{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)} {مَّعْدُودَاتٍ} (203)- الأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ- وَهِيَ أَيَّامُ رَمْيِ الجِمَارِ) فَكَبِّرُوا اللهَ بَعْدَ صَلَواتِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. ثُمَّ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إِلَى النَفْرِ مِنْ مِنىً فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ- أَيْ ثَالِثِ أَيَّامِ العِيدِ- قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ، عَلَى قَوْلِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ، وَقَبْلَ فَجْرِ اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى قَوْلِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِذلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ، رَمِيُ الجِمَارِ فِي اليَوْمِ الأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ العِيدِ، وَلا إِثْمَ عَلَيهِ فِي ذلِكَ، وَمَنْ بَقِيَ إِلَى اليَوْمِ الرَّابعِ فَلا إِثْمَ عَلَيهِ. فَالمُهِمُّ فِي الأَمْرِ مَرَاقَبَةُ المَرْءِ تَقْوَى اللهِ. ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ المُؤْمِنينَ بِتَقْوَاهُ، وَيُعَلِمُهُمْ أَنَّهُمْ إِليهِ رَاجِعُونَ يَوْمَ الحَشْرِ. |
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)} {الحياة} (204)- وَهُنَاكَ أُنَاسٌ مُنَافِقُونَ تُعْجِبُ المَرْءَ حَلاوةُ أَلْسِنَتِهِمْ، وَيَتَظَاهَرُونَ بِالوَرَعِ وَطِيبِ السَّرِيرَةِ، وَيُشْهِدُونَ اللهَ عَلَى صِدْقِ طَوِيَّتِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ، وَقُلُوبُهُمْ فِي الحَقِيقَةِ هِيَ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، فَهُمْ يَقُولُونَ حَسَناً، وَيَفْعَلُونَ سَيِّئاً، وَهُمْ شَدِيدُو الجَدَلِ، لا يُعْجِزُهُمْ أَنْ يَغُشُّوا النَّاسَ بِمَا يَظْهَرُ عَلَيهِمْ مِنَ المَيْلِ إِلى الإِصْلاحِ. أَلَدُّ الخِصَامِ- شَدِيدُ الخُصُومَةِ فِي البَاطِلِ. |
{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)} (205)- فَإِذَا انْصَرَفَ الوَاحِدُ مِنْ هؤُلاءِ إِلى العَمَلِ، أَوْ إِذا تَوَلَّى وَلايَةً يَكُونُ لَهُ فِيهَا سُلْطَانٌ، اتَّجَهَ إَلَى الشَّرِّ وَالفَسَادِ فِي قَسْوَةٍ وَجَفْوَةٍ، تَتَمَثَّلُ فِي إِهْلاكِ النَّبَاتِ وَالحَرْثِ، وَإِتْلافِ النَّسْلِ الذِي يُمَثِّلُ امْتِدَادَ الحَيَاةِ، وَاللهُ تَعَالَى يَكْرَهُ الفَسَادَ وَالمُفْسِدِينَ. الحَرْثَ- الزَّرْعَ. |
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} (206)- فَإِذَا أَخْرَجَ هذَا المُنَافِقُ حِقْدَهُ عَنْ طَرِيقِ التَخْرِيبِ وَالفَسَادِ، وَقِيلَ لَهُ: لا تَفْعَلْ ذلِكَ وَاتَّقِ اللهَ، وَاسْتَحِ مِنْهُ، اسْتَعَزَّ بِالإِثْمِ وَالخَطِيئَةِ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ فِي وَجْهِ الحَقِّ. فَإِنْ يَفْعَلْ هذا المُنَافِقُ ذلِكَ فَجَهَنَّمُ حَسْبُهُ، وَفِيهَا الكِفَايَةُ لَهُ، وَهِيَ بِئْسَ المَقَرُّ وَالمِهَادُ لَهُ، وَهِي الجَزَاءُ الأَوْفَى عَلَى أَفْعَالِهِ وَآثَامِهِ. حَسْبُهُ- يَكْفِيهِ نَارُ جَهَنَّمَ جَزَاءً. |
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)} {مَرْضَاتِ} {رَؤُوفٌ} (207)- وَهُنَاكَ آخَرُونَ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ للهِ، وَلا غَايَةَ لَهُمْ مِنْ هذَا البَيْعِ إِلا مَرْضَاةُ اللهِ، فَمَا أَبْعَدَ الفَرْقَ بَيْنَ هؤُلاءِ المُنَافِقِينَ وَبَيْنَ المُؤْمِنينَ الصَّادِقِينَ، وَاللهُ رَؤُوفٌ بِعِبَادِهِ. وَيُرْوَى أَنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي صُهَيبٍ الرُّوميِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ مُهَاجِراً مِنْ مَكَّةَ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المَدِينةِ، فَلَحِقَتْ بِهِ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا لَهُ: أَتَيتَنا صُعْلُوكاً لا مَالَ لَكَ، وَتَخْرُجُ عَنَّا أَنْتَ وَمَالُكَ، فَهذا لَنْ يَكُونَ. فَقالَ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ تَرَكْتُ لَكُمْ مَالِي أَتُخَلُّونَ عَنِّي؟ فَقَالُوا نَعَمْ. فَدَلَّهُمْ عَلَى مَالِهِ فِي مَكَّةَ، وَتَرَكُوهُ يَذْهَبُ. فَلَمَّا وَصَلَ المَدِينَةَ وَأُخبرَ الرَّسُولُ بِأَمْرِهِ قَالَ: رَبحَ البَيْعُ، رَبحَ البَيْعُ. الشِّراءُ هُنا- بِمَعْنَى البَيْعِ. |
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} {آمَنُواْ} {خُطُوَاتِ} {الشيطان} {ياأيها} (208)- يَدْعُو اللهُ المُؤْمِنينَ إِلَى الأَخْذِ بِجَمِيعِ عُرَى الإِسْلامِ وَشَرَائِعِهِ، وَالعمَلِ بِجَمِيعِ أَوَامِرِهِ، وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ، وَيُرشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى أَنَّهُ مِنْ شَأنِ المُؤْمِنينَ الاتِّفَاقُ والاتِّحَادُ، لا التَّفَرُّقُ وَالانْقِسَامُ. (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، أَيْ ادْخُلُوا فِي الإِسْلامِ). ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِأَنْ يَجْتَنِبُوا مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ لأَنَّهُ يَأْمُرُ بِالسُّوءِ وَالفَحْشَاءِ، وَيَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ، وَلِهذَا كَانَ الشَّيْطَانُ عَدُوّاً بَيِّنَ العَدَاوَةِ لِلإِنْسَانِ. فِي السِّلْمِ كَافَّةً- فِي الإِسْلامِ وَشَرَائِعِهِ كُلِّهَا. خُطُواتِ الشَّيْطَانِ- طُرُقَهُ وَأَعْمَالَهُ. |
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)} {البينات} (209)- فََإِنْ عَدَلْتُمْ عَنِ الحَقِّ، وَحِدْتُمْ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ الذِي دَعَاكُمُ اللهُ إِلَيهِ، وَهُوَ السِّلْمُ، وَسِرْتُمْ فِي طَرِيقِ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ طَرِيقُ الخِلافِ وَالافْتِرَاقِ، بَعْدَمَا قَامَتِ الحُجَّةُ عَلَى أَنّ صِرَاطَ اللهِ هُوَ طَرِيقُ الحَقِّ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ فِي انتِقَامِهِ، لا يَفُوتُهُ هَارِبٌ، وَلا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، حَكِيمٌ فِي أَحْكَامِهِ، وَفِي نَقْضِهِ وَإِبْرَامِهِ. زَلَلْتُمْ- وَقَعْتُمْ فِي الخَطَأِ، وَحِدْتُمْ عَنِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ. |
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)} {والملائكة} (210)- وَيُحَذِّرُ اللهُ تَعَالَى المُخَالِفِينَ مِنْ عَاقِبَةِ الانْحِرَافِ عَنْ الدُّخُولِ فِي السِّلْمِ، وَالاسْتِمْرارِ فِي اتِّبَاعِ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ. ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ، مُسْتَنْكِراً تَرَدُّدَهُمْ فِي الاسْتِجَابَةِ للهِ وَرَسُولِهِ: مَا الذِي يَنْتَظِرُونَ، وَمَاذَا يَتَرَقَّبُونَ؟ وَهَلْ سَيَبْقَوْنَ فِي تَرَدُّدِهِمْ حَتَّى يَوْمِ القِيَامَةِ وَالحَشْرِ يَوْمَ يَأْتِي اللهُ تَعَالَى فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ لِمُحَاسَبَةِ الخَلائِقِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَتَوْفِيَتِهِمْ جَزَاءَهُمُ العَادِلَ. وَتَأْتي المَلائِكَةُ صَفّاً لِتَنْفِيذِ مَا قَضَاهُ اللهُ وَيَقِفُونَ لا يَتَكَلَّمُونَ. وَفِي ذلِكَ اليَوْمِ يَجِدُ المُتَرَدِّدُونَ أَنَّ الأَمْرَ قُضِيَ، وَفَاتَتْ فُرْصَةُ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ، وَعَزَّتِ النَّجاةُ، وَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَإِلَيهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ كُلُّهَا فَيَضَعُ كُلَّ شَيءٍ فِي المَوْضِعِ الذِي قَضَاهُ. ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ- طَاقَاتٍ مِنَ السَّحَابِ الأَبْيَضِ الرَّقِيقِ. |