{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)} {خَطَايَاكُمْ} (58)- وَيُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالجِهَادِ مَعَ مُوسَى لِدُخُولِ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، لَمَّا قَدِمُوا مِنْ مِصْرَ، وَقِتَالِ أَهْلِهَا العَمَالِيقِ الكَفَرَةِ فَنَكَلُوا عَنْ قِتَالِهِمْ وَضَعُفُوا، فَرَمَاهُمُ اللهُ في صَحْرَاءِ التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً لَهُمْ، وَلَمَّا خَرَجَ بِهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مِنَ التِّيهِ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ مَاتَ، وَدَخَلَ بِهِمْ إِحْدَى مُدُنِ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ أَمَرَهُمْ تَعَالَى بِأَنْ يَدْخُلُوا بَابَ البَلَدِ رُكَّعاً شُكْراً للهِ، وَبِأَنْ يَقُولُوا (حِطَّةٌ) (أَيْ اللَّهُمَّ حُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا، وَاغْفِرْ لَنَا) فَإِذا فَعَلُوا ذَلِكَ بِإِخْلاصٍ وَصِدْقِ نِيَّةٍ، فَإِنَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ دُعَأءَهُمْ، وَيُكَفِّرُ عَنْهُمْ ذُنُوبّهُمْ، وَيُضَاعِفُ لَهُمْ حَسَنَاتِهِمْ. رَغَداً- أَكْلاً هَنِيئاً لا عَنَاءَ فِيهِ. قُولُوا حِطَّةٌ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحُطَّ عَنَّا. |
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)} (59)- فَلَمْ يَدْخُلِ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم البَلَدَ خَاشِعِينَ سُجَّداً للهِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ، بَلْ دَخَلُوهُ زَاحِفِينَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ (أَيْ أَدْبَارِهِمْ) وَبَدَّلُوا قَوْلَ اللهِ اسْتِهْزاءً وَتَمَرُّداً، فَقَالُوا (حِنْطَةٌ) بَدَل (حِطَّةٍ)، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيهِمْ بَأْسَهُ وَعَذَابَهُ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ. الفِسْقُ- الخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ. بَدَّلَ قَوْلاً غَيْرَ الذِي قِيلَ لَهُ- جَاءَ بِذلِكَ القَوْلِ مَكَانَ القَوْلِ الأوَّلِ. رِجْزاً- عَذَاباً. |
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)} (60)- وَيُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا امْتَنَّهُ عَلَى أَسْلافِهِمْ إِذْ اسْتَجَابَ لِدَعْوَةْ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، حِينَ اسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ المَاءَ وَهُمُ عِطَاشٌ فِي صَحْرَاءِ التِّيهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلْيهِ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ حَجَراً مِنْ أَحْجَارِ الصَّحْرَاءِ، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً، لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَيْنٌ، عَرَفَها وَأَخَذَ يَشْرَبُ مِنْهَا، مَنْعاً لِلتَّزَاحُمِ والتَّنَافُسِ بَيْنَهُمْ عَلَى وُرُودِ المَاءِ. فَصَارَ بَنُو إِسرائِيلَ يَأْكُلُونَ مِنَ المَنِّ وَالسَّلْوَى وَيَشْرَبُونَ مِنَ المَاءِ. وَأَمَرَهُمُ اللهُ أَنْ لا يُقَابِلُوا هذِهِ النِّعَمَ بِالجُحُودِ وَالعِصْيَانِ وَالإِسْرَافِ في الإِفسادِ. السِّبْطُ- وَلَدُ الوَلَدِ. اسْتَسْقَى- طَلَبَ السُّقْيا عِنْدَ عَدَمِ تَوَفُّرِ المَاءِ. العُثِيُّ- مُجَاوَزَةُ الحَدِّ فِي كُلِّ شَيءٍ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الفَسَادِ. فَانْفَجَرَتْ- فَانْشَقَّتْ وَسَالَتْ بِكَثْرَةٍ. |
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)} {ياموسى} {وَاحِدٍ} {وَقِثَّآئِهَا} {وَبَآءُو} {بِآيَاتِ} {النبيين} (61)- يُذَكِّر اللهُ، جَلَّ شَأْنُهُ، بَنِي إِسْرَائِيلَ بِضَجَرِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ الكَرِيمِ الذِي مَنَّ بِهِ عَلَيهِمْ إَذْ أَنْزَلَ عَلَيهِم المَنَّ وَالَّلْوَى، وَفَجَّرَ لَهُمُ المَاءَ، فَطَلَبُوا مِنْ مُوسَى أن يَدعُوَ رَبَّهُ لِيُخْرِجَ لَهُمْ مِمَّا تُنْبِتُ الأَرضُ مِنَ الثُّومِ والبَصَلِ وَالبقُولِ والعَدَسِ، وَمَا ألِفُوا العَيْشَ عَلَيهِ حِينَما كَانُوا فِي مَصْرَ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى مُقَرِّعاً وَمُوَبِّخاً، وَمُسْتَنْكِراً سُؤَالَهُم الأَطْعِمَةَ الدَّنِيئَةَ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَيْشِ الرَّغِيدِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الذِي هُوَ أَدْنَى (العَدَسَ وَالبَصَلَ والثُّومَ وَالفومَ..) بِالذي هُوَ خَيْرٌ (المَنُّ وَالسَّلْوَى)؟. ثُمَّ قَالَ لَهُم ادْخُلُوا مِصْراً مِنَ الأَمْصَارِ (أَي ادْخُلُوا أَيَّ بَلَدٍ مِنَ البُلْدَانِ) فَإِنَّكُمْ وَأجِدُونَ فِيهِ مَا سَأَلْتُمْ، وَهُوَ لا يَسْتَحِقّ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ فِيهِ. وَقَدْ عَأقَبَهُمُ اللهُ تَعَالى عَلَى كُفْرَانِهِمْ تِلْكَ النِّعَمَ بِأَنْ ضَرَبَ عَلَيهِم الذِّلَّةَ التِي يَهُونُ مَعَها عَلَى النُّفُوسِ قَبُولُ الضَّيْمِ وَالاسْتِكَأنَةِ، فَأَصْبَحَ يَسْتَذِلُّهُمْ كُلُّ مَنْ رَآهُمْ، فَلا مُنْقِذَ لَهُمْ، وَاسْتَحَقُّوا بِذَلِكَ غَضَبَ اللهِ. وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ مَا قَضَى اللهُ بِهِ عَلَيهِمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالمَسْكَنَةِ أَنَّهُمْ كَأنُوا يَكْفُرونَ بِآيَأتِ اللهِ، وَوَصَلَ بِهِمْ كُفرهُمْ إِلى حَدِّ قَتْلِ أَنْبِياءِ اللهِ ظُلْما وَعُدْواناً، فَلا أَحَدَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ إِثْماً. ثُمَّ إِ، هُمْ عَصَوا اللهَ وَارْكَبُوا مَأ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، وَتَجَاوَزُوا الحُدُودَ التِي أَبَاحَهَا اللهُ. الاسْتِبدَالُ- طَلَبُ شَيءٍ بَدَلاً مِنْ شَيءٍ. ضُرِبَتْ عَلَيهِ/- أَحَاطَتْ بِهِمْ كَمَا تحِيطُ الخَيْمَةُ بِمَنْ تُضْرَبُ عَلَيهِ. بَاؤوا بِغَضَبٍ- اسْتَحَقُّوا الغَضَبَ أَوْ رَجَعُوا بِهِ. المَسْكَنَةُ- الفَقْرُ، أَيْ فَقْرُ النُّفُوسِ وَشُحُّهَا. الاعْتِدَاءُ- تَجَأوُزُ الحُدُودِ. الفُومُ- الحِنْطَةُ أَوِ الثُّومُ. |