآية وقال: أنتم حجاج». وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الزبير. أنه قرأ {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج}. وأخرج وكيع وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة والبخاري وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. أنه كان يقرأ {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج}. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عطاء قال: نزلت {لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم} في مواسم الحج وفي قراءة ابن مسعود: في مواسم الحج فابتغوا حينئذ. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ليس عليكم جناح} يقول: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال: كان ناس لا يتجرون أيام الحج، فنزلت فيهم {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم}. وأخرج أبو داود عن مجاهد، أن ابن عباس قرأ هذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} قال: كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات. وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} قال: التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: كان ناس من أهل الجاهلية يسمون ليلة النفر ليلة الصدر، وكانوا لا يعرجون على كسير ولا ضالة ولا لحاجة ولا يبتغون فيها تجارة، فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله. أما قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات}. أخرج وكيع وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما تسمى عرفات لأن جبريل كان يقول لإِبراهيم عليهما السلام: هذا موضع كذا، وهذا موضع كذا. فيقول: قد عرفت قد عرفت، فلذلك سميت عرفات. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: إنما سميت عرفات لأنه قيل لإبراهيم حين أري المناسك عرفت. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن علي. مثله. وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد- وكان إذا خطب قال أما بعد- فإن هذا اليوم الحج الأكبر، ألا وأن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفاً هدينا لهدي أهل الشرك». وأخرج البيهقي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه، ومن فاته فقد فاته الحج». وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإِبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء، وإن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة، فإذا كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعاً للذي يبيتون به، ثم ليذكروا الله كثيراً وأكثروا التكبير والتهاليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا فإن الناس كان يفيضون وقال الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} [ البقرة: 199] حتى ترموا الجمرة. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة. وأخرج أبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر». وأخرج مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف». وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفة وكل جمع موقف، وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح». وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه وابن ماجة عن علي قال: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد، وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يميناً وشمالاً، يلتفت إليهم يقول: يا أيها الناس عليكم السكينة. ثم أتى جمعاً فصلى بهم الصلاتين جميعاً، فلما أصبح أتى قزح وقف عليه وقال: هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر ففزع ناقته فخبب حتى جازوا الوادي فوقف وأردف الفضل، أم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر». وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال: إني رسول رسول الله إليكم. يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من ارث إبراهيم. وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة، فقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بايجاف الخيل والإِبل. قال: فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعاً، ثم أردف الفضل بن العباس فقال: أيها الناس إن البر ليس بايجاف الخيل والإِبل فعليكم بالسكينة. قال: فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى. وأخرج البخاري عن ابن عباس «أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً للإِبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإِيضاع». وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «إنما كان بدء الإِيضاع من أهل البادية، كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا العقاب والعصي، فإذا أفاضوا تقعقعوا، فانفرت الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن ظفري ناقته لا يمس الأرض حاركها، وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالسكينة». وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أسامة بن زيد «أنه سأل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفات قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص». وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس، فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول: «إليك تعدو قلقاً وضينها *** مخالفاً دين النصارى دينها» وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير، أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال: إليك تعدو قلقاً وضينها *** مخالفاً دين النصارى دينها وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وأبا سلمة بن سفيان، واقفين على طرف بطن عرفة فوقفت معهما، فلما دفع الإِمام دفعاً وقالا: إليك تعدو قلقاً وضينها *** أمخالفاً دين النصارى دينها يكثران من ذلك، وزعم أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس «أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة». وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد «أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة، فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط، فلما رجع جئت إليه بالأداوه فتوضأ، ثم ركب حتى أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء». وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، باقامة واحدة. أما قوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام}. أخرج وكيع وسفيان وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو. أنه سئل عن المشعر الحرام، فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال: هذا المشعر الحرام. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: المشعر الحرام مزدلفة كلها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر. أنه رأى الناس يزدحمون على قزح فقال: علام يزدحم هؤلاء؟ كل ما هاهنا مشعر. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} قال: هو الجبل وما حوله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: ما بين جبلي مزدلفة فهو المشعر الحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الأسود قال: لم أجد أحداً يخبرني عن المشعر الحرام. وأخرج مالك وابن جرير عن عبد الله بن الزبير قال: عرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنة والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر. وأخرج الأزرقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا عن بطن عرنة، وارفعوا عن بطن محسر». وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة؟ قال: المزدلفة إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال: قف بأيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح. وأخرج الحاكم وصححه عن جابر. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين وقف بعرفة «هذا الموقف وكل عرفة موقف. وقال حين وقف على قزح: هذا الموقف وكل المزدلفة موقف». وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف عند المشعر الحرام، ويقف الناس يدعون الله، ويكبرونه، ويهللونه، ويمجدونه، ويعظمونه، حتى يدفع إلى منى. وأخرج الأزرقي عن نافع قال: كان ابن عمر يقف بجمع كلما حج على قزح نفسه لا ينتهي حتى يتخلص عنه، فيقف عليه الامام كلما حج. وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر. أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإِمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: رخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر بن الخطاب بجمع بعدما صلى الصبح، وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس. وأخرج الأزرقي عن كليب الجهني قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع، والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريباً منها. وأخرج الأزرقي عن ابن عمر قال: كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان. وأخرج الأزرقي عن إسحاق بن عبد الله بن خارجة عن أبيه قال: لما أفاض سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح فقال لخارجة بن زيد: يا أبا زيد من أوّل من صنع النار ههنا؟ قال خارجة: كانت في الجاهلية وضعها قريش، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة وتقول: نحن أهل الله قال خارجة: فاخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي قالوا: كان قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة ناراً حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفات. وأخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع عبد الله إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بآذان وإقامة والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر وقائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال» إن هاتين الصلاتين حوّلتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء، فلا يقدم الناس جمعاً حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى اسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإِمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له، حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشمس ثم يفيض، فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن عروة بن مضرس قال «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت: جئتك من جبل طيىء وقد أكلت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلى وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال: من صلى معنا هذه الصلاة في هذا المكان، ثم وقف هذا الموقف حتى يفيض الإِمام، وكان وقف قبل ذلك من عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه». وأخرج الشافعي عن ابن عمر قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بجبل عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، ويطوف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج قابلاً فليحج إن استطاع وليهد بدنة، فإن لم يجد هدياً فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. وأخرج مسلم والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد. أن عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقال أعرابي: من هذا؟ قال عبد الله: انسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان «لبيك اللهم لبيك». وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله: {واذكروه كما هداكم} قال: ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع، ويفيض سائر الناس من عرفات، فأبى الله لهم ذلك، فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج عبد بن حميد عن سفيان {وإن كنتم من قبله} قال: من قبل القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} قال: لمن الجاهلين. وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه». وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهل التوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي تهلون به، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته حتى أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين يقرأ فيهما بقل هو الله أحد، وبقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [ البقرة: 158] فبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر الله وحده وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال: مثل هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى أهلوا بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فاجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر بالقصواء فرحلت، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم عثمان بن ربيعة بن الحرث بن المطلب، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، اتقوا الله في النساء أخذتموهن بامانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت قال: اللهم اشهد، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص، وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى: السكينة أيها الناس كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى صعد حتى أتى المزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد الله وكبره وَوَحَّدَهُ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى محسراً، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر، فنحر بيده ثلاثاً وستين، وأمر علياً ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقتها ثم ركب، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فأدلوه دلواً فشرب منه.

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في سننه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإِسلام أمر نبيه أن يأتي عرفات ثم يقفون بها ثم يفيض منها، فذلك قوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت، كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قال: كانت الحمس الذين أنزل الله فيهم {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت: كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة، يقولون: لا نفيض إلا من الحرم. فلما نزلت {أفيضوا من حيث أفاض الناس} رجعوا إلى عرفات. وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم فقال الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والطبراني عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيراً لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة، فقلت والله إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس. وزاد الطبراني وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس حرمكم، وكانوا لا يخرجون من الحرم. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولن: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم، ثم يدفع إذا دفعوا. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وأنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس يدفع معهم منها، وما ذاك إلا توفيق من الله». وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت العرب تقف بعرفة وكانت قريش دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت قريش يقفون بالمزدلفة ويقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة، فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: كانت قريش وكل ابن أخت لهم وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات أنما يفيضون من المغمس، كانوا يقولون: إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وكانت سنة إبراهيم وإسمعيل الإِفاضة من عرفات. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {من حيث أفاض الناس} قال: إبراهيم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قال: عرفة، كانت قريش تقول: إنما نحن حمس أهل الحرم لا يخلف الحرم المزدلفة، أمروا أن يبلغوا عرفة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشاً وأحلافها وهي الحمس، فقال بعضهم: لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن تتهاونوا بحرمكم، فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات. أما قوله تعالى: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}. أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في الملائكة، فيقول لهم: عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم؟ فيقال: أن يغفر لهم. فذلك قوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والحاكم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراده هؤلاء». وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً». وأخرج البزار وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر- يعني عشر ذي الحجة- قيل: وما مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويستعيذون من عذابي ولم يروه، فلم ير يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار منه». وأخرج أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما من يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة». وأخرج مالك والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا ادحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا مما يرى فيه من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر. قالوا: يا رسول الله وما الذي رأى يوم بدر؟ قال: رأى جبريل يزع الملائكة». وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس «أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، وكان الفتى يلاحظ النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ببصره هكذا وصرفه، وقال يا ابن أخي: هذا يوم من ملك فيه بصره إلا من حق، وسمعه إلا من حق، ولسانه إلا من حق، غفر له». وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير». وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير». وأخرج الترمذي وابن خزيمة والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال: «كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول: اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تدآبي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أسألك من خير ما تجيء به الريح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح». وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف فيستقبل القبلة بوجهه، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، ثم يقرأ {قل هو الله أحد} [ الإِخلاص: 1] مائة مرة، ثم يقول: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة إلا قال الله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى عليَّ وصلى على نبيي، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم. قال البيهقي: هذا متن غريب، وليس إسناده من ينسب إلى الوضع». وأخرج البيهقي في الشعب عن بكير بن عتيق قال: حججت فتوسمت رجلاً أقتدي به إذا سالم بن عبد الله في الموقف يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله ولو كره المشركون، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأوّلين. فلم يزل يقول هذا حتى غابت الشمس، ثم نظر إلي وقال: حدثني أبي عن جدي عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين». وأخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي قلبي نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدور، وتشتت الأمور، وعذاب القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، شر بوائق الدهر». وأخرج الجندي عن ابن جريج قال: بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي وابن أبي عاصم والطبراني معاً في الدعاء والبيهقي في الدعوات عن عبد الله بن مسعود قال: ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفة بهذه الدعوات- وهي عشر كلمات- ألف مرة إلا ولم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أو اثماً. سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض موطنه، سبحان الذي في البحر سبيلة، سبحان الذي في النار سلطانه، سبحان الذي في الجنة رحمته، سبحان الذي في القبور قضاؤه، سبحان الذي في الهواء روحه، سبحان الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرض، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. قيل له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وأخرج ابن أبي شيبة عن صدقة بن يسار قال: سألت مجاهداً عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أم الذكر؟ قال: لا بل قراءة القرآن. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي عن علي بن أبي طالب أنه قال وهو بعرفات: لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلاً، لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقاً للرقاب فيه من يوم عرفة، فأكثروا في ذلك اليوم من قول: اللهم اعتق رقبتي من النار، وأوسع لي في الرزق، واصرف عني فسقة الجن والإِنس، فإنه عامة ما أدعوك به. وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عباس قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة «اللهم أنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المساكين، وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وادعوك دعاء الخائف المضرور من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، ونحل لك جسده ورغم أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً يا خير المسؤولين ويا خير المعطين». وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر. أنه كان يرفع صوته عشية عرفة يقول: اللهم اهدنا بالهدي، وزينا بالتقوى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، ثم يخفض صوته بقوله: اللهم إني أسألك من فضلك رزقاً طيباً مباركاً، اللهم إني أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإِجابة، وإنك لا تخلف وعدك ولا تنكث عهدك، اللهم ما أحببت من خير فحببه إلينا ويسره لنا، وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه، ولا تنزع منا الإِسلام بعد إذ أعطيتناه. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر الهروي في المناسك عن أبي مجلز قال: شهدت ابن عمر بالموقف بعرفات، فسمعته يقول: الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة، ثم يقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً ويسكت قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يعود فيقول مثل ذلك حتى أفاض. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد الله بن أحمد بن عطية قال: سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ولِمَ لم يكن في الحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون. قيل: يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر؟ قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة، فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة. قيل: يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته، ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه. قيل: يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثل الرجل بينه وبين سيده جناية فتعلق بثوبه وتنصل إليه وتحدى له ليهب له جنايته. وأخرج ابن زنجويه والأزرقي والجندي ومسدد والبزار في مسنديهما وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس بن مالك قال: «كنت قاعداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف أتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه ثم قالا: يا رسول الله جئنا نسألك. قال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه، وإن شئتما سألتماني. قال: أخبرنا يا رسول الله نزداد إيماناً ويقيناً! قال للأنصاري: جئت تسأل عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، يعني الإِفاضة. قال: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأسألك عن ذلك. وقال: أما مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفاً ولا تضعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة، وأما طوافك بالبيت فإنك لا ترفع قدماً ولا تضعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني من كل فج عميق شعثاً غبراً يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبهم مثل الرمل، وعدد القطر، ومثل زبد البحر، ومثل نجوم السماء، لغفرتها لهم ويقول: أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم فيه، وأما رميك الجمار فإن الله يغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما طوافك بالبيت- يعني الافاضة- فإنك تطوف ولا ذنب عليك، ويأتيك ملك فيضع يده بين كتفيك ويقول: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى». وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عمر قال: «كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما ثم قالا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم جئناك نسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت. فقالا: أخبرنا يا رسول الله! فقال الثقفي للأنصاري: سل. فقال: اخبرني يا رسول الله. فقال: جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإِفاضة. فقال: والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك. قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب لك به حسنة ومحى عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى». وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: «أيها الناس إن الله تطوّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله. فلما كان غداة جمع قال: أيها الناس إن الله قد تطوّل عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله فقال أصحابه: يا رسول الله أفضت بنا الأمس كئيباً حزيناً، وأفضت بنا اليوم فرحاً مسروراً؟ فقال: إني سألت ربي بالأمس شيئاً لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوّضتها من عندي». وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله، فلما كان بجمع قال: إن الله قد غفر لصالحيكم، وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده بالويل والثبور». وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه والضياء المقدسي في المختارة عن العباس بن مرداس السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه: إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضاً، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها. فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيراً من مظلمته وتغفر لهذا الظالم. فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه الله أني قد غفرت لهم. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أصحابه؟ قال: «تبسمت من عدوّ الله إبليس، إنه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه». وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي وأبو يعلى عن أنس «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تطوّل على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق، فاشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم، فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله، فيقول: يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم». وأخرج ابن المبارك عن أنس بن مالك قال: «وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: يا بلال أنصت لي الناس. فقام بلال فقال: انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصت الناس فقال: يا معاشر الناس أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات. فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة. فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب». وأخرج ابن ماجة عن بلال بن رباح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع: أنصت الناس. ثم قال: إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله». وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما عائدان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أم الفضل بنت الحرث «أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه». وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي نجيح قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده». وأخرج مالك في الموطأ من طريق القاسم بن محمد عن عائشة. أنها كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإِمام وتقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بالشراب فتفطر. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عائشة قالت: ما من يوم من السنة أصومه أحب إليّ من يوم عرفة. وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم». وأخرج البيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال: اسقوني. فقالت عائشة «وما أنت يا مسروق بصائم. فقال: لا، إني أتخوّف أن يكون يوم أضحى. فقالت عائشة: ليس كذلك يوم عرفة، يوم يعرف الإِمام، ويوم النحر يوم ينحر الإِمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بصوم ألف يوم»؟. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم، يعني في الفضل. وأخرج البيهقي عن الفضل بن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة». وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: «كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخي أن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له». وأخرج المروزي في كتاب العيدين عن محمد بن عباد المخزومي قال: لا يستشهد مؤمن حتى يكتب اسمه عشية عرفة فيمن يستشهد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والمروزي عن إبراهيم. أنه سئل عن التعريف بالأمصار فقال: إنما التعريف بعرفات. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عوانة قال: رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس، فذكر الله ودعا واجتمع إليه الناس. وأخرج المروزي عن مبارك قال: رأيت الحسن، وبكر بن عبد الله، وثابتاً البناني ومحمد بن واسع، وغيلان بن جرير، يشهدون عرفة بالبصرة. وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن موسى بن أبي عائشة قال: رأيت عمرو بن حريث في المسجد يوم عرفة والناس مجتمعون إليه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي عن الحسن قال: إن أول من عرف البصرة ابن عباس. وأخرج المروزي عن الحكم قال: أول من فعل ذلك بالكوفة مصعب بن الزبير. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإِسلام، وهن أيام أكل وشرب». وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة يوم عرفة وسلم جثا على ركبتيه فقال: الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر». وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق». وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي في العيدين والحاكم عن عبيد بن عمير قال: كان عمر يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة الظهر أو العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن شقيق قال: كان يكبر بعد الفجر غداة عرفة، ثم لا يقطع حتى يصلي العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والحاكم عن ابن عباس: أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والحاكم عن عمير بن سعد قال: قدم علينا ابن مسعود، فكان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه كان يقول: من يصحبني منكم من ذكر أو انثى فلا يصومن يوم عرفة، فإنه يوم أكل وشرب وتكبير.

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)} أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {فإذا قضيتم مناسككم} قال: حجكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {فإذا قضيتم مناسككم} قال: حجكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {فإذا قضيتم مناسككم} قال: اهراقه الدماء {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} قال: تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفزعون، فامروا بذكر الله مكان ذلك. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: كان المشركون يجلسون في الحج فيذكرون أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع، فأنزل الله على رسوله في الإِسلام {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحملات ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل الله: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن الزبير قال: كانوا إذا فزعوا من حجهم تفاخروا بالآباء، فأنزل الله: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم، فنزلت هذه الآية. وأخرج الفاكهي عن أنس قال: كانوا في الجاهلية يذكرون آباءهم فيقول أحدهم، كان أبي يطعم الطعام. ويقول الآخر: كان أبي يضرب بالسيف. ويقول الآخر: كان أبي يجز النواصي. فنزلت {فاذكروا الله كذكركم آباءكم}. وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا: كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة، فنزلت {فاذكروا الله كذكركم آباءكم}. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عطاء قال: كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم، فقال هذا: فعل أبي كذا وكذا. وقال هذا: فعل أبي كذا وكذا. فذلك قوله: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح في قوله: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً} قال: هو قول الصبي أوّل ما يفصح في الكلام أباه وأمه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنه قيل له: قول الله: {كذكركم آباءكم} أن الرجل ليأتي عليه اليوم وما يذكر أباه، قال: إنه ليس بذاك ولكن يقول: تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك إذا ذكر والديك بسوء. أما قوله تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} الآيات. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث، وعام خصب، وعام ولاد حسن ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً، فأنزل فيهم {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} فأنزل الله فيهم {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب}. وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال: كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم: اللهم ارزقني ابلاً. وقال الآخر: اللهم ارزقني غنماً، فأنزل الله: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} إلى قوله: {سريع الحساب}. وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك في قوله: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون: اللهم اسقنا المطر، وأعطنا على عدونا الظفر، وردنا صالحين إلى صالحين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كانوا يقولون: ربنا آتنا رزقاً ونصراً، ولا يسألون لآخرتهم شيئاً فنزلت. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو يعلى عن أنس قال كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غادر رجلاً من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل كنت تدعو الله بشيء؟» قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله. ! إذن لا تطيق ذلك ولا تستطيعه، فهلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ ودعا له فشفاه الله». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن أبي حاتم عن أنس. أن ثابتاً قال له: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم. فقال: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. فأعاد عليه فقال: تريدون أن أشقق لكم الأمور إذا أتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار، فقد آتاكم الخير كله. وأخرج الشافعي وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن السائب. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والحجر: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكاً يقول آمين، فإذا مررتم عليه فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس. أن ملكاً موكلاً بالركن اليماني منذ خلق الله السموات والأرض يقول: آمين آمين. فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن ماجة والجندي في فضائل مكة عن عطاء بن أبي رباح سئل عن الركن اليماني وهو في الطواف فقال: حدثني أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكل به سبعون ملكاً فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: آمين». وأخرج الأزرقي عن ابن أبي نجيح قال: كان أكثر كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف في الطواف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن حبيب بن صهبان الكاهلي قال: كنت أطوف بالبيت وعمر بن الخطاب يطوف ما له إلا قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ما له هجيري غيرها. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. أنه كان يستحب أن يقال في أيام التشريق: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجهاً إلى أهله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانوا أصنافاً ثلاثة في تلك المواطن يومئذ: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون، وأهل الكفر، وأهل النفاق {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} والصنف الثالث {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} [ البقرة: 204]. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية، ثم أتاه من اليوم الرابع فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية، في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت». وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: عافية {وفي الآخرة حسنة} قال: عافية. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والذهبي في فضل العلم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن في قوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: حسنة الدنيا المال، وحسنة الآخرة الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الرزق الطيب، والعلم النافع. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: المرأة الصالحة من الحسنات. وأخرج ابن المنذر عن سالم بن عبد الله بن عمر {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الثناء. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {أولئك لهم نصيب مما كسبوا} قال: مما عملوا من الخير. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {والله سريع الحساب} قال: سريع الإِحصاء. وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس، إن رجلاً قال له: إني أجرت نفسي من قومي على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم، أفيجزىء ذلك عني؟ قال: أنت من الذين قال الله: {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب}. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال: أصحاب عبد الله يقرأونها {أولئك لهم نصيب مما اكتسبوا}.

2:200

2:200