{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)} {آمَنُواْ} {مُلاقُواْ} {الصابرين} (249)- وَلَمَّا خَرَجَ طَالُوتُ بِجَيْشِهِ مِنَ البَلَدِ مُتَّجِهاً إلى حَرْبِ الأَعْدَاءِ، وَكَانَ الوَقْتُ قَائِضاً، سَألَ بَنُو إِسْرائِيلَ طَالُوتَ المَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ إنَّ اللهَ مُخْتَبِرُكُمْ بِنَهْرٍ سَتَمُرُّونَ بِهِ (وَهُوَ نَهْرُ الأُرْدُنِّ عَلَى قَوْلٍ) فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلا يُصَاحِبْنِي، وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ فَلْيُصَاحِبْنِي، وَلَكِنْ لا بَأَسَ فِي أنْ يَغْتَرِفَ الوَاحِدُ غُرْفَةً بَيَدَيهِ يَبُلُّ بِهَا رِيقَهُ، فَتَمَرَّدَ أكْثَرُهُمْ، وَشَربُوا مِنَ النَّهْرِ، وَبَقِيَ طَالُوتُ فِي فِئةٍ قَليلَةٍ مِنْ جُنُودِهِ، فَاجْتَازَ بِهِم النَّهْرَ، فَلَمَا نَظَرَ أصْحَابُ طَالُوتَ إلى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، قَالُوا: إِنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ مُحَارَبَةَ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، فَشَجَّعَهُمْ عُلَمَاؤهُمْ، وَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَإنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلَيْسَ بِكْثَرَةِ العَدَدِ وَالعُدَّةِ، وَكثيراً مَا غَلَبَتْ قُوَّةٌ صَغِيرةٌ مُؤْمِنَةٌ مُخْلِصَةٌ فِي قِتَالِهَا، فِئَةً كَثِيرَة العَدَدِ بِإذْنِ اللهِ، وَاللهُ يُؤَيِّدُ الصَّابِرِينَ وَيَنْصُرُهُمْ. فَصَلَ- انْفَصَلَ عَنِ المَدِينَةِ. مُبْتَلِيكُمْ- مُخْتَبِرُكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ. اغْتَرَفَ- أَخَذَ بِيَدِهِ. لا طَاقَةَ لَنَا- لا قُدْرَةَ وَلا قُوَّةَ لَنَا. فِئَةٍ- جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ. |
{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)} {الكافرين} (250)- وَلَمّا تَقَدَّمَ المُؤْمِنُون المُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللهِ مَعَ طَالُوتَ لِقِتَالِ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ، دَعَوا اللهَ وَرَجَوْهُ أنْ يُنْزِلَ عَلَيهِم الصَّبْرَ عَلَى الشِّدَّةِ، وَأنْ يُثَبِّتَ أقْدَامَهُم عِنْدَ لِقَاءِ أَعْدَائِهِمْ، وَأنْ يُجَنِّبَهُمُ العَجْزَ وَالفِرَارَ، وَأنْ يَمُنَّ عَلَيهِمْ بِالنَّصْرِ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ. بَرَزُوا- ظَهَرُوا وَانْكَشَفُوا. |
{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)} {وَآتَاهُ} {العالمين} (251)- فَهَزَمَ المُؤْمِنُونَ الذِينَ كَانُوا مَعَ طَالُوتَ أعْدَاءَهُمُ الكَافِرِينَ بِإذْنِ اللهِ، وَقَتَلَ دَاوُدُ (مِنْ جَيْشِ طَالُوتَ) جَالُوتَ مَلِكَ الكُفَّارِ، وَمَنَّ اللهُ عَلَى دَاوُدَ بِأنْ آتَاهُ المُلْكَ الذِي كَانَ بِيَدِ طَالُوتَ، وَالنُّبُوَّةَ (الحِكْمَةَ)، وَعَلَّمَهُ اللهُ مِنَ العِلْمِ الذِي اخْتَصَّهُ بِهِ، وَلُوْلا أنَّ اللهَ يَدْفَعُ بَأسَ أهْلِ البَغْيِ وَالجَوْرِ وَالآثَامِ، بِأهْلِ الصَّلاحِ وَالخَيْرِ، لِغَلَبَ أَهْلَ الفَسَادِ، وَبَغَوْا عَلَى الصَّالِحينَ، وَصَارَ لَهُمْ سُلْطَانٌ فَفَسَدَتِ الأرْضُ، فَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ أنْ أذِنَ لِلْمُصْلِحِينَ بِقِتَالِ البُغَاةِ المُفْسِدِينَ. وَاللهُ يَمُنُّ عَلَى عِبَادِهِ وَيَرْحَمُهُمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ، وَلَهُ الحِكْمَةُ وَالحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَميعِ أقْوَالِهِ وَأفْعَالِهِ. الحِكْمَةَ- النُّبُوَّةَ. |
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)} {آيَاتُ} (252)- وَهَذِهِ القَصَصُ التِي قَصَّهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّما قَصَّها بِالحَقِّ (أيْ بِالوَاقِعِ الذِي كَانَ الأمرُ عَلَيهِ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَي أهْلِ الكِتَابِ مِنَ الحَقِّ) لِتَكًونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُسْوةٌ يَتأسَّى بِها، وَلِتَكُونَ دَليلاً عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، وَلِيَعْلَمَ أنَّ الله سَيَنْصُرُهُ كَمَا نَصَرَ مَنْ جَاءَ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَلِيعَلْمَ أنَّهُ مِنَ المُرْسَلِينَ الذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللهُ لِحَمْلِ رِسَالَتِهِ. |