{أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)} (77)- وَاسْتَنْكَرَ اللهُ تَصَرُّفَهُمْ هذَا لأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَالعَلانِيَةَ، وَيَعْرِفُ مَا يَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا يُبَيِّتُونَ، فَإِذَا كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، فَلِمَ لا يَخْشَونَ بَأْسَهُ وَنَقْمَتِهِ، وَهُوَ المُطَّلِعُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَيَعْلَمُ مَا يَجُولُ فِي الضَّمَائِرِ؟ |
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)} {الكتاب} (78)- وَمِنْ بَيْنِ الذِينَ يَتَحَدَّثُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُنَاسٌ أُمِّيُّونَ لا يَعْرِفُونَ القِرَاءَةَ وَلا الكِتَابَةَ، وَهُمْ لا يَعْرِفُونَ مَا فِي كُتُبِهِمْ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ بِغَيرِ عِلْمٍ صَحِيحٍ عَمَّا فِي كِتَابِهِمُ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ، وَيَقُولُونَ هُوَ مِن الكِتَابِ وَهذَا الذِي يَقُولُونَهُ إِنْ هُو إِلا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَتَخَرُّصٌ لِلكَذِبِ. مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِلْمَعْنَى، وَلا تَدَبُّرٍ وَلا عِلْمٍ. (أَمَانيَّ يَتَمَنَّونَها). أُمِّيُّونَ- لا يَقْرَؤُونَ. أَمَانِيَّ- أَكَاذِيبَ تَلَقَّوهَا عَنْ أَحْبَارِهِمْ. |
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)} {الكتاب} (79)- وَهؤَلاءِ صِنْفٌ مِنَ اليَهُودِ هُمُ العُلَمَاءُ، وَالدُّعَأةُ إِلى الضَّلالَةِ بِالكَذِبِ وَالبُهْتَانِ والزُّورِ، وَقَوْلِ غَيْرِ الحَقِّ عَلَى اللهِ، وَأَكْلِ أَمْوالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَهُمْ أَحْبَارُ اليَهُودِ الذِينَ كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ كِتَاباً مُحَرَّفاً وَمُلَفْقاً مِنْ عِنْدِهِمْ، يِبِيعُونَهُ لِعَوامِّهِمْ زَاعِمِينَ أَنَّهُ التَّورَاةُ المُنْزَلَةُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَأْخُذُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً مِنْهُمْ. وَيحَََذِّرُ اللهُ هؤَلاءِ المُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: الوَيْلُ لَهُمْ- أَيِ الهَلاكُ وَالدَّمَارُ لَهُمْ وَشِدَّةُ الشَّرِّ- مِمَّا أَكَلُوا مِنْ هذا الكَسْبِ الحَرَامِ. وَقَدِ ارْتَكَبَ هؤُلاءِ بِعَمَلِهِمْ هذا ثَلاثَ جِنَايَاتٍ: أُولاهَا- كِتْمَانُ مَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ وَتَغْيِيرِهَا. وَثَانِيَتُها- الافْتِراءُ عَلَى اللهِ وَنِسْبَةُ شَيءٍ إِلَيهِ لَمْ يَقُلْهُ. وَثَالِثُهَا- الكَسْبُ الحَرَامُ ثَمَناً لِهذا الكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ وَالإِفْكِ. فَوَيلٌ- هَلاكٌ أَوْ شِدَّةُ عَذابٍ. |
{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)} (80)- كَانَ اليَهُودُ يَقُولُونَ: إِنَّهُم أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، يُؤَاخِذهُمْ مُؤَاخَذَةَ الأَبِ لابْنِهِ، بِرْفْقٍ وَحَنَانٍ، وَإِنَّهُمْ لَنْ يُعَذَّبُوا فِي النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، ثُمَّ يَرْضى الله عَنْهُم فَيَنْجُونَ مِنَ العَذَابِ وَمِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، مَهْمَا كَانَتْ ذَنَوبُهُمْ عَظِيمَةً. وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيهِمْ قَائِلاً: أَحَصَلْتُمْ عَلَى عَهْدٍ وَوَحْيٍ وَخَبرٍ صَادِقٍ بِذلِكَ مِنَ اللهِ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ حَصَلْتُمْ عَلَى عَهْدٍ فَإِنَّ اللهَ لا يُخْلِف عَهْدَهُ وَوَعْدَهٌ أَبَداً، وَلكِنَّ ذلِكَ لَمْ يَقَعْ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنَ اللهِ عَهْدٌ لِلْيَهُودِ، وَإِنَّكُمْ مُفْتَرُونَ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ شَيئاً لا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ. مَعْدُودَةً- مَحْصُورَةَ العَدَدِ. |
{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)} {وَأَحَاطَتْ} {فأولئك} {أَصْحَابُ} {خَالِدُونَ} (81) وَيَقُولُ تَعَالَى لِلْيَهُود: لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا تَمَنَّيتُم، وَلا كَمَا تَشْتَهُونَ، بَلِ الأَمْرُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ قَضَى بِأَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً، وَأَتَى رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَقَدْ أَثْقَلَتْهُ خَطَايَاهُ وَآثَامُهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ، وَلا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْ خَطَايَاهُ إِلَى اللهِ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَبْقَى فِيهَا خَالِداً. وَقَالَ ابْنً عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّيِّئَةَ هُنَا تَعْنِي الشِّرْكَ، لأَنَّ المُشْرِكَ خَالِدٌ فِي النَّارِ. |
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)} {آمَنُواْ} {الصالحات} {أولئك} {أَصْحَابُ} {خَالِدُونَ} (82)- أَمَّا الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ، فَأَدَّوُا الوَاجِبَاتِ، وانتَهَوا عَنِ المَعَاصِي فَهؤُلاءِ هُمْ أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَخْلُدُونَ فِيها أَبَداً. فَدُخُولُ الجَنَّةِ مَنُوطٌ بِالإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ مَعاً. |
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)} {مِيثَاقَ} {ا إِسْرَائِيلَ} {وبالوالدين} {الصلاة} {وَآتُواْ} {الزكاة} {اليتامى} {المساكين} (83)- ويُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى بَني إَسْرَائِيلَ بِأَوَامِرِهِ إِلَيهِمْ، وَبِالمِيثَاقِ الذِي أَخَذَهُ عَلَيهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى وَغَيرِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ أَلا يَعْبُدُوا إِلا اللهَ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً، وَأَنْ يُحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الوَالِدَينِ، وَأَنْ يُحسِنُوا إِلَى ذَوِي قُربَاهُمْ، وَإِلَى اليَتَامَى الذِين مَاتَ آبَاؤُهُمْ، وإِلى المَسَاكِينِ الذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ، وَأَنْ يُحْسِنُوا مُعَامَلَةَ النَّاسِ وَمُعَاشَرَتَهُمْ، وَأَنْ يَقُولُوا لَهُمْ كَلِمَاتٍ طَيِّبَاتٍ (وَيدخُلُ فِي ذلِكَ الأَمرُ بِالمَعْروفِ والنَّهيُ عَنْ المُنْكَرِ) وَأَنْ يُقِيموا الصَّلاةَ، وَأَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاةَ. وَلكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَوَلَّوْا عَنْ ذلِكَ، وَأَعْرَضُوا عَنْهُ عَنْ عَمْدٍ، بَعْدَ العِلْمِ بِهِ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ بِأَمْرِ اللهِ إِلا قَلِيلُونَ، أَقَامُوا الشَّرِيعَةَ عَلَى وَجْهِهَا الصَّحِيحِ فِي زَمَنِ مُوسَى وَبَعْدَهُ، وَدَخَلُوا فِي الإِسْلامِ حِينَمَا أَدْرَكُوهُ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ سعيدٍ. المِيثَاقَ- هُوَ العَهْدُ الشَّدِيدُ المُؤَكَّدُ. |