Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 2
الربع رقم 1
quran-border  قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون واذ قتلتم نفسا فاداراتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم اياته لعلكم تعقلون ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون افتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلا بعضهم الى بعض قالوا اتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم افلا تعقلون
Page Number

1

{قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِيَ} تكرير للسؤال الأول واستكشاف زائد. وقوله: {إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا} اعتذار عنه، أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا، وقرئ: {إن الباقر} وهو اسم لجماعة البقر والأباقر والبواقر، ويتشابه وتتشابه بالياء والتاء، وتشابه ويشابه ويتشابه بطرح التاء وإدغامها في الشين على التذكير والتأنيث، وتشابهت وتشابهت مخففاً ومشدداً، وتشبه بمعنى تتشبه وتشبه بالتذكير ومتشابه ومتشابهة ومتشبه ومتشبهة. {وَإِنَّا إِن شَاء الله لَمُهْتَدُونَ} إلى المراد ذبحها، أو إلى القاتل، وفي الحديث: «لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد». واحتج به أصحابنا على أن الحوادث بإرادة الله سبحانه وتعالى، وأن الأمر قد ينفك عن الإرادة وإلا لم يكن للشرط بعد الأمر معنى. والمعتزلة والكرامية على حدوث الإرادة، وأجيب بأن التعليق باعتبار التعلق.

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض وَلاَ تَسْقِي الحرث} أي لم تذلل لكراب الأرض وسقي الحرث، و{لاَّ ذَلُولٌ} صفة لبقرة بمعنى غير ذلول، ولا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى والفعلان صفتا ذلول كأنه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية، وقرئ لا ذلول بالفتح أي حيث هي، كقولك مررت برجل لا بخيل ولا جبان، أي حيث هو، وتسقي من أسقى. {مُّسَلَّمَةٌ} سلمها الله تعالى من العيوب، أو أهلها من العمل، أو أخلص لونها، من سلم له كذا إذا خلص له {وَأَنزَلْنَا فِيهَا} لا لون فيها يخالف لون جلدها، وهي في الأصل مصدر، وشاه وشيا وشية إذا خلط بلونه لوناً آخر. {قَالُواْ الآن جِئْتَ بالحق} أي بحقيقة وصف البقرة وحققتها لنا، وقرئ: {الآن} بالمد على الاستفهام، ولان بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على السلام. {فَذَبَحُوهَا} فيه اختصار، والتقدير: فحصلوا البقرة المنعوتة فذبحوها. {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} لتطويلهم وكثرة مراجعاتهم، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، أو لغلاء ثمنها. إذ روي: أن شيخاً صالحاً منهم كان له عِجلة، فأتى بها الغيضة وقال: اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر، فشبت وكانت وحيدة بتلك الصفات، فساوموها من اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير. وكاد من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر حصولاً، فإذا دخل عليه النفي قيل معناه الإثبات مطلقاً. وقيل ماضياً، والصحيح أنه كسائر الأفعال ولا ينافي قوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} قوله: {فَذَبَحُوهَا} لاختلاف وقتيهما، إذ المعنى أنهم ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم، وانقطعت تعللاتهم، ففعلوا كالمضطر الملجأ إلى الفعل.

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} خطاباً للجميع لوجود القتل فيهم {فادرأتم فِيهَا} اختصمتم في شأنها، إذ المتخاصمان يدفع بعضهما بعضاً، أو تدافعتم بأن طرح كل قتلها عن نفسه إلى صاحبه، وأصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال واجتلبت لها همزة الوصل {والله مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} مظهره لا محالة، وأعمل مخرج لأنه حكاية مستقبل كما أعمل {باسط ذِرَاعَيْهِ} لأنه حكاية حال ماضية.

{فَقُلْنَا اضربوه} عطف على ادارأتم وما بينها اعتراض، والضمير للنفس والتذكير على تأويل الشخص أو القتيل {بِبَعْضِهَا} أي بعض كان وقيل: بأصغريها. وقيل بلسانها. وقيل بفخذها اليمنى وقيل بالأذن. وقيل بالعُجب {كذلك يُحْيِي الله الموتى} يدل على ما حذف وهو فضربوه فحيي، والخطاب مع من حضر حياة القتيل، أو نزول الآية {وَيُرِيكُمْ ءاياته} دلائله على كمال قدرته. {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها، أو تعملوا على قضيته. ولعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرب وأداء الواجب، ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل والشفقة على الأولاد، وأن من حق الطالب أن يقدم قربة، والمتقرب أن يتحرى الأحسن ويغالي بثمنه، كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه ضحى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار. وأن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى، والأسباب أمارات لا إثر لها، وأن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في إماتته الموت الحقيقي، فطريقُه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبا، ولم يلحقها ضعف الكبر، وكانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة في طلب الدنيا، مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها بحيث يصل أثره إلى نفسه، فتحيا حياة طيبة، وتعرب عما به ينكشف الحال، ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارؤ والنزاع.

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة، كما في الحجر. وقساوة القلب مثل في نبوه عن الاعتبار، وثم الاستبعاد القسوة {مِن بَعْدِ ذلك} يعني إحياء القتيل، أو جميع ما عدد من الآيات فإنها مما توجب لين القلب. {فَهِىَ كالحجارة} في قسوتها {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} منها، والمعنى أنها في القساوة مثل الحجارة أو أزيد عليها، أو أنها مثلها، أو مثل ما هو أشد منها قسوة كالحديد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويعضده قراءة الحسن بالجر عطفاً على الحجارة، وإنما لم يقل أقسى لما في أشد من المبالغة، والدلالة على اشتداد القسوتين واشتمال المفضل على زيادة و{أَوْ} للتخيير، أو للترديد بمعنى: أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى منها. {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} تعليل للتفضيل، والمعنى: أن الحجارة تتأثر وتنفعل فإن منها ما يتشقق فينبع منه الماء، وتنفجر منه الأنهار، ومنها ما يتردى من أعلى الجبل انقياداً لما أراد الله تعالى به. وقلوب هؤلاء لا تتأثر ولا تنفعل عن أمره تعالى. والتفجر التفتح بسعة وكثرة، والخشية مجاز عن الانقياد، وقرئ: {إِنَّ} على أنها المخففة من الثقيلة وتلزمها اللام الفارقة بينها وبين إن النافية، ويهبط بالضم. {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وعيد على ذلك، وقرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وخلف وأبو بكر بالياء ضما إلى ما بعده، والباقون بالتاء.

{أَفَتَطْمَعُونَ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} أن يصدقوكم، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم. يعني اليهود. {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} طائفة من أسلافهم {يَسْمَعُونَ كلام الله} يعني التوراة. {ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ} كنعت محمد صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم. أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون. وقيل هؤلاء من السبعين المختارين سمعوا كلام الله تعالى حين كلم موسى عليه السلام بالطور، ثم قالوا سمعنا الله تعالى يقول في آخره: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا. {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة. {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم مفترون مبطلون، ومعنى الآية: أن أحبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة، فما ظنك بسفلتهم وجهالهم، وأنهم إن كفروا وحرفوا فلهم سابقة في ذلك.

{وَإِذَا لَقُواْ الذين ءَامَنُواْ} يعني منافقيهم. {قَالُواْ ءَامَنَّا} بأنكم على الحق، وإن رسولكم هو المبشر به في التوراة {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قَالُواْ} أي الذين لم ينافقوا منهم عاتبين على من نافق. {أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} بما بين لكم في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، أو الذين نافقوا لأعقابهم إظهاراً للتصلب في اليهودية، ومنعاً لهم عن إبداء ما وجدوا في كتابهم، فينافقون الفريقين. فالاستفهام على الأول تقريع وعلى الثاني إنكار ونهي {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبّكُمْ} ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه، جعلوا محاجتهم بكتاب الله وحكمه محاجة عنده كما يقال عند الله كذا، ويراد به أنه جاء في كتابه وحكمه، وقيل عند ذكر ربكم، أو بين يدي رسول ربكم. وقيل عند ربكم في القيامة وفيه نظر إذ الإخفاء لا يدفعه. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} إما من تمام كلام اللائمين وتقديره: أفلا تعقلون أنهم يحاجونكم به فيحجونكم، أو خطاب من الله تعالى للمؤمنين متصل بقوله: {أفتطعمون}، والمعنى: أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم في إيمانهم.