Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 4
الربع رقم 4
quran-border  الم تر الى الملا من بني اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم وقال لهم نبيهم ان اية ملكه ان ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك ال موسى وال هارون تحمله الملائكة ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين
Page Number

1

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)} أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: ذكر لنا- والله أعلم- أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل، وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى، ثم أن يوشع بن نون توفي واستخلف فيهم آخر، فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى، ثم استخلف آخر فسار فيهم بسيرة صاحبيه، ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا، ثم استخلف آخر فأنكروا عامة أمره، ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله، ثم أن بني إسرائيل أتوا نبياً من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم، فقالوا له: سل ربك أن يكتب علينا القتال. فقال لهم ذلك النبي: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا...} الآية. فبعث الله طالوت ملكاً، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوّة وسبط مملكة، ولم يكن طالوت من سبط النبوّة ولا من سبط المملكة، فلما بعث لهم ملكاً أنكروا ذلك وقالوا: {أنى يكون له الملك علينا} فقال: {إن الله اصطفاه عليكم} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى...} الآية. قال: هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإِيمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم، فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال: وكان من بني اسرائيل سبطان سبط نبوّة وسبط خلافة، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة، ولا تكون النبوّة إلا في سبط النبوّة {فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه} وليس من أحد السبطين، لا من سبط النبوّة ولا من سبط الخلافة {قال إن الله اصطفاه عليكم....} الآية فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} [ البقرة: 248] وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفعه منها، وجمع ما بقي فجعله في التابوت، وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت- والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا- فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت، فلما رأوا ذلك قالوا: نعم، فسلموا له وملكوه، وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموا التابوت بين أيديهم. ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت، وبالركن، وبعصا موسى من الجنة، وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوارة وأمر الله حتى قبضه الله، ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله، ثم خلف فيهم حزقيل بن بورى وهو ابن العجوز، ثم أن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله، فبعث إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هرون بن عمران نبياً. وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة، وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أجان وكان يسمع منه ويصدقه، فكان إلياس يقيم له أمره، وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنماً يعبدونه، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً إلا ما كان من ذلك الملك، والملوك متفرقة بالشام كل ملك له ناحية منها يأكلها، فقال ذلك الملك لإِلياس: ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً، أرى فلان وفلاناً- يعدد ملوك بني إسرائيل- قد عبدوا الأوثان، وهم يأكلون ويشربون ويتنعمون ما ينقص من دنياهم، فاسترجع إلياس وقام شعره ثم رفضه وخرج عنه، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان. ثم خلف من بعده فيهم اليسع فكان فيهم ما شاء الله أن يكون، ثم قبضه الله إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابراً عن كابر، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون، وكان لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويرجعون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو، فلما عظمت أحداثهم وتركوا عهد الله إليهم، نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه، ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من أيديهم، فمرج أمرهم عليهم ووطئهم عدوهم حتى أصاب من أبنائهم ونسائهم، وفيهم نبي لهم يقال له شمويل، وهو الذي ذكره الله في قوله: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم...} الآية. فكلموه وقالوا {ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله}. وإنما كان قوام بني اسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم، وكان الملك هو يسير بالجموع والنبي يقوم له بأمره ويأتيه بالخبر من ربه، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم، فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل، ففريقاً يكذبون فلا يقبلون منه شيئاً وفريقاً يقتلون، فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له {ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله} فقال لهم: إنه ليس عندكم وفاء، ولا صدق، ولا رغبة في الجهاد. فقالوا: إنا كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه، إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطأها أحد فلا يظهر علينا عدو، فأما إذا بلغ ذلك فإنه لا بد من الجهاد، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا. فلما قالوا له ذلك سأل الله شمويل أن يبعث لهم ملكاً. فقال الله له: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن- فهو ملك بني إسرائيل- فادهن رأسه منه وملكه عليهم، فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلاً عليه، وكان طالوت رجلاً دبَّاغاً يعمل الأدم، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكان سبط بنيامين سبطاً لم يكن فيهم نبوة ولا ملك، فخرج طالوت في ابتغاء دابة له أضلته ومعه غلام، فمرا ببيت النبي عليه السلام فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير. فقال طالوت: ما بما قلت من بأس فدخلا عليه، فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما ويسألانه أن يدعو لهما فيها إذ نش الدهن الذي في القرن، فقام النبي عليه السلام فأخذه، ثم قال لطالوت: قرب رأسك فقربه، فدهنه منه ثم قال: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم، وكان اسم طالوت بالسريانية شاول بن قيس بن أشال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أنس بن يامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فجلس عنده وقال: الناس ملك طالوت. فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم فقالوا له: ما شأن طالوت تملك علينا وليس من بيت النبوة ولا المملكة، قد عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا؟! فقال لهم {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن وهب بن منبه قال: قالت بنو إسرائيل لشمويل: ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال: قد كفاكم الله القتال. قالوا: إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه، فأوحى الله إلى شمويل: أن ابعث لهم طالوت ملكاً، وادهنه بدهن القدس. وضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاماً له يطلبانها، فجاؤوا إلى شمويل يسألونه عنها فقال: إن الله قد بعثك ملكاً على بني إسرائيل. قال: أنا؟! قال: نعم. قال: وما علمت أن سبطي ادنى أسباط بني إسرائيل؟ قال: بلى. قال: فبأي آية؟ قال: بآية أن ترجع وقد وجد أبوك حمره، فدهنه بدهن القدس فقال لبني إسرائيل {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك...} الآية. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {إذ قالوا لنبي لهم} قال: شمؤل. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: هو يوشع بن نون. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن أبي عبيدة {إذ قالوا لنبي لهم} قال: هو الشمول ابن حنة بن العاقر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة، وكان ملك العمالقة جالوت، وأنهم ظهروا على بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم، وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبياً يقاتلون معه، وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فجعلت تدعو الله أن يرزقها غلاماً، فولدت غلاماً فسمته شمعون. فكبر الغلام فاسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه، فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبياً أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ، وكان لا يأتمن عليه أحداً غيره، فدعاه بلحن الشيخ يا شماؤل، فقام الغلام فزعاً إلى الشيخ فقال: يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام، فقال: يا بني ارجع فنم. فرجع فنام، ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضاً فقال: دعوتني؟ فقال: ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني. فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك، فإن الله قد بعثك فيهم نبياً، فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بالنبوة ولم يأن لك، وقالوا: إن كنت صادقاً فابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله آية نبوتك. فقال لهم شمعون: عسى أن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله...} الآية. فدعا الله فأتي بعصا تكون على مقدار طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكاً. فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها. وكان طالوت رجلاً سقاء يسقي على حمار له، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه في الطريق، فلما رأوه دعوه فقاسوه بها فكان مثلها. فقال لهم نبيهم {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} قال القوم: ما كنت قط أكذب منك الساعة، ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة، ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم} قالوا: فإن كنت صادقاً فأتنا بآية ان هذا ملك. قال: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت...} [ البقرة: 248] الآية. فأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت، فآمنوا بنبوة شمعون وسلموا بملك طالوت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: كان طالوت سقاء يبيع الماء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قال: لم يقولوا ذلك، إلا أنه كان في بني إسرائيل سبطان كان في أحدهما النبوة وفي الآخر الملك، فلا يبعث نبي إلا من كان من سبط النبوة، ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك، وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين {قال إن الله اصطفاه} يعني اختاره عليكم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله: {أنى} يعني من أين. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس {وزاده بسطة} يقول: فضيلة {في العلم والجسم} يقول: كان عظيماً جسيماً يفضل بني إسرائيل بعنقه. وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله: {وزاده بسطة في العلم} قال: العلم بالحرب. وأخرج ابن جرير عن وهب في قوله: {والجسم} قال: كان فوق بني إسرائيل بمنكبيه فصاعداً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {والله يؤتي ملكه من يشاء} قال: سلطانه. وأخرج ابن المنذر عن وهب أنه سئل أنبي كان طالوت؟ قال: لا، لم يأته وحي. وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الملأ} يعني ألم تخبر يا محمد عن الملأ {من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم} اشمويل {ابعث لنا ملكاً نقاتل} إلى قوله: {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} يعني أخرجتنا العمالقة، وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت، فسأل الله نبيهم أن يبعث لهم ملكاً. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى} قال: هم الذين قال الله: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [ النساء: 77]. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {نحن أحق بالملك منه} قال: لأنه لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: بعث الله لهم طالوت ملكاً وكان من سبط لم تكن فيه مملكة ولا نبوة، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة، فكان سبط النبوة سبط لاوي، وكان سبط المملكة سبط يهوذا، فلما بعث طالوت من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه و {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قالوا: كيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا المملكة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة قال: كان في بني إسرائيل رجل له ضرتان، وكانت إحداهما تلد والأخرى لا تلد، فاشتد على التي لا تلد فتطهرت، فخرجت إلى المسجد لتدعو الله فلقيها حكم بني اسرائيل- وحكماؤهم الذين يدبرون أمورهم- فقال: أين تذهبين؟ قالت: حاجة لي إلى ربي. قال: اللهم اقض لها حاجتها فعلقت بغلام وهو الشمول، فلما ولدت جعلته محرراً، وكانوا يجعلون المحرر إذا بلغ السعي في المسجد يخدم أهله، فلما بلغ الشمول السعي دفع إلى أهل المسجد يخدم، فنودي الشمول ليلة، فأتى الحكم فقال: دعوتني؟ فقال: لا، فلما كانت الليلة الأخرى دعي، فأتى الحكم فقال: دعوتني؟ فقال: لا، وكان الحكم يعلم كيف تكون النبوة فقال: دعيت البارحة الأولى؟ قال: نعم. قال: ودعيت البارحة؟ قال: نعم. قال: فإن دعيت الليلة فقل لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت، أنا عبدك بين يديك مرني بما شئت. فأوحي إليه، فأتى الحكم فقال: دعيت الليلة؟ قال: نعم، وأوحي إلي. قال: فذكرت لك بشيء؟ قال: لا عليك أن لا تسألني. قال: ما أبيت أن تخبرني إلا وقد ذكر لك شيء من أمري، فألح عليه وأبى أن يدعه حتى أخبره. فقال: قيل لي: إنه قد حضرت هلكتك وارتشى ابنك في حكمك، فكان لا يدبر أمراً إلا انتكث ولا يبعث جيشاً إلا هزم، حتى بعث جيشاً وبعث معهم بالتوراة يستفتح بها فهزموا، وأخذت التوراة فصعد المنبر وهو آسف غضبان، فوقع فانكسرت رجله أو فخذه فمات من ذلك، فعند ذلك قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكاً وهو الشمول بن حنة العاقر.

2:246

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)} أخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: أمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفاً فقال: إني جاعل معك رجلاً لسناً فصيحاً، فما اجتمعتما عليه فاكتباه وما اختلفتما فيه فارفعا إليّ. قال زيد: فقلت أنا: التابوه. وقال أبان بن سعيد: التابوت. فرفعاه إلى عثمان فقال: التابوت، فكتبت. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمرو بن دينار. أن عثمان بن عفان أمر فتيان المهاجرين والأنصار أن يكتبوا المصاحف، قال: فما اخلفتم فيه فاجعلوه بلسان قريش. فقال المهاجرون: التابوت. وقال الأنصار: التابوه. فقال عثمان: اكتبوه بلغة المهاجرين. التابوت. وأخرج ابن سعد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن حبان والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن أنس بن مالك. أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في قرى أرمينية واذربيجان مع أهل العراق، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن ارسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعبد الله بن الزبير: أن انسخوا الصحف في المصاحف، وقال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانها. قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه. فقال النفر القرشيون: التابوت. وقال زيد: التابوه. فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوا التابوت، فإنه بلسان قريش نزل. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه. أنه سئل عن تابوت موسى ما سعته؟ قال: نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين. أما قوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم}. أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة الرحمة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: السكينة الطمأنينة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع، وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم، فيهزم الجيش من الرعب. وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف من طريق خالد بن عرعرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السكينة ريح خجوج». وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة عن علي قال: السكينة ريح خجوج ولها رأسان. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر والبيهقي في الدلائل من طريق أبي الأحوص عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإِنسان، ثم هي بعد ريح هفافة. وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير من طريق سلمة بن كهيل عن علي في قوله: {فيه سكينة من ربكم} قال: ريح هفافة، لها صورة ولها وجه كوجه الإِنسان. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن سعد بن مسعود الصدفي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجلس، فرفع نظره إلى السماء ثم طأطأ نظره، ثم رفعه فسئل عن ذلك؟ فقال: إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله- يعني أهل مجلس أمامه- فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة، فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم». وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: السكينة من الله كهيئة الريح، لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق أبي مالك عن ابن عباس {فيه سكينة من ربكم} قال: طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب الأنبياء، ألقى موسى فيها الألواح. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه. أنه سئل عن السكينة؟ فقال: روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم، فأخبرهم ببيان ما يريدون. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فيه سكينة} قال: فيه شيء تسكن إليه قلوبهم، يعني ما يعرفون من الآيات يسكنون إليه. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {فيه سكينة} أي وقار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وبقية مما ترك آل موسى} قال: عصاه، ورضاض الألواح. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان في التابوت عصا موسى، وعصا هرون، وثياب موسى، وثياب هرون، ولوحان من التوراة، والمن، وكلمة الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم، وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: البقية رضاض الألواح، وعصا موسى، وعمامة هرون، وقباء هرون الذي كان فيه علامات الأسباط، وكان فيه طست من ذهب فيه صاع من منّ الجنة، وكان يفطر عليه يعقوب. أما السكينة فكانت مثل رأس هرة من زبرجدة خضراء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {تحمله الملائكة} قال: أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت، فأصبح في داره. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن في ذلك لآية} قال: علامة.