Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 1
الربع رقم 4
quran-border  ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما اتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين واذ قال موسى لقومه ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين
Page Number

1

{إِنَّ الذين ءامَنُواْ} بألسنتهم، يريد به المتدينين بدين محمد صلى الله عليه وسلم المخلصين منهم والمنافقين، وقيل المنافقين لانخراطهم في سلك الكفرة {والذين هَادُواْ} تهودوا، يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية، ويهود: إما عربي من هاد إذا تاب، سموا بذلك لما تابوا من عبادة العجل، وإما معرب يهوذا وكأنهم سموا باسم أكبر أولاد يعقوب عليه السلام {والنصارى} جمع نصران كندامى وندمان، والياء في نصراني للمبالغة كما في أحمري، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح عليه السلام، أو لأنهم كانوا معه في قرية يقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها، أو من اسمها. {والصابئين} قوم بين النصارى والمجوس. وقيل أصل دينهم دين نوح عليه السلام. وقيل هم عبدة الملائكة. وقيل عبدة الكواكب، وهو إن كان عربياً فمن صبأ إذا خرج. وقرأ نافع وحده بالياء إما لأنه خفف الهمزة وأبدلها ياء، أو لأنه من صبأ إذا مال لأنهم مالوا عن سائر الأديان إلى دينهم، أو من الحق إلى الباطل. {مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صالحا} من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقاً بقلبه بالمبدأ والمعاد، عاملاً بمقتضى شرعه. وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيماناً خالصاً، ودخل في الإسلام دخولاً صادقاً: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} الذي وعد لهم على إيمانهم وعملهم. {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} حين يخاف الكفار من العقاب، ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب. و{مِنْ} مبتدأ خبره {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} والجملة خبر إن، أو بدل من اسم إن وخبرها {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} والفاء لتضمن المسند إليه معنى الشرط، وقد منع سيبويه دخولها في خبر إن من حيث إنها لا تدخل الشرطية، ورد بقوله تعالى: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ}

2:62

2:62

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنكُمْ فِي السبت} اللام موطئة لقسم، والسبت مصدر قولك سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت، وأصله القطع أمروا بأن يجردوه للعبادة فاعتدى فيه ناس منهم في زمن داود عليه السلام، واشتغلوا بالصيد، وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية على ساحل يقال لها أيلة، وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حضر هناك وأخرج خرطومه، فإذا مضى تفرقت فحفروا حياضاً وشرعوا إليها الجداول وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد. {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} جامعين بين صورة القردة والخسوء: وهو الصغار والطرد، وقال مجاهد ما مسخت صورهم ولكن قلوبهم، فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} وقوله: {كُونُواْ} ليس بأمر إذ لا قدرة لهم عليه، وإنما المراد به سرعة التكوين، وأنهم صاروا كذلك كما أراد بهم، وقرئ قردة بفتح القاف وكسر الراء، وخاسين بغير همزة.

{فَجَعَلْنَاهَا} أي المسخة، أو العقوبة. {نكالا} عبرة تنكل المعتبر بها، أي تمنعه. ومنه النكل للقيد. {لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} لما قبلها وما بعدها من الأمم إذ ذكرت حالهم في زبر الأولين، واشتهرت قصتهم في الآخرين، أو لمعاصريهم ومن بعدهم، أو لما بحضرتها من القرى وما تباعد عنها، أو لأهل تلك القرية وما حواليها، أو لأجل ما تقدم عليها من ذنوبهم وما تأخر منها. {وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ} من قومهم، أو لكل متق سمعها.

{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} أول هذه القصة قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فادرأتم فِيهَا} وإنما فكت عنه وقدمت عليه لاستقلالها بنوع آخر من مساويهم، وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السؤال وترك المسارعة إلى الامتثال. وقصته: أنه كان فيهم شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه طمعاً في ميراثه، وطرحوه على باب المدينة، ثم جاؤوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبر بقاتله. {قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} أي مكان هزؤ، أو أهله ومهزوءاً بنا، أو الهزؤ نفسه لفرط الاستهزاء استبعاداً لما قاله واستخفافاً به، وقرأ حمزة وإسماعيل عن نافع بالسكون، وحفص عن عاصم بالضم وقلب الهمزة واواً. {قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} لأن الهزؤ في مثل ذلك جهل وسفه، نفى عن نفسه ما رمي به على طريقة البرهان، وأخرج ذلك في صورة الاستعاذه استفظاعاً له.

{قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِيَ} أي ما حالها وصفتها، وكان حقهم أن يقولوا: أي بقرة هي؟ أو كيف هي؟ لأن {مَا} يسأل به عن الجنس غالباً، لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله. {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} لا مسنة ولا فتية، يقال فرضت البقرة فروضاً من الفرض وهو القطع، كأنها فرضت سنها، وتركيب البكر للأولية ومن البكرة والباكورة. {عَوَانٌ} نصف. قال: نواعِمُ بينَ أبْكارٍ وَعُونُ. {بَيْنَ ذلك} أي بين ما ذكر من الفارض والبكر ولذلك أضيف إليه بين، فإنه لا يضاف إلا إلى متعدد، وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أن المراد بها معينة، ويلزمه تأخير البيان عن وقت الخطاب، ومن أنكر ذلك زعم أن المراد بها بقرة من شق البقر غير مخصوصة ثم انقلبت مخصوصة بسؤالهم، ويلزمه النسخ قبل الفعل، فإن التخصيص إبطال للتخيير الثابت بالنص والحق جوازهما، ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ والمروي عنه عليه الصلاة والسلام: «لو ذبحوا أيّ بقرة أرادوا لأجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم». وتقريعهم بالتمادي وزجرهم على المراجعة بقوله: {فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} أي ما تؤمرونه، بمعنى تؤمرون به من قولهم: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به، أو أمركم بمعنى مأموركم.

{قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} الفقوع نصوع الصفرة ولذلك تؤكد به، فيقال: أصفر فاقع كما يقال أسود حالك، وفي إسناده إلى اللون وهو صفة صفراء لملابسته بها فضل تأكيد كأنه قيل: صفراء شديدة الصفرة صفرتها، وعن الحسن سوداء شديدة السواد، وبه فسر قوله تعالى: {جمالة صُفْرٌ}. قال الأعشى: تِلْكَ خَيلي مِنْهُ وتلكَ رِكَابي *** هُنْ صُفُرٌ أَولادُها كالزَّبيبِ ولعله عبر بالصفرة عن السواد لأنها من مقدماته، أو لأن سواد الإبل تعلوه صفرة وفيه نظر، لأن الصفرة بهذا المعنى لا تؤكد بالفقوع {تَسُرُّ الناظرين} أي تعجبهم، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع، أو توقعه من السر.