Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 2
الربع رقم 1
quran-border  واذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان ياتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ولقد اتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس افكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون
Page Number

1

{أَوَلاَ يَعْلَمُونَ} يعني هؤلاء المنافقين، أو اللائمين، أو كليهما، أو إياهم والمحرفين. {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ومن جملتهما إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان، وإخفاء ما فتح الله عليهم، وإظهار غيره، وتحريف الكلم عن مواضعه ومعانيه.

{ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق والإقرار به والشهادة عليه. وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره على معنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقصون، كقولك أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا، نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات، وعدهم باعتبار ما أسند إليهم حضوراً وباعتبار ما سيحكي عنهم غيباً. وقوله تعالى: {تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مّنكُم مّن ديارهم} إما حال والعامل فيها معنى الإشارة، أو بيان لهذه الجملة. وقيل: هؤلاء تأكيد، والخبر هو الجملة. وقيل بمعنى الذين والجملة صلته والمجموع هو الخبر، وقرئ: {تَقْتُلُونَ} على التكثير. {تظاهرون علَيْهِم بالإثم والعدوان} حال من فاعل تخرجون، أو من مفعوله، أو كليهما. والتظاهر التعاون من الظهر. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بحذف إحدى التاءين. وقرئ بإظهارها، وتظهرون بمعنى تتظهرون {وَإِن يَأْتُوكُمْ أسارى تفادوهم} روي أن قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، فإذا اقتتلا عاون كل فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإجلاء أهلها، وإذا أسر أحد من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه. وقيل معناه: إن يأتوكم أسارى في أيدي الشياطين تتصدوا لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ مع تضييعكم أنفسكم كقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}. وقرأ حمزة {أسرى} وهو جمع أسير كجريح وجرحى، وأسارى جمعه كسكرى وسكارى. وقيل هو أيضاً جمع أسير، وكأنه شبه بالكسلان وجمع جمعه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وابن عامر {تفدوهم} {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} متعلق بقوله: {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مّنكُم مّن ديارهم}، وما بينهما اعتراض، والضمير للشأن، أو مبهم ويفسره إخراجهم، أو راجع إلى ما دل عليه تخرجون من المصدر. وإخراجهم بدل أو بيان {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب} يعني الفداء. {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} يعني حرمة المقاتلة والإجلاء. {فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا} كقتل قريظة وسبيهم. وإجلاء بني النضير، وضرب الجزية على غيرهم. وأصل الخزي ذل يستحيا منه، ولذلك يستعمل في كل منهما. {وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدّ العذاب} لأن عصيانهم أشد. {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} تأكيد للوعيد، أي الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لا يغفل عن أفعالهم. وقرأ عاصم في رواية المفضل، {تردون} على الخطاب لقوله: {مّنكُمْ}. وابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر، وخلف ويعقوب {يعملون} على أن الضمير لمن.

{وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مّن دياركم} على نحو ما سبق والمراد به أن لا يتعرض بعضهم بعضاً بالقتل والإجلاء عن الوطن. وإنما جعل قتل الرجل غيره قتل نفسه، لاتصاله به نسباً أو ديناً، أو لأنه يوجبه قصاصاً. وقيل معناه: لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم، أو لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة، ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنة التي هي داركم، فإنه الجلاء الحقيقي {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} بالميثاق واعترفتم بلزومه {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} توكيد كقولك. أقر فلان شاهداً على نفسه. وقيل وأنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم، فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازاً.

{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} أي التوراة {وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بالرسل} أي: أرسلنا على أثره الرسل، كقوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}. يقال قفاه إذا تبعه، وقفاه به إذا أتبعه إياه من القفا، نحو ذنبه من الذنب {وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، والإِخبار بالمغيبات. أو الإنجيل، وعيسى بالعبرية أبشوع. ومريم بمعنى الخادم، وهو بالعربية من النساء كالزير من الرجال، قال رؤبة: قُلْتُ لِزِيْرٍ لَمْ تَصُلْهُ مَرْيمه. ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل {وأيدناه} وقويناه، وقرئ: {آيدناه} بالمد {بِرُوحِ القدس} بالروح المقدسة كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق، وأراد به جبريل. وقيل: روح عيسى عليه الصلاة والسلام، ووصفها به لطهارته عن مس الشيطان، أو لكرامته على الله سبحانه وتعالى ولذلك أضافه إلى نفسه تعالى، أو لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث، أو الإنجيل، أو اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى، وقرأ ابن كثير {القدس} بالإسكان في جميع القرآن {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم} بما لا تحبه. يقال هَوِيَ بالكسر هَوىً إذا أحب هُوياً بالفتح هَوىً بالضم إذا سقط. ووسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخاً لهم على تعقيبهم ذاك بهذا وتعجيباً من شأنهم، ويحتمل أن يكون استئنافاً والفاء للعطف على مقدر، {استكبرتم} عن الإيمان واتباع الرسل. {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ} كموسى وعيسى عليهما السلام، والفاء للسببية أو للتفصيل {وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} كزكريا ويحيى عليهما السلام، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضاراً لها في النفوس، فإن الأمر فظيع. أو مراعاة للفواصل، أو للدلالة على أنكم بعد فيه فإنكم تحومون حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم، لولا أني أعصمه منكم، ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة.

{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} مغشاة بأغطية خلقية لا يصل إليها ما جئت به ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن وقيل: أصله غلف جمع غلاف فخفف، والمعنى أنها أوعية للعلم لا تسمع علماً إلا وعته، ولا تعي ما تقول. أو نحن مستغنون بما فيها عن غيره. {بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ} رد لما قالوه، والمعنى أنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، ولكن الله خذلهم بكفرهم فأبطل استعدادهم، أو أنها لم تأب قبول ما تقوله لخلل فيه، بل لأن الله تعالى خذلهم بكفرهم كما قال تعالى: {فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أبصارهم}، أو هم كفرة ملعونون، فمن أين لهم دعوى العلم والاستغناء عنك؟ {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} فإيماناً قليلاً يؤمنون، وما مزيده للمبالغة في التقليل، وهو إيمانهم ببعض الكتاب. وقيل: أراد بالقلة العدم.