Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 8
الربع رقم 1
quran-border  لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد الذين قالوا ان الله عهد الينا الا نؤمن لرسول حتى ياتينا بقربان تاكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور
Page Number

1

{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)} (181)- لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} قَالَتْ اليَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ أفْتَقَرَ رَبُّكَ فَيَسْأَلُ عِبَادَهُ القَرْضَ؟ وَرُوِيَ أنَّ أبَا بَكْرٍ لَقِيَ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ فَدَعَاهُ إلى الإِسْلامِ، فَقَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إلَى اللهِ مِنْ حَاجَةٍ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إِلَينَا لَفَقِيرٌ، مَا نَتَضرَّعُ إلَيهِ كَمَا يَتَضرَّعُ إلينَا، وَإنا عَنْهُ أَغْنِياءُ، وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيّاً مَا اسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ.. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةِ. وَيَتَوَعَّدُ اللهُ تَعَالَى اليَهُودَ بِأنَّهُ سَمِعَ مَا قَالُوا، وَسَيَكْتُبُهُ وَيُسَجِّلُهُ عَلَيْهِمْ، وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيهِ، كَمَا سَيُحَاسِبُهُمِ عَلَى رِضَاهُمْ بِمَا قَامَ بِهِ أَسْلافُهُمْ مِنْ قَتْلِهِم الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَسَيَجْزِيهِم اللهُ عَلَيهِ شَرَّ الجَزَاءِ. وَيَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ: ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ. عَذَابَ الحَرِيقِ- العَذَابَ المُحْرِقَ.

{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)} (182)- وَهَذا العَذَابُ المُحْرِقُ الذِي تَذُوقُونَهُ، إِنَّمَا وَقَعَ بِكُمْ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْهُ أيْدِيكُمْ مِنْ عَمَلٍ سَيِّئٍ، وَكُفْرٍ وَظُلْمٍ، وَقَتْلٍ لِلأَنْبِيَاءِ، وَقَوْلِ: إنَّ اللهَ فَقِيرٌ. وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ بِكُمْ هَذَا العِقَابَ بِالحَقِّ، وَالعَدْلِ، وَهُوَ لا يَظْلِمُ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ. العَبِيدُ- العِبَادُ.

{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)} {بالبينات} {صَادِقِينَ} (183)- لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليَهُودَ إلى الإِسْلامِ، رَدَّ عَليهِ بَعْضُ رُؤَسَائِهِمْ (مِثْلُ كَعَبِ بْنِ الأشرَفِ، وَمَالِكِ بْنِ الصَّيفِ، وَفَنْحَاسِ بْنِ عَازُورَاءَ) قَائِلِينَ: إنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِمْ أنْ لا يُؤْمِنُوا لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَ بِمُعْجِزَةٍ، مِنْهَا أنْ يَكُونَ إذا قَرَّبَ قُرْبَاناً إلى اللهِ، (أيْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ) فَتُقُبِّلَ مِنْهُ، تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَحْرُقُ القُرْبَانَ. وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مُكَذِّباً مَقَالَتَهُمْ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ الكَرِيمِ، قُلْ لَهُمْ: لَقَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ قَبْْلِي بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ، وَبِنَارٍ تَأْكُلُ القَرَابِينَ المُتَقَبَّلَةَ (وَهُوَ الذِي قَالُوهُ وَطَلَبُوهُ) فَلِمَاذَا قَتَلْتُمُوهُمْ، وَكَذَّبْتُمُوهُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟ القُرْبَانُ- مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللهِ مِنْ حَيَوانٍ وَغَيْرِهِ. البَيِّنَاتِ- المُعْجِزَاتِ الوَاضِحَةِ.

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)} {جَآءُوا} {بالبينات} {والكتاب} (184)- وَيُعَزِّي اللهُ رَسُولَهُ قَائِلاً: إنْ كَذَّبَكَ هَؤُلاءِ فَلا يَهِمَنَّكَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَكَ أسْوَةٌ بِمَنْ جَاءَ قَبْلَكَ مِنَ الرُسُلِ، الذِينَ جَاؤُوا المُكَذِبِينَ مِنْ أَقْوَامِهِمْ بِالبَيِّنَاتِ وَالحِجَجِ وَالبَرَاهِينِ القَاطِعَةِ، وَالكُتُبِ المُنْزَلَةِ مِنَ السَّمَاءِ (الزُّبُرِ) وَالكِتَابِ الوَاضِحِ الجَلِيِّ (الكِتَابِ المُنِيرِ)، وَأتَوا بِالقُرْآنِ الذِي تَأْكُلُهُ النَّارُ.. فَقُوبِلُوا مِنْهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالمُعَانَدَةِ، وَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ كَزَكَرِيّا وَيَحْيَى، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَومٌ غِلاظُ الأَكْبَادِ، قُسَاةُ القُلُوبِ، لا يُقِيمُونَ الحَقَّ، وَلا يُذْعِنُونَ لَهُ. الزُبُرِ- كُتُبِ المَوَاعِظِ وَالزَّوَاجِرِ.

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} {ذَآئِقَةُ} {القيامة} {الحياة} {مَتَاعُ} (185)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ سَتَذُوقُ طَعْمَ المَوْتِ، وَتُحِسُّ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ. وَاسْتَدَّلَ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أنَّ الأَرْوَاحَ لا تَمُوتُ بِمَوتِ البَدَنِ، لأنَّ الذَّوْقَ شُعُورٌ لا يُحِسُ بِهِ إلا الحَيُّ، وَهُوَ تَعَالَى وُحْدَهُ الحَيُّ الذِي لا يَمُوتُ. وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُحْشَرُ النَّاسُ إلى الله، وَتُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ أجُورَهَا عَمَّا اكْتَسَبَتْهُ مِنْ أَعْمَالٍ، فَمِنْ جُنِّبَ النَّارَ، وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ، فَقَدْ فَازَ كُلَّ الفَوْزِ. وَالحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إلا مَتَاعاً تَافِهاً زَائِلاً، صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ مَخْدُوعٌ، وَهُوَ مَتَاعٌ مَتْرُوكٌ يُوشِكُ أنْ يَضْمَحِلَّ عَنْ أهْلِهِ. تُوَفَّوْنَ أجُورَكُمْ- تَسْتَوفُونَهَا غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ. زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ- نُحِّي عَنْهَا. المَتَاعُ- مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ مِمَّا يُبَاعُ وَيُشْرَى.

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} {ا أَمْوَالِكُمْ} {الكتاب} (186)- يُسَلّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ لَهُ: إنَّهُ وَأصْحَابَهُ سَيَلْقَوْنَ مِنَ الكُفْارِ أَذًى كَثِيراً فِي النَّفْسِ وَالمَالِ، كَمَا لَقُوهُ مِنْهُمْ مِنْ أَذًى يَوْمَ أحُدٍ، وَعَلَى المُؤْمِنِينَ أنْ يُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ، إذْ لا بُدَّ مِنْ أنْ يَبْتَلِيَ اللهُ المُؤْمِنَ فِي شَيءٍ مِنْ مَالِهِ، أوْ نَفْسِهِ أو وَلَدِهِ أوْ أَهْلِهِ... وَابْتَلاءُ المُؤْمِنِ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، فَإنْ كَانَ فِيهِ صَلابَةٌ فِي دِينِهِ زِيدَ فِي بَلائِهِ. وَنَبَّهَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمُ وَالمُؤْمِنِينَ عِنْدَ مَقْدَمِهِمْ إلَى المَدِينَةِ (وَقَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ) إلَى أَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ مِنَ اليَهُودِ وَمِنَ المُشْرِكِينَ أَذًى كَثِيراً: مِنَ التَّقَوُّلِ وَالإِرْجَافِ، وَنَقْضِ العُهُودِ وَبَثِّ الشَّائِعَاتِ، وَمُحَاوَلَةِ الإِيذَاءِ... وَيَأمر اللهُ نَبِيَّهُ وَالمُؤْمِنينَ بِالصَّفْحِ وَالصَّبْرِ وَالعَفْوِ حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى احْتِمَالِ ذَلِكَ إلا أولُو العَزْمِ الأَقْويَاءُ. مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ- مَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أنْ يَعْزِمَ عَلَيْهِ، وَيَأْخُذَ نَفُسَهُ بِتَنْفِيذِهِ. لَتُبْلَوُنَّ- لَتُخْتَبَرُنَّ وَتُمْتَحَنُنَّ بِالمِحَنِ.