{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} {الكتاب} {كِتَابِ} (23)- يُنكِرُ اللهُ تَعَالى اليَهُودِ رَفْضَهُمُ الأخْذَ بِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِم- التِي يَزْعُمُونَ أنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهَا- حِينَمَا يَكُونُ الحُكْمُ فِيها لا يُوافِقُ أهْوَاءَهُمْ. فَقَدْ زَنَى أحَدُ أشْرَافِ اليَهُودِ فَجَاؤُوا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْألُونَهُ الحُكْمَ فِي الأمْرِ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِمِثْلِ مَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ. وَحُكْمُ الزِّنَا فِي التَّورَاةِ هُوَ الرَّجْمُ، فَتَولُّوْا عَنْهُ مُعْرِضِينَ. وَلَمْ يَقْبَلُوا حَكْمَهُ. فَهُمْ إنَّمَا جَاؤُوا إليهِ لِيَجِدُوا لَدَيهِ حُكْماً أخَفَّ مِمَّا فِي التَّورَاةِ، وَكَانَ مِنْ المَفْرُوضِ فِيهِمْ ألا يَتَرَدَّدُوا فِي إجَابَةِ الدَّعْوَةِ إلى كِتَابِهِمْ، إذْ أنَّهُ أصْلُ دِينِهِمْ، وَعَلَيْهِ بُنِيَتْ عَقِيدَتُهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} إشَارَةٌ إلى أنَّهُمْ يَحْفَظُونَ طَرَفاً مِنْ كِتَابِهِمْ الذِي أوْحَاهُ اللهُ إليهِمْ. وَقَدْ فَقَدُوا سَائِرَهُ، وَأنَّهُمْ لا يُحْسِنُونَ فَهْمَهُ، وَلا يَلْتَزِمُونَ العَمَلَ بِهِ. النَّصِيبُ- الحَظُّ وَهُوَ هُنَا طَرَفٌ مِنَ التَّورَاةِ وَشَيءٌ مِنْهُ. التَّوَلِّي- الإعْراضُ بِالبَدَنِ. |
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)} {مَّعْدُودَاتٍ} (24)- وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى مُخَالَفََةِ الحَقِّ، وَعَلَى العِنَادِ إلا افْتِراؤُهُمْ عَلَى اللهِ فِيمَا ادَّعَوْهُ لأنْفُسِهِمْ مِنْ أنَّهُمْ لَنْ يُعَذَّبُوا فِي النَّارِ، إلا أياماً مَعْدَوداتٍ (قِيلَ: إنَّهَا سَبْعَةُ أيَّامٍ، عَنْ كُلِّ ألْفِ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِ الدُّنْيَا يَوْمٌ مِنَ العَذَابِ). وَقَدْ خَدَعَهُمْ هذا الاعْتِقَادُ البَاطِلُ وَغَرَّهُمْ، فَاسْتَمَرُّوا فِي غَيِّهِمْ وَضَلالِهِمْ، وَأقَامُوا عَلَى ارْتِكابِ المَعاصِي وَالذُّنُوبِ. لَنْ تَمسَّنَا النَّارُ- لَنْ نُعَذِّبَ فِي النَّارِ. الافْتِراءُ- اخْتِلاقُ الكَذِبِ. غَرَّهُ- خَدَعَهُ. |
{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)} {جَمَعْنَاهُمْ} (25)- فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ- وَقَدْ كَذَّبُوا وَافْتَرَوْا عَلَى اللهِ الكَذِبَ- إذَا جَمَعَهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمٌ لا شَكَّ فِي أنَّهُ آتٍ وَوَاقِعٌ، وَرَأتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ مُحْضَراً لا نَقْصَ فِيهِ، ثُمَّ جُوزِيتْ عَلَيهِ؟ وَاللهُ لا يَظْلِمُ أحَداً. وَفَّي- مِنَ الوَفَاءِ وَهُوَ تَسْدِيدُ الدَّيْنِ. |
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} {مَالِكَ} (26)- قُلْ يَا مُحَمَّدُ مُعَظِّماً رَبَّكَ، وَشَاكِراً لَهُ أَنْعُمَهُ عَلَيكَ: اللَّهُمَّ لَكَ المُلْكُ وَالسُّلْطَانُ الأَعْلَى، وَالتَّصَرُّفُ التَّامُّ فِي تَدْبِيرِ الأمُورِ، تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُعْطِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَمْنَعُهُ وَتَنْزِعُهُ عَمَّنْ تَشَاءُ، إِنَّكَ أَنْتَ الفَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ، بِيَدِكَ الخَيْرُ وَحْدَكَ، وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، لا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ عَنْ تَنْفِيذِ مُرَادِكَ. |
{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} {الليل} {الليل} (27)- إنَّكَ يَا رَبِّ تَأخُذُ مِنْ طُولِ النَّهَارِ فَتَزيدُ فِي اللَّيلِ، ثُمَّ تَزيدُ فِي النَّهَارِ وَتأخُذُ مِنْ طُولِ اللَّيلِ، وَهَكَذا فِي فُصُولِ السَّنَةِ، وَتُخْرِجُ الزَّرْعَ الحَيَّ مِنَ الحَبِّ المَيِّتِ، وَتُخْرِجُ الحَبَّ المَيِّتَ مِنَ الزَّرْعِ الحَيِّ، وَالبَيْضَ مِنَ الدَّجَاجِ، وَالدَّجَاجَ مِنَ البَيْضِ، وَالنَّخْلَةَ مِنَ النَّوَاةِ. (وَقَالَ الدُّكْتُورُ عَبْدُ العَزِيزِ إسْمَاعِيلُ: إنَّ النُطْفَةَ شَيءٌ حَيٌّ، وَكَذَلِكَ النَّواةُ. وَإنَّ التَفْسِيرَ الصَّحِيحَ لِقَولِهِ تَعَالَى {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} هُوَ ما يَحْصُلُ يَوْمِياً مِنْ أنَّ الحَيًّ يَنْمُو بِأكْلِ الأشْياءِ المَيِّتَةِ، فَالصَّغِيرُ يَكْبُرُ جِسْمُهُ بِتَغْذِيَتِهِ بِاللَّبَنِ وَغَيرِهِ، وَالغِذاءُ شَيءٌ مَيِّتٌ. وَإنَّ القُدْرَةَ عَلَى تَحْويلِ الشَّيءِ المَيِّتِ الذِي يأكُلُه إلى عَنَاصِرَ وَمَوَادَّ مِنْ نَوعِ جِسْمِهِ فَتَكُونُ سَبَباً فِي نُمُوِّ جِسْمِهِ، هُوَ أهَمُّ عَلامَةٍ تَفْصِلُ الجِسْمَ الحَيَّ عَنِ الجِسْمِ المَيِّتِ). وَإنَّكَ يَا رَبِّ تَهَبُ عَطَاءَكَ الوَاسِعَ مَنْ تَشَاءُ وَفْقَ حِكْمَتِكَ فَلا رَقِيبَ عَلَيكَ يُحَاسبُكَ عَلَى مَا تَعْمَلُ. بِغَيْرِ حِسَابٍ- بِلا نِهَايَةٍ لِمَا تُعْطِي. الوُلُوجُ- الدُّخُولُ. |
{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} {الكافرين} {تُقَاةً} (28)- رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أنَّ الحَجَّاجَ بْنَ عَمْرو، وَابْنَ أبي الحَقِيقِ وَقَيْسَ بْنَ زَيْدٍ (مِنَ اليَهُودِ) كَانُوا يُلازِمُونَ (يُبَاطِنُونَ) نَفَراً مِنَ الأنْصَارِ يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ المُنْذِرِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ لأولَئِكَ النَّفَرِ: اجْتَنِبُوا هؤُلاءِ اليَهُودَ. فَأبَوْا إلاّ مُبَاطَنَتَهُمُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ وَفِيهَا يَنْهَى اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالاةِ الكَافِرِينَ، وَعَنْ أنْ يَتَّخِذُوهُم أوْلِيَاءَ يُسِرُّونَ إِليْهِمْ بِالمَوَّدةِ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ. ثُمَّ تَوَعَدَّ تَعَالَى مَنْ يُخَالِفُ أمْرَهُ فِي ذَلِكَ، إلا مَنْ خَافَ فِي بَعْضِ البُلْدَانِ وَالأوقَاتِ شُرُورَهُمْ (إلا أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)، فَلَهُ أنْ يَتَّقِيَهُمْ بِظَاهِرِهِ، لا بِبَاطِنِهِ وَنِيَّتِهِ. (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْتقِيَّهُ لا تَكُونُ بِالعَمَلِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ) ثُمَّ هَدَّدَ اللهُ تَعَالَى المُخَالِفِينَ عَنْ أمْرِهِ بِأنْ يَحْذَرُوا نِقْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، إذَا اسْتَمَرُّوا فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، وَمُوَالاةِ أَعْدَائِهِ، وَعَادَوا أَوْلِيَاءَ اللهِ، وَإلى اللهِ المَرْجِعُ وَالمُنْقَلَبُ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ. الوَلِيُّ- النَّصِيرُ. التُّقَاةُ- الاتِّقَاءُ وَالخَوْفُ. يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ- يُخَوِّفُكُمُ اللهُ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ. |
{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} {السماوات} (29)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأنَّهُ يَعْلَمُ سَرَائِرَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ وَظَوَاهِرَهُمْ، وَأنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنْ أمْورِهِمْ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الكَوْنِ جَمِيعاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَأنَّهُ قَادِرٌ عَلَى عُقُوبَةِ المُخَالِفِينَ عَنْ أَمْرِهِ، وَالمُوَالينَ أَعْدَاءَهُ، فَمَا مِنْ مَعْصِيَةٍ خَفِيّةٍ، أوْ ظَاهِرَةٍ إلاّ وَهُوَ مُطَّلعٌ عَليها، وَقَادِرٌ عَلَى عِقَابِ فَاعِلِهَا عَلَيهَا. |