Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 5
الربع رقم 4
quran-border  الم الله لا اله الا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وانزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وانزل الفرقان ان الذين كفروا بايات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا اله الا هو العزيز الحكيم هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولو الالباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد
Page Number

1

{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبيّ بن كعب أنه قرأ {الحي القيوم}. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: {القيوم} القائم على كل شيء. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن المنذر والحاكم وصححه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح سورة آل عمران، فقرأ {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. وأخرج ابن أبي داود عن الأعمش قال في قراءة عبدالله {الحي القيام}. وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن علقمة أنه كان يقرأ {الحي القيام}. وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن أبي معمر قال: سمعت علقمة يقرأ {الحي القيم} وكان أصحاب عبدالله يقرؤون {الحي القيام}. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب، وعبد المسيح، والأيهم السيد، وهو من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم. يقولون هو الله، ويقولون هو ولد الله، ويقولون هو ثالث ثلاثة، كذلك قول النصرانية، فهم يحتجون في قولهم يقولون هو الله بأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الاسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً، وذلك كله بإذن الله ليجعله آية للناس. ويحتجون في قولهم بأنه ولد بأنهم يقولون: لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد شيئاً لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله. ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلاثة بقول الله: فعلنا: وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون: لو كان واحداً ما قال إلا فعلت، وأمرت، وقضيت، وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم. ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن وذكر الله لنبيه فيه قولهم، فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلما» قالا: قد أسلمنا قبلك. قال: «كذبتما منعكما من الإِسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير»، قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت فلم يجبهما شيئاً، فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها، فافتتح السورة بتنزيه نفسه مما قالوه، وتوحيده إياهم بالخلق، والأمر لا شريك له فيه، ورد عليه ما ابتدعوا من الكفر، وجعلوا معه من الأنداد، واحتجاجاً عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالتهم فقال: {الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم} أي ليس معه غيره شريك في أمره، الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى، في قولهم القائم على سلطانه لا يزول وقد زال عيسى. وقال ابن إسحق: حدثني محمد بن سهل بن أبي امامة قال: لما قدم أهل نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى ابن مريم. نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين منها وأخرجه البيهقي في الدلائل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال: إن النصارى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟» قالوا: بلى. قال: «ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وإن عيسى يأتي عليه الفناء؟» قالوا: بلى. قال: «ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟» قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا: لا. قال: «أفلستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى. قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئاً إلا ما علم؟» قالوا: لا.قال: «فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب، ولا يحدث الحدث؟» قالوا: بلى. قال: «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غُذّيَ كما تُغذي المرأة الصبي، ثم كان يأكل الطعام، ويشرب الشراب، ويحدث الحدث؟» قالوا: بلى. قال: «فكيف يكون هذا كما زعمتم؟» فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً. فأنزل الله: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها {القيام}. وأخرج ابن جرير عن علقمة أنه قرأ {الحي القيوم}. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه} قال: لما قبله من كتاب أو رسول. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {مصدقاً لما بين يديه} يقول: من البينات التي أنزلت على نوح وإبراهيم وهود والأنبياء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {نزل عليك الكتاب} قال: القرآن {مصدقاً لما بين يديه} من الكتب التي قد خلت قبله {وأنزل التوراة والإنجيل، من قبل هدى للناس}هما كتابان أنزلهما الله فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به، وصدق به وعمل بما فيه {وأنزل الفرقان} هو القرآن فرق به بين الحق والباطل. فأحل فيه حلاله، وحرم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وَحَدَّ فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه، وبَيَّنَ فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته. وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير {وأنزل الفرقان} أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره. وفي قوله: {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام} أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها. وفي قوله: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} أي قد علم ما يريدون، وما يكيدون، وما يضاهون بقولهم في عيسى. إذ جعلوه رباً، وإلهاً، وعندهم من علمه غير ذلك، غرة بالله وكفراً به {هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء} قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، كما صور غيره من بني آدم فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل؟ وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله: {يصوركم في الأرحام كيف يشاء} قال: ذكوراً وإناثاً. وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح وعن ابن عباس عن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة. في قوله: {هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء} قال: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقة أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً. فإذا بلغ أن يخلق، بعث الله ملكاً يصوّرها فيأتي الملك بتراب بين اصبعيه، فيخلط فيه المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصوّره كما يؤمر، ثم يقول أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد، وما رزقه، وما عمره، وما أثره، وما مصائبه؟ فيقول الله... ويكتب الملك. فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء} قال: من ذكر، وأنثى، وأحمر، وأبيض، وأسود، وتام، وغير تام الخلق. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {العزيز الحكيم} قال: العزيز في نقمته إذا انتقم، الحكيم في أمره.

3:1

3:1

3:1

3:1

3:1

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: {المحكمات} ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده؛ وفرائضه، وما يؤمن به و {المتشابهات} منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: {المحكمات} الناسخ الذي يدان به ويعمل به. {المتشابهات} المنسوخات التي لا يدان بهن. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبدالله بن قيس: سمعت ابن عباس يقول في قوله: {منه آيات محكمات} قال: الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات {قل تعالوا...} [ الأنعام: 151- 153] والآيتان بعدها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله: {آيات محكمات} قال: من هاهنا {قل تعالوا...} [ الأنعام: 151- 153]. إلى آخر ثلاث آيات. ومن هاهنا {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه...} [ الإسراء: 23- 25] إلى ثلاث آيات بعدها. وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود وناس من الصحابة {المحكمات} الناسخات التي يعمل بهن {والمتشابهات} المنسوخات. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: {المحكمات} الحلال والحرام. وأخرج عبد بن حميد والفريابي عن مجاهد قال: {المحكمات} ما فيه الحلال والحرام، وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضاً. مثل قوله: {وما يضل به إلا الفاسقين} [ البقرة: 26] ومثل قوله: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} [ الأنعام: 125] ومثل قوله: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [ محمد: 17]. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: {المحكمات} هي الآمرة الزاجرة. وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن أبي حاتم عن إسحاق بن سويد، أن يحيى بن يعمر، وأبا فاختة. تراجعا هذه الآية {هنَّ أم الكتاب} فقال أبو فاختة: هن فواتح السور، منها يستخرج القرآن {الم ذلك الكتاب} منها استخرجت البقرة، و {الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم} منها استخرجت آل عمران، قال يحيى: هن اللاتي فيهن الفرائض، والأمر والنهي، والحلال والحدود، وعماد الدين. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {هنَّ أم الكتاب} قال: أصل الكتاب، لأنهن مكتوبات في جميع الكتب. وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: {المحكمات} حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه {وأخر متشابهات} في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرفن عن الحق. وأخرج ابن جرير عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قوله: {أم الكتاب} قال: الحلال والحرام قلت له ف {الحمد لله رب العالمين} [ الفاتحة: 1] قال: هذه أم القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: إنما قال: {هن أم الكتاب} لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن {وأخر متشابهات} يعني فيما بلغنا {الم} و{المص} و{المر} و{الر}. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: {المتشابهات} آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرأوهن. ومن أجل ذلك يضل من ضل، فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم، فمنها يتبع الحرورية من المتشابه قول الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44] ثم يقرؤون معها {والذين كفروا بربهم يعدلون} [ الأنعام: 1] فإذا رأوا الامام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر فمن كفر عدله بربه، ومن عدل بربه فقد أشرك بربه. فهؤلاء الأئمة مشركون. وأخرج البخاري في التاريخ وابن جرير من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رباب قال: «مر أبو ياسر بن أخطب، فجاء رجل من يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه}. فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال أتعلمون؟ والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه {الم، ذلك الكتاب} فقال: أنت سمعته قال: نعم. فمشى حتى وافى أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: الم تقل إنك تتلو فيما أنزل عليك {الم، ذلك الكتاب}؟ فقال: بلى، فقالوا: لقد بعث بذلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مده ملكه، وما أجل أمته غيرك. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة. ثم قال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. {المص} قال: هذه أثقل وأطول! الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، هذه إحدى وثلاثون ومائة. هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. {الر} قال: هذه أثقل وأطول! الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان. هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة. هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. {المر} قال: هذه أثقل وأطول. هذه إحدى وسبعون ومائتان. ثم قال: لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً!. ثم قال: قوموا عنه. ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد. إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين! فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}». وأخرج يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وجابر بن رباب، أن أبا ياسر بن أخطب مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ (فاتحة الكتاب، والم، ذلك الكتاب) فذكر القصة. وأخرجه ابن المنذر في تفسيره من وجه آخر عن ابن جريج معضلاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {فأما الذين في قلوبهم زيغ} يعني أهل الشك. فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون فلبس الله عليهم {وما يعلم تأويله إلا الله} قال: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود {زيغ} قال: شك. وأخرج عن ابن جريج قال: {الذين في قلوبهم زيغ} المنافقون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {فيتبعون ما تشابه منه} قال: الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه {ابتغاء تأويله} وفي قوله: {ابتغاء الفتنة} قال: الشبهات. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارمي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان والبيهقي في الدلائل من طرق عن عائشة قالت «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ} إلى قوله: {أولوا الألباب} فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم. ولفظ البخاري: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم. وفي لفظ لابن جرير: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه سمى الله فاحذروهم. وفي لفظ لابن جرير: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم». وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} قال: هم الخوارج. وفي قوله: {يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه} [ آل عمران: 106] قال: هم الخوارج. وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذَّكَّرُ إلا أولوا الألباب}، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالوا به». وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مما أتخوف على أمتي؛ أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيه فيقتتلوا عليه، وإن مما أتخوف على أمتي أن يُفْتَحَ لهم القرآن حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق فيحل حلاله المؤمن». أما قوله تعالى: {ابتغاء تأويله} الآية. أخرج أبو يعلى عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، يتأوّلونه على غير تأويله». وأخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائله وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على قوم يتراجعون في القرآن وهو مغضب فقال: «بهذا صلت الأمم قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض». قال: «وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعلموا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به». وأخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارأون فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فَكِلُوه إلى عالِمِهِ». وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الابانة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف. زاجر وآمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نُهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعلموا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا {آمنا به كل من عند ربنا}» وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود. موقوفاً. وأخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود «إن الكتب كان تنزل من السماء، من باب واحد، وأن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وضرب أمثال، وآمر وزاجر، فأحل حلاله، وحرم حرامه، واعمل بمحكمه، وقف عند متشابهه، واعتبر أمثاله، فإن كلا من عند الله {وما يذّكَّر إلا أولوا الألباب}». وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد بسند واهٍ عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «أيها الناس قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم. فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وآمنوا بمتشابهه، واعلموا بمحكمه، واعتبروا بأمثاله». وأخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: أنزل القرآن على خمسة أوجه: حرام، وحلال، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فأحل الحلال، وحرم الحرام، وآمن بالمتشابه، واعمل بالمحكم، واعتبر بالأمثال. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود قال: إن القرآن أنزل على نبيكم صلى الله عليه وسلم من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وأن الكتاب قبلكم كان ينزل من باب واحد على حرف واحد. وأخرج ابن جرير ونصر المقدسي في الحجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف. المراء في القرآن كفر. ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عَالِمِهِ». وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه، وغرائبه فرائضه وحدوده. فإن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن القرآن ذو شجون، وفنون، وظهور، وبطون. لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته. فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف غوى. أخبار وأمثال وحرام وحلال، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن. فظهره التلاوة، وبطنه التأويل. فجالسوا به العلماء، وجانبوا به السفهاء، وإياكم وزلة العالم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أن النصارى قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تزعم أن عيسى كلمة الله، وروح منه؟ قال: بلى. قالوا: فحسبنا... فأنزل الله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة}. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن طاوس قال: كان ابن عباس يقرؤها {وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به} وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله {وان حقيقة تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن أبي مليكة قال: قرأت على عائشة هؤلاء الآيات فقالت: كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه {وما يعلم تأويله إلا الله} ولم يعلموا تأويله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا: إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فانتهى عملهم إلى قولهم الذي قالوا. وأخرج ابن جرير عن عروة قال: {الراسخون في العلم} لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون {آمنا به كل من عند ربنا}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن عبد العزيز قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا {آمنا به كل من عند ربنا}. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال: كتاب الله ما استبان منه فاعمل به، وما اشتبه عليك فآمن به وَكِلْهُ إلى عالمه. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن للقرآن مناراً كمنار الطريق، فما عرفتم فتمسكوا به، وما اشتبه عليكم فذروه. وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ قال: القرآن منار كمنار الطريق ولا يخفى على أحد، فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه أحداً، وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمه. وأخرج ابن أبي جرير من طريق أشهب عن مالك في قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله} قال: ثم ابتدأ فقال: {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} وليس يعلمون تأويله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن {الراسخين في العلم} فقال: «من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه. فذلك من الراسخين في العلم». وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأودي. سمعت أنس بن مالك يقول سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من {الراسخون في العلم}؟ قال: «من صدق حديثه، وبر في يمينه، وعف بطنه وفرجه. فذلك {الراسخون في العلم}». وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام، وتفسير تعرفه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله. من ادعى علمه فهو كاذب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُنْزِلَ القرآن على سبعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله. ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: أنا ممن يعلم تأويله. وأخرج ابن جرير عن الربيع «والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {يقولون آمنا به} نؤمن بالمحكم وندين به، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به. وهو من عند الله كله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {كل من عند ربنا} يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ. وأخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار، أن رجلاً يقال له صيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أَعَدَّ له عراجين النخل فقال: من أنت؟ فقال: أنا عبدالله صبيغ فقال: وأنا عبدالله عمر. فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين، فضربه حتى دمى رأسه فقال: يا أمير المؤمنين حسبك... قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي. وأخرج الدارمي عن نافع، إن صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد، فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة، ثم تركه حتى برئ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس. أن عمر بن الخطاب جلد صبيغاً الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن السائب بن يزيد، أن رجلاً قال لعمر: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن. فقال عمر: اللهم أمكني منه. فدخل الرجل يوماً على عمر فسأله، فقام عمر، فحسر عن ذراعيه، وجعل يجلده ثم قال: ألبسوه تباناً واحملوه على قتب، وابلغوا به حيه، ثم ليقم خطيب فليقل أن صبيغاً طلب العلم فاخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم. وأخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي، إن عمر كتب إلى أهل البصرة، أن لا يجالسوا صبيغاً، قال: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا. وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغاً، وأن يحرم عطاءه ورزقه. وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه، فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمرن فيقومون ويدعونه. وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحق، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري. أما بعد... فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهدوه. وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإِمام الشافعي رضي الله عنه قال: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ، أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإِبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم؛ هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام. وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القرآن. هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية. فكأنما فقىء في وجهه حب الرمان فقال: «ألهذا خلقتم، أو لهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فانتهوا». وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجدال في القرآن كفر». وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وراء حجرته قوم يتجادلون في القرآن. فخرج محمرة وجنتاه كأنما تقطران دماً فقال: يا قوم لا تجادلوا بالقرآن، فإنما ضَلَّ من كان قبلكم بجدالهم، إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ولكن نزل ليصدق بعضه بعضاً، فما كان من محكمه فاعملوا به، وما كان من متشابهه فآمنوا به». وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال: وما يقول؟! قال: جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق. فقال علي: هذه كلمة وسيكون لها ثمرة، لو وَليتُ من الأمر ما وَلِيتَ ضربت عُنقَه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ...} الآية قال: طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك. وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون آمنا به.

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. ثم قرأ {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا...} الآية». وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت: يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب؟! قال: نعم. ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله أقامه، وإن شاء أزاغه. فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب. قلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي. قال: «بلى. قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني». وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء! فقال: ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، أما تسمعين قوله تعالى {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}» ولفظ ابن أبي شيبة «إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلال قلبه». وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالوا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم. قال: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها». وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير والطبراني عن سبرة بن فاتك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرب. فإذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه». وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عبيدة بن الجراح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن قلب ابن آدم مثل قلب العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات». وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص عن أبي موسى قال: إنما سمي القلب قلباً لتقلبه. وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض. وأخرج أحمد وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهراً لبطن». وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن أبي عبدالله الصنابحي، أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصلى وراء أبي بكر المغرب، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة من قصار المفصل. ثم قام في الركعة الثالثة، فقرأ بأم القرآن، وهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}. وأخرج ابن جرير والطبراني في السنة والحاكم وصححه عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. قلنا: يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك؟ فقال: إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يقول به هكذا. ولفظ الطبراني: إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه». وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النّواس بين سمعان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الميزان بيد الرحمن. يرفع أقواماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة، وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن. إذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه، وكان يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». وأخرج الحاكم وصححه عن المقداد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذ اجتمع غلياناً». وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله: {ربنا لا تزغ قلوبنا} أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأجسادنا. وأخرج ابن سعد في طبقاته عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول: أي رب لا أزنين، أي رب لا أسرقن، أي رب لا أكفرن. قيل له: أو تخاف؟ قال: آمنت بمحرف القلوب ثلاثاً. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي الدرداء قال: كان عبدالله بن رواحة إذا لقيني قال: اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة، فنجلس فنذكر الله على ما يشاء. ثم قال: يا عويمر هذه مجالس الإِيمان، إن مثل الإِيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنت قد نزعته إذ لبسته، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته. يا عويمر للقلب أسرع تقلباً من القِدر، إذا استجمعت غلياناً. وأخرج الحكيم الترمذي من طريق عتبة بن عبدالله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الإِيمان بمنزلة القميص، مرة تقمصه ومرة تنزعه». وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري قال: ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع ابرة من النفاق، وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان. وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: «لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب». وأخرج مسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عبدالله بن عمرو «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك». وأخرج الطبراني في السنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل».

{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)} أخرج ابن النجار في تاريخه عن جعفر بن محمد الخلدي قال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد} اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير».