{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)} (38)- فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى آدَمَ وَزَوْجَهُ وَإِبْلِيسَ بِالهُبُوطِ مِنَ الجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ، وَأَنْذَرَهُمْ وَذُرِّيَاتِهِمْ بِأَنَّهُ سَيَبْعَثُ الرُّسُلَ، وَيُنَزِّلُ الكُتُبَ وَيَفْرِضُ التَّكَالِيفَ، فَمَنْ آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الكِتَابِ، وَبِمَنْ بَعَثَ مِنَ الرُّسُلِ، وَاهْتَدَى وَاسْتَقَامَ عَلَى الهِدَايَةِ، وَقَامَ بِمَا فُرِضَ عَليهِ مِنَ التَّكَالِيفِ.. فَهؤُلاءِ لا خَوْفٌ عَلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنيا. |
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} {بِآيَاتِنَآ} {أَصْحَابُ} {خَالِدُونَ} (39)- أَمَّا الذِينَ سَيَكْفُرونَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الكُتُبِ، وَبِمَنْ بَعَثَهُمْ مِنَ الرُّسُلِ فَهؤُلاءِ سَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَخْلُدُونَ فِيها أَبَداً، لا يَمُوتُونَ فِيها وَلا يَحُولُونَ عَنْهَا أَبَداً. |
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)} {إِسْرَائِيلَ} {وَإِيَّايَ} (40)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى بِنِي إِسْرَائِيلَ (وَهُمُ اليَهودُ- وَإِسْرَائِيلُ هُوَ يَعْقُوبُ عَلَيهِ السَّلامُ) بِالدُّخُولِ في الإِسلامِ، وَمُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذلِكَ بِتَذْكِيرِهِمْ بِالنِّعَمِ التِي أَنْعَمَهَا عَلَيهِمْ، بِأَنْ جَعَلَ فِيهِم النُّبُوَّةَ، وَبِأَنْ أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَفجَّرَ لَهُمُ المَاءَ مِنَ الحَجَرِ في سَيْنَاءَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِم المَنَّ والسَّلْوَى. وَيُطَالِبُهُمْ بِالوَفَاءِ بِالعَهْدِ الذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ بِوُجُوبِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ الذِي سَيَبْعَهُهُ اللهُ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ. فَقَدْ جَاءَ في التَّورَاةِ في صِفَةِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّه يُقِيمُ مِنْ إِخْوَتِهِمْ نَبِيّاً يُعِيمُ الحَقَّ)، وَجَاءَ في سِفْرِ تَثْنِيَةِ الاشْتِرَاعِ: (قَالَ لِيَ الرَّبُ: أَحْسِنُوا فِيمَا تَتَكَلَّمُونَ سَوْفَ أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلامي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ، وَيَكُونُ الإِنسَانُ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي، وَالذِي يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ، وَيَكُونُ الإِنسَانُ الذِي لا يَسْمَعُ لِكلامِي، وَالذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أَكُونُ المُنْتَقِمَ مِنْهُ). وَلكِنَّ اليّهُودَ حَرَّفُوا هذِه البِشَارَاتِ وَأَوَّلُوهَا بِمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ. وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا مَا أَمَرَهٌمْ بِهِ أَوْفَى بِعَهْدِهِ إِلَيْهِمْ بِأَنَّهُ سَيُكَفِّرُ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَسَيُدْخِلُهُم الجَنَّةَ. أَمَّا إِذا لَمْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُم اللهُ بِهِ، فَلْيَحْذَرُوا أَنْ تَحِلَّ بِهِمْ نِقَمُ اللهِ التِي أَنْزَلَهَا بمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ، مِنَ المَسْخِ وَغَيْرِهِ مِنَ العُقُوبَاتِ. فَاللهُ تَعَالى يُرغِّبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الإِيمَانِ، وَيُحَذّرُهُمْ مِنَ الكُفْرِ وَالمُعَانَدَةِ (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). فَارْهَبُونِ- فَخَافُونِي فِي نَقْضِكُمُ العَهْدَ. |
{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)} {آمِنُواْ} {بِآيَاتِي} {وَإِيَّايَ} (41)- يَأَمُرُ اللهُ بَني إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُؤْمِنُوا بالقُرْآنِ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ مُصَدِّقاً لِمَا جَاءَ بِهِ مَا سَبَقَهُ مِنَ الكُتُبِ- التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ- وَهِيَ الكُتُبُ التِي وَرَدَتْ فِيها إِشَارَةٌ إِلى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَإِلى أَوْصَافِهِ. وَيَقُولُ اللهُ لِبَني إِسْرائِيلَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ يَكْفُرُ بِالقُرآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّاسِ، لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ مَا لا يَعْلَمُهُ غَيْرُكُمْ مِنْ الإِيمَانِ بِاللهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ. وَيَتَوَعَّدُ اللهُ اليَهُودَ فِيمَا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ كِتْمَانِ الحقِّ وَالمُعَانَدَةِ، وَمُخَالَفَةِ رَسُولِهِ، وَيَتَوَعَّدُ اللهُ اليَهُودَ فِيمَا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ كِتْمَانِ الحقِّ وَالمُعَانَدَةِ، وَمُخَالَفَةِ رَسُولِهِ، وَيَطْلُبُ مِنَ اليَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، رَجَاءَ الفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ {وَإِيَّايَ فاتقون}. |
{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} {بالباطل} (42)- يَنْهَى اللهُ اليَهُودَ عَنِ القِيَامِ بِمَا كَانُوا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنَ التَّمْوِيهِ (إِلبَاسِ الحَقِّ بِالبَاطِلِ)، وَعَنْ خَلْطِ الحَقِّ المُنْزَلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، بِالبَاطِلِ الذِي يَخْتَرِعُونَهُ وَيَكْتُبُونَهُ لِيُمََوِّهُوا بِهِ عَلَى النَّاسِ وَيُضِلُّوهُمْ بِهِ، وَيَأْمُرُهُمُ اللهُ بِأَلا يَكْتُمُوا الحَقَّ، وَهُوَ المَعْرِفَةُ بِرَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ. لا تَلْبِسُوا- لا تَخْلُطُوا وَلا تَسْتُرُوا. |
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} {الصلاة} {وَآتُواْ الزكاة} {الراكعين} (43)- وَيَأْمُرُهُمُ اللهُ بِأَنْ يُصَلُّوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبِأَنْ يُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَيَدفَعُوهَا إِلى النَّبِيِّ، وَبِأَنْ يُصَلُّوا مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، أَيْ إِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ وَمِنْهُمْ. |
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} {الكتاب} (44)- يَنْعِى اللهُ تَعَالَى عَلَى اليَهُودِ- وَهُمْ أَهْلُ الكِتَابِ- أَنْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِالخَيْرِ وَالبِرِّ وَطَاعَةِ اللهِ، فِي حَالِ أَنَّهُمْ يَنْسَوْنَ وَعْظَ أَنْفُسِهِمْ، وَحَمْلَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَلا يَأْتَمِرُونَ بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ المُنْزَلَ إِلَيْهِمْ، وَيَعْلَمُونَ مَا فِيهِ مِنْ عَقَابِ يَحِلُّ بِمَنْ يُقَصِّرُ فِي القِيَامِ بمَا أَمَرَ اللهُ. وَلكِنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ مِنْهُمْ لا يَذْكُرُونَ مِنَ الحَقِّ إِلا مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَلا يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الأَحْكَامِ إِذَا عَارَضَ شَهَوَاتِهِمْ. البِرِّ- التَّوَسُّعِ فِي الطَّاعَاتِ. |
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} {الصلاة} {الخاشعين} (45)- وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالاسْتِعَانَةِ عَلَى أَدَاءِ التَّكَالِيفِ، وَمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، بِالصَّبْرِ عَلَى الفَرَائِضِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ عَنِ المَعَاصِي، وَبِالصَّلاةِ، لَعَلَّهُمْ يَبْلُغُونَ مَا يُؤمِّلُونَ مِنْ خَيْرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. وَيُنَبِّهُهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّ القِيَامَ بِهذِهِ الوَصِيَّةِ التِي يَطْلبُ مِنَ النَّاسِ الأَخْذَ بِهَا مِنْ صَبْرٍ وَصَلاةٍ... أَمْرٌ شَاقٌ ثَقِيلٌ عَلَى النُّفُوسِ، إِلا النُّفُوسَ المُؤْمِنَةَ الخَاشِعَةَ المُسْتَكِينَةَ لِطَاعَةِ اللهِ، المُتَذَلِّلَةَ مِنْ مَخَافَتِهِ. إِنَّها لَكَبِيرَةٌ- إِنَّهَا لَشَاقَّةٌ صَعْبَةٌ. الخَاشِعِينَ- المُسْتَكِينِينَ للهِ. |
{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} {ملاقوا} {رَاجِعُونَ} (46)- وَهؤُلاءِ الخَاشِعُونَ، المُطْمَئِنَّةُ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ، يَعْتَقِدُونَ بِأَنَّهُمْ سَيُحْشَرُونَ إَلى اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُمْ سَيُعْرَضُونَ عَلَيهِ، وَأَنَّ أُمُورَهُمْ سَتَرْجِعُ إِلى مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيَحْكُمَ فِيهَا بِمَا يَشَاءُ بِعَدْلِهِ. وَإِنَّ إِيمَانَهُمْ بِأَنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ إِلى اللهِ هُوَ الذِي يُسهِّلُ عَلَيهِمْ طَاعَةَ اللهِ، وَتَرْكَ مُحَرَّمَاتِهِ. يَظُنُّونَ- يَعْلَمُونَ وَيَسْتَيْقِنُونَ. |
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)} {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} {العالمين} (47)- يُذَكِّرُ اللهُ تَعَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (اليَهُودَ) الذِينَ كَانُوا فِي زَمَن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَنْعَمَهُ اللهُ عَلَى آبائِهِمْ مِنَ النِّعَمِ وَالأَفْضَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: لإِنَّهُ فَضَّلَهُمْ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهمْ إِذْ جَعَلَ فِيهِم النُّبُوَّةَ، وَمَعْرِفَةَ اللهِ تَعَالَى. العَالَمِينَ- النَّاسِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكُمْ. |
{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)} {شَفَاعَةٌ} (48)- وَبَعْدَ أَنْ ذَكَّرَهُمُ اللهُ تَعَالى بِنِعَمِهِ الكَثِيرَةِ عَلَيهِمْ، عَادَ فَحَذَّرَّهُمْ مِنْ طُولِ نِقَمهِ عَلَيهِمْ، يَوْمَ القِيَامَةِ (وَاتَّقُوا يَوْماً)، وَهُوَ اليَوْمُ الذِي لا يُغنِي فِيهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنَ الكَافِرِينَ شَفَاعَةٌ، وَلا أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى. العَدْلُ- الفِدْيَةُ لأَنَّهَا تُعَأدِلُ المَفْدِيَّ قِيمَةً وَقَدْراً. النُّصْرَةُ- العَوْنُ لِدَفْعِ الضُّرِّ. لا تَجْزي- لا تُغْنِي وَلا تُؤدِّي. |