{وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مّن دياركم} على نحو ما سبق والمراد به أن لا يتعرض بعضهم بعضاً بالقتل والإجلاء عن الوطن. وإنما جعل قتل الرجل غيره قتل نفسه، لاتصاله به نسباً أو ديناً، أو لأنه يوجبه قصاصاً. وقيل معناه: لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم، أو لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة، ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنة التي هي داركم، فإنه الجلاء الحقيقي {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} بالميثاق واعترفتم بلزومه {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} توكيد كقولك. أقر فلان شاهداً على نفسه. وقيل وأنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم، فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازاً. |
{بِئْسَ ماشتروا بِهِ أَنفُسَهُمْ} ما نكرة بمعنى شيء مميزة لفاعل بئس المستكن، واشتروا صفته ومعناه باعوا، أو اشتروا بحسب ظنهم، فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا. {أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنزَلَ الله} هو المخصوص بالذم {بَغِيّاً} طلباً لما ليس لهم وحسداً، وهو علة {أَن يَكْفُرُواْ} دون {اشتروا} للفصل. {أَن يُنَزّلُ الله} لأن ينزل، أي حسدوه على أن ينزل الله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب بالتخفيف. {مِن فَضْلِهِ} يعني الوحي. {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} على من اختاره للرسالة {فَبَاؤوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} للكفر والحسد على من هو أفضل الخلق. وقيل: لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد عيسى عليه السلام، أو بعد قولهم عزير ابنُ الله {وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ} يراد به إذلالهم، بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه. |
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كتاب مّنْ عِندِ الله} يعنى القرآن {مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} من كتابهم، وقرئ بالنصب على الحال من كتاب لتخصصه بالوصف، وجواب لما، محذوف دل عليه جواب لما الثانية. {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} أي يستنصرون على المشركين ويقولون: اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت، في التوراة. أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبياً يبعث منهم، وقد قرب زمانه، والسين للمبالغة والإشعار أن الفاعل يسأل ذلك عن نفسه {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ} من الحق. {كَفَرُواْ بِهِ} حسداً وخوفاً على الرياسة. {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} أي عليهم، وأتى بالمظهر للدلالة على أنهم لعنوا لكفرهم، فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس ويدخلون فيه دخولاً أولياً لأن الكلام فيهم. |
{وَلَقَدْ جَاءكُم موسى بالبينات} يعني الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} {ثُمَّ اتخذتم العجل} أي إلَهاً {مِن بَعْدِهِ} من بعد مجيء موسى، أو ذهابه إلى الطور {وَأَنتُمْ ظالمون} حال، بمعنى اتخذتم العجل ظالمين بعبادته، أو بالإخلال بآيات الله تعالى، أو اعتراض بمعنى وأنتم قوم عادتكم الظلم. ومساق الآية أيضاً لإبطال قولهم {نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} والتنبيه على أن طريقتهم مع الرسول طريقة أسلافهم مع موسى عليهما الصلاة والسلام، لا لتكرير القصة وكذا ما بعده. |
{وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واسمعوا} أي قلنا لهم: خذوا ما أمرتم به في التوراة بجد واسمعوا سماع طاعة. {قَالُواْ سَمِعْنَا} قولك {وَعَصَيْنَا} أمرك {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته، لفرط شغفهم به، كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن. وفي قلوبهم: بيان لمكان الإشراب كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} {بِكُفْرِهِمْ} بسبب كفرهم وذلك لأنهم كانوا مجسمة، أو حلولية ولم يروا جسماً أعجب منه، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إيمانكم} أي بالتوراة، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الأمر، أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث إلزاماً عليهم {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} تقرير للقدح. في دعواهم الإيمان بالتوراة، وتقديره إن كنتم مؤمنين بها لم يأمركم بهذه القبائح ولا يرخص لكم فيها إيمانكم بها، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئسما يأمركم به إيمانكم بها، لأن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه إيمانه، لكن الإيمان بها لا يأمر به، فإذاً لستم بمؤمنين. |