Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 7
الربع رقم 3
quran-border  وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين
Page Number

1

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} {السماوات} (133)- وَيَنْدُبُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ إلَى القِيَامِ بِالأَعْمِالِ الصَّالِحَةِ، وَإلى المُسَارَعَةِ فِي فِعْلِ الخَيْرَاتِ، لِيَنَالُوا مَغْفِرَةَ اللهِ وَرِضْوَانَهُ، وَجَنَّتَهُ الوَاسِعَةَ العَرِيضَةَ التِي أَعَدَّهَا اللهُ لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ، الذِينَ يَمْتَثِلُونَ أَمْرَهُ.

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} {والكاظمين} (134)- يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ صِفَاتِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ: إِنَّهُمُ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ، فِي الرَّخَاءِ (السَّرَاءِ)، وَفِي الشِّدَّةِ (الضَرَّاءِ)، وَفِي الصِّحَّةِ وَالمَرَضِ، وَفِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، لا يَشْغَلُهُمْ أَمْرٌ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَالإِنْفَاقِ فِي سَبيلِ مَرْضَاتِهِ، وَإِنَّهُمْ يَكْتُمُونَ غَيْظَهُمْ إذَا ثَارَ، وَيَعْفُونَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيهِمْ. وَاللهُ يُحِبُّ الذِينَ يَتَفَضَّلُونَ عَلَى عِبَادِهِ البَائِسِينَ، وَيُوَاسُونَهُمْ شُكْراً للهِ عَلَى جَزِيلِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ مَلأَ اللهُ جَوْفَهُ أَمْناً وَإِيمَاناً». كَظَمَ غَيْظَهُ- كَتَمَ غَيْظَهُ فِي نَفْسِهِ وَأَخْفَاهُ. كَظَمَهُ الغَيْظُ- أَخَذَ بِنَفْسِهِ- فَهُو كَظِيمٌ. السَّرَّاءَ- الحَالَةُ التِي تَسُرُّ (اليُسْرِ). الضَّرَّاء- الحَالَةُ التِي تَضُرُّ (العُسْرِ).

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} {فَاحِشَةً} (135)- وَمِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَنَّهُمْ إذَا صَدَرَ عَنْهُمْ فِعْلَ قَبيحٌ يَتَعَدَّى أثرُهُ إلَى غَيْرِهِمْ (كَغَيبَةِ إِنْسَانٍ)، أَو صَدَرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ يَكُونُ مُقْتَصِراً عَلَيْهِمْ (كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوَهُ)، ذَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وَوَعِيدَهُ، وَعَظَمَتَهُ وَجَلالَهُ، فَرَجَعُوا إلَى اللهِ تَائِبِينَ، طَالِبِينَ مَغْفِرَتَهُ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلى القَبِيحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَارٍ، لِعِلْمِهِمْ أنَّ اللهَ هُوَ الذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ، لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ مَنْ تَابَ إلَى اللهِ، تَابَ اللهُ عَلَيهِ، وَغَفَرَ لَهُ. الفَاحِشَةُ- الفَعْلَةُ الشَّنِيعَةُ. ظُلْمُ النَّفْسِ- ارْتِكَابُ الذَّنْبِ الذِي يَقْتَصِر أثَرُهُ عَلَى الفَاعِلِ كَشُرْبِ إنْسَانٍ الخَمْرَ مُسْتَتِراً. الإِصْرَارُ- الإِقَامَةُ عَلَى الفِعْلِ.

{أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} {أولئك} {وَجَنَّاتٌ} {الأنهار} {خَالِدِينَ} {العاملين} (136)- وَالمُتَّقُونَ المُتَمَتِّعُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ سَيَجْزِيهِمْ رَبُّهُمْ عَلَيهَا بِالمَغْفِرَةِ، وَبِالأَمْرِ مِنَ العِقَابِ، وَلَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ فِي جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، وَهُمْ مُخَلَّدُونَ فِيهَا أَبَداً، وَالجَنَّةُ خَيْرُ مَا يُكَافَأُ بِهِ المُؤْمِنُونَ العَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَاتِ.

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)} {عَاقِبَةُ} (137)- يُخَاطِبُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَصَابِهِمْ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ فَيَقُولُ لَهُمْ: لَقَدْ جَرَى عَلَى أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ مِنَ الأُمَمِ الغَابِرَةِ نَحُوٌ مِمَّا جَرَى لَكُمْ يَوْمَ أحُدٍ، فَأُصِيبُوا وَقُتِلُوا وَهُزِمُوا.. وَلَكِنَّ العَاقِبَةَ كَانَتْ لَهُمْ، وَالدَّائِرَةَ كَانَتْ عَلَى الكَافِرِينَ... وَهَذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ أَنَّهُ مَا التَقَى الإِيمَانُ وَالشِّرْكُ إلاّ نَصَرَ اللهُ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ، وَأَعْلَى رَايَةَ الإِيْمَانِ، وَهَزَمَ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، وَنَكَّسَ أَعْلامَهُ. وَأَجْدَرُ النَّاسِ بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ الحَقِيقَةِ هُمُ المُؤْمِنُونَ فَسِيرُوا يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَمَّلُوا فِيمَا حَلَّ بِالأُمَمِ السَّابِقَةِ. السُنَنُ- جَمْعُ سُنّةٍ- الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ. خَلَتْ- مَضَتْ. العَاقِبَةُ- النِّهَايَةُ وَالمَصِيرُ.

{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)} (138)- وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ بَيَانٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ خَاصَّةً، فَالإِرْشَادُ عَامٌّ لِلنَّاسِ، وَحُجَّةٌ عَلَى المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ، (وَذَلِكَ يَدْحَضُ مَا قَالَهُ المُشْرِكُونَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولاً حَقّاً لَمَا غُلِبَ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ). فَهَذا البَيَانُ وَالهُدَى يُرشِدَانِ إلَى أنَّ سُنَنَ اللهِ حَاكِمَةٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، كَمَا هِيَ حَاكِمَةٌ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، فَمَا مِنْ قَائِدٍ يُخَالِفُهُ جُنْدُهُ، وَيَتْرُكُونَ حِمَايَةَ الثَّغْرِ الذِي عُهِدَ إلَيهِمْ بِحِمَايَتِهِ، إلاّ كَانَ جَيْشُهُ عُرْضَةً لِلْهَزِيمَةِ. وَهَذَا البَيَانُ هُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، لأَنَّهُمْ هُمُ الذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فَيَعْتَبِرُونَ. هُدًى- إِرْشَادٌ إلَى الطَّرِيقِ القَوِيمِ.

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} (139)- وَلا تَضْعَفُوا عَنِ الجِهَادِ، وَمَا يَتَطَلَّبُهُ مِنْ حُسْنِ التَّدْبِيرِ وَالإِعْدَادِ، بِسَبَبِ مِا أَصَابَكُمْ مِنَ الفَشَلِ وَالجِرَاحِ يَوْمَ أحُدٍ، وَلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَقَدْتُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، فَإِنَّ العَاقِبَةَ وَالنَّصْرَ سَيَكُونَانِ لَكُمْ إذَا تَمَسَّكْتُمْ بِحَبْلِ اللهِ، وَرَاعَيْتُمْ تَعَالِيمَهُ، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ أنْ يَجْعَلَ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ. الوَهْنُ- الضَّعْفُ.

{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)} {آمَنُواْ} {الظالمين} (140)- إنْ كُنْتُمْ قَدْ أَصَابَتْكُمْ جِرَاحٌ، وَقُتِلَ مِنْكُمْ رِجَالٌ يَوْمَ أحُدٍ، فَقَدْ أَصَابَ أَعْدَاءَكُمْ قَرِيبٌ مِمَّا أَصَابَكُمْ، فَلا يَنْبَغِي لَكُمْ أنْ تَقْعُدُوا وَتَتَقَاعَسُوا عَنِ الجِهَادِ بِسَبَبِ مَا أَصَابَكُمْ، فَالمُشْرِكُونَ قَدْ سَبَقَ أنْ أَصَابَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ أَنْتُمْ فِي أحُدٍ، فَلَمْ يَتَقَاعَسُوا، وَلَمْ يَقْعُدُوا عَنِ الإِعْدَادِ لِلْحَرْبِ وَمُبَاشَرَتِهَا، وَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، فَكَيْفَ تَتَرَدَّدُونَ وَأَنْتُمْ عَلَى حَقٍّ، وَاللهُ وَعَدَكُمْ نَصْرَهُ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لَكُمْ؟ وَمِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى مُدَاوَلَةُ الأَيَّامِ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَرَّةً تَكُونُ الغَلبَةُ لِلْبَاطِلِ عَلَى الحَقِّ، إذَا أَعَدَّ لَهُ أَهْلُهُ وَاحْتَاطُوا، وَتَرَاخَى أَهْلُ الحَقِّ، وَمَرَّةً تَكُونُ الغَلَبَةُ لِلْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ. وَلَكِنَّ العَاقِبَةَ تَكُونُ دَائِماً لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ. وَاللهُ تَعَالَى يَبْتَلِي المُؤْمِنينَ لِيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ الصَّادِقِينَ مِنْهُمْ، وَلِيَتّخِذَ مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالاً يُكْرِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ. إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ- إنْ يُصِبْكُمْ جِرَاحٌ. نُدَاوِلُهَا- نُصَرِّفُها، فَنُدِيلُ تَارَةً لِهؤلاءِ وَتَارَةً لِهَؤلاءِ، وَالمُدَاوَلَةُ نَقْلُ الشَّيءِ مِنْ شَخْصٍ إلى شَخْصٍ.