{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)} {يَا أَيُّهَا} {آمنوا} {أَعْقَابِكُمْ} {خَاسِرِينَ} (149)- يُحَذِّرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ مِنْ إِطَاعَةِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ، الذِينَ حَاوَلُوا إِلْقَاءَ الشُّبُهَاتِ فِي قُلُوبِ ضِعَافِ المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيّاً حَقّاً لانْتَصَرَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمٌ وَعَلِيهِ يَوْمٌ. (وَهَؤُلاءِ هُمْ أبُو سُفْيَانُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ) لأَنَّ إِطَاعَتَهُمْ تُورِثُ البَوَارَ فِي الدُّنْيا، بِخُضُوعِهِمْ لِسُلْطَانِهِمْ، وَذِلَّتِهِمْ بَيْنَهُمْ، وَفِي الآخِرَةِ فِيمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَبَدِيِّ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَجَهَنَّمُ بِئْسَ المَصِيرُ وَالمُسْتَقَرُّ. |
{بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)} {مَوْلاكُمْ} {الناصرين} (150)- يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِ، وَمُوَالاتِهِ، وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ وَحْدَهُ، لأَنَّهُ خَيْرُ نَاصِرٍ لِعِبَادِهِ المُخْلِصِينَ. أمَّا رُؤُوسُ الكُفْرِ وَالضّلالَةِ وَالنِّفَاقِ فَإِنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ، وَلا نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ. |
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)} {سُلْطَاناً} {وَمَأْوَاهُمُ} {الظالمين} (151)- يُبَشِّرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ سَيُلْقِي فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِم الرُّعْبَ لأنَّهُمْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا بِاللهِ، وَهَذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللهِ، قَدْ جَعَلَ نُفُوسَ المُشْرِكِينَ مُضْطَرِبَةً، وَقُلُوبَهُمْ مُمْتَلِئَةً رُعْباً وَهَلَعاً مِنَ المُؤْمِنِينَ، حِينَما يَلْتَقُونَ بِهِمْ فِي سَاحَةِ الحَرْبِ، وَأنَّهُ سَيَدَّخِرُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابَ النَّارِ وَنَكَالَها. وَالنَّارُ بِئْسَ المَثْوَى وَالنِّهَايَةُ لِلظَّالِمِينَ الكَافِرِينَ. المَثْوَى- المَقَرُّ وَالمَأوَى. سُلْطاناً- حُجَّةً وَبُرْهَاناً. مَثْوَى الظَّالِمِينَ- مَأوَاهُمْ وَمُقَامُهُمْ. |
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} {وَتَنَازَعْتُمْ} {أَرَاكُمْ} {الآخرة} (152)- لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالمُسْلِمُونَ إلَى المَدِينَةِ بَعْدَ مَعْرَكَةِ أحُدٍ قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ: مِنْ أَيْنََ أَصَابَنَا هَذا وَقَدْ وَعَدَنَا اللهُ تَعَالَى النَّصْرَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ وَفِيها يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: إِنَّهُ صَدَقَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ بِهِ مِنْ نَصْر، فَكُنْتُمْ تَقْتُلُونَهُمْ قَتْلاً ذَرِيعاً بِإذْنِ اللهِ، وَسَلَّطَكُمْ عَلَيهِمْ، حَتَّى إذَا أَصَابَكُمُ الضَّعْفُ وَالفَشَلُ، وَعَصَيْتُمْ أمْرَ الرَّسُولِ، وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ، (وَهُوَ مَا وَقَع لِلرُّمَاةِ الذِينَ أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ أنْ يَلْزَمُوا مَوَاقِعَهُمْ فَتَخَلَّوا عَنْهَا)، وَكَانَ اللهُ قَدْ أَرَاكُمُ الظَّفَرَ، وَهُوَ مَا تُحِبُّونَهُ، فَكَانَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنيا، وَيَطْمَعُ فِي المَغْنَمِ، حِينَ رَأَوْا هَزِيمَةَ المُشْرِكِينَ، فَتَرَكُوا مَوَاقِعَهُمْ عَلَى الجَبَلِ، وَمِنْكُمْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الآخِرَةَ فِي قِتَالِهِ المُشْرِكِينَ لا يَلْتَفِتُ إلَى المَغْنَمِ، فَثَبَتَ مَكَانَهُ وَقَاتَلَ، ثُمَّ أدَالَ اللهُ المُشْرِكِينَ عَلَيكُمْ، وَجَعَلَ لَهُمُ الغَلَبَةَ عَلَيْكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَيَمْتَحِنَ ثَبَاتَكُمْ عَلَى الإِيمَانِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكُمْ ذَلِكَ الفِعْلَ، وَهُوَ عِصْيَانُ أَمْرِ الرَّسُولِ، وَالهَرَبُ مِنَ المَعْرَكَةِ، وَمَحَا أَثَرَهُ مِنْ نُفُوسِكُمْ، حِينَمَا أَظْهَرْتُمُ النَّدَمَ، وَرَجَعْتُمْ إلَى اللهِ، حَتَّى صِرْتُمْ وَكَأَنَّكُمْ لَمْ تَفُشَلُوا. وَلَمْ يَسْمَحِ اللهُ باسْتِئْصَالِكُمْ لأَنَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ. تَحُسُّونَهُمْ- تَقْتُلُونَهُمْ، وَمِنَها سَنَةٌ حَسُوسٌ إذَا أَتَتْ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. الفَشَلُ- عَدَمُ النَّجَاحِ- وَهُوَ الضَّعْفُ. صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ- كَفَّكُمْ عَنْهُمْ. لِيَبْتَلِيَكم- لِيَخْتَبِرَكُم. |
{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} {تَلْوُونَ} {ا أُخْرَاكُمْ} {فَأَثَابَكُمْ} {أَصَابَكُمْ} (153)- فَقَدْ صَرَفَكُمُ اللهُ عَنِ المُشْرِكِينَ فَأخَذْتُمْ فِي الهَرَبِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ فِي الجِبَالِ، لا تَلْتَفِتُونَ إلَى أَحَدٍ مِنَ الدَهَشِ وَالخَوْفِ، وَقَدْ خَلَّفْتُمُ الرَّسُولَ وَرَاءَكُمْ وَهُوَ يَدْعُوكُمْ إلَى العَوْدَةِ إلى القِتَالِ، وَيَقُولُ: هَلُمَّ عِبَادَ اللهِ أنَا رَسُولُ اللهِ، مَنْ يَكِرُّ فَلَهُ الجَنَّةُ، فَجَزَاكُمُ اللهُ صلى الله عليه وسلم لِفِرَارِكُمْ، بِغَمٍّ يَمْلأُ نُفُوسَكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ، وَعَلَى تَرْكِكُمْ رَسُولَ اللهِ يُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُ، وَهُوَ ثَابِتٌ دُونَكُمْ، وَذَلِكَ لِكَيْلا تَهْتَمُّوا وَتَحْفَلُوا بِشَيءٍ فَاتَكُمْ، وَلا بِأَذًى أَصَابَكُمْ، وَلِتَمْرُنُوا عَلَى تَجَرُّعِ الغُمُومِ، وَاحْتِمَالِ الشَّدَائِدِ، إذْ كَانَ مَا أَصَابَ النَّبِيِّ، وَمَا لَحِقَ بِنُفُوسِكُمْ مِنَ النَّدَمَ، وَهُوَ أَكْبَرُ عِنْدَكُمْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ: أَكْبَرُ مِنَ الجِرَاحِ وَالقَتْلِ وَضَيَاعِ المَغْنَمِ. وَاللهُ خَبِيرٌ بِأَعْمَالِكُمْ وَمَقَاصِدِكُمْ، وَقَادِرٌ عَلَى مُجَازَاتِكُمْ عَلَيْهَا. تُصْعِدُونَ- تَذْهَبُونَ فِي الأَرْضِ، تَبْتَعِدُونَ. لا تَلْوُونَ- لا تَلْتَفِتُونَ إلَى شَيءٍ مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ وَالهَلَعِ. فِي أُخْرَاكُمْ- فِي آخِرِكُمْ وَمُؤَخَّرَتِكُمْ. أَثَابَكُمْ- جَازَاكُمْ وَعَاقَبَكُمْ. الغَمُّ- الضِّيقُ مِمَّا يُحسُّ بِهِ الإِنْسَانُ. غَمّاً بِغَمٍّ- غَمّاً مُتّصِلاً بِغَمٍّ. |