{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} {آمَنَّا} {الشاهدين} (53)- وَتَضَرَّعَ الحَوَارِيُّونَ إلى رَبِّهِمْ قَائِلِينَ: رَبَّنا آمَنَّا بِكَ وَبِنَبِّيكَ، وَبِمَا أَنْزَلْتَ عَلَيهِ، وَاتَّبَعْنا رَسُولَكَ وَصَدَّقْنَاهُ، وَامْتَثَلْنَا لِمَا أتَى بِهِ، فَاكْتُبْنَا وَاجْعَلْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ لِرَسُولِكَ بِالتَّبلِيغِ، وَعََلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالكفْرِ وَالعِنَادِ وَالجُحُودِ. |
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)} {الماكرين} (54)- وَأَرادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ التَّخَلُّصَ مِنْ عِيسَى وَدَعْوَتِهِ، فَوَشَوْا بِهِ إلى مُمَثِّلِ رُومَا فِي فِلَسْطِينَ، وَقَالُوا لَهُ إنَّهُ يُوجَدُ رَجُلٌ يُضِلُّ النَّاسَ، وَيَصْرِفُهُمْ عَنْ طَاعَةِ المَلِكِ، وَيُفْسِدُ الرَّعيَّةَ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الأب وَابْنِهِ، فَبَعَثَ ثُلَّةً مِنَ الجُنْدِ لأخْذِهِ وَصَلْبِهِ، فَلَمَّا أحَاطَ الجُنْدُ بِالبَيْتِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ ظَفِرُوا بِهِ نَجَّاهُ اللهُ، واشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ فِي ظُلْمِةِ اللَّيْلِ ظَنُّوهُ المَسِيحَ فَأخَذُوهُ وَصَلَبُوهُ. (وَيُقَالُ إنَّ هذا الشَّخْصَ هُوَ الذِي وَشَى بِالمَسِيحِ وَأرَادَ الدَّلالَةَ عَلَيهِ) أمَّا المَسِيحُ فَقَدْ رَفَعَهُ اللهُ إليه وَنَجَّاهُ. وَهكَذا مَكَرَ اللهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَبْطَلَ مَكْرَهُمْ وَكَيْدَهُمْ وَتَدِبِيرَهُمْ. المَكْرُ- التَّدْبِيرُ المُحْكَمُ الخَفِيُّ- وَغَلَبَ اسْتِعمَالُهُ فِي التَّدْبِيرِ السَّيِّىءِ. |
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)} {ياعيسى} {القيامة} (55)- وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ فِيمَا تَقُصُّهُ عَلَيْهِمْ إذْ بَشَّرَ اللهُ تَعَالَى عِيسَى بِأَنَّهُ سَيُنَجِّيهِ مِنْ مَكْرِ اليَهُودِ، وَأنَّهُ سَيَسْتَوفِي أجَلَهُ، وَأنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا مِنْهُ مَا كَانُوا يُرِيدُونَ بِمَكْرِهِمْ وَخُبْثِهِمْ، وَأنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدَ المَوْتِ فِي مَكَانٍ رَفيعٍ عِنْدَ اللهِ، وَأنَّّهُ سَيَجْعَلُ الذِينَ آمَنُوا بِأنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، وَصَدَّقُوهُ فِي قَوْلِهِ {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَد} ثُمَّ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ وَرِسَالَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، ظَاهِرِينَ بِالقُوَّةِ وَالسُّلْطَانِ عَلَى الذِينَ مَكَرُوا بِهِ وَكَذَّبُوهُ، مِنَ اليَهودِ، وَمَنْ سَارُوا بِسيرَتِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهُدَى عِيسَى، وَسَيَسْتَمِرُّ هَذَا الظُّهُورُ وَالسُّلْطَانُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ. ثُمَّ يَصيرُ الجَمِيعُ إلى اللهِ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أمُورِ الدِّينِ. مُتَوفِّيكَ- مُمِيتُكَ- آخِذُكَ وَافياً بِرُوحِكَ وَجَسَدِكَ. |
{فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)} {نَّاصِرِينَ} (56)- فَأمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرِسَالةِ المَسِيحِ فَإنَّ اللهَ سَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً، فِي الدُّنيا بِالقَتْلِ وَالسَّبْي، وَأخْذِ الأمْوَالِ، وَزَوَالِ المُلْكِ، وَتَسْلِيطِ الأُمَمِ عَليهِمْ، وَسَيُعَذِّبُهُمْ فِي الآخِرَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَا لَهُمْ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَبَأْسِهِ. |
{وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)} {آمَنُوا} {الصالحات} {الظالمين} (57)- وَأمَّا المُهْتَدُونَ الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فَيُثِيبُهُمْ ثَوَاباً وَافِياً عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فِي الدُّنيا بِالنَّصْرِ والظَّفَرِ، وَفِي الآخِرَةِ بِالخُلُودِ فِي جَنَّتِهِ، وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ المُتَجَاوِزِينَ لِحُدُودِهِ، وَلا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْراً. |
{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)} {الآيَاتِ} (58)- مَا قَصَصْنَاهُ عَلَيكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أمْرِ عِيسَى، وَأمِّهِ مَرْيَمَ، وَأمِّها امْرَأَةِ عِمْرَانَ، وَمَبْدَأ وِلادةَ عِيسَى، وَتَفْصِيلِ أَمْرِهِ، وأَمْرِ زَكَرِيّا وَيَحْيَى، وَمَا قَصَصْنَاهُ عَليكَ مِنْ أمْرِ الحَوَارِيينَ وَاليَهُودِ.. إنَّما هُوَ وَحْيٌ مِنَ اللهِ ألْقَاهُ إليكَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ، وَهُوَ مِنَ القرآنِ وَالحِكْمَةِ، يُبَيِّنُ وُجُوهَ العِبَرِ عَلَى مَنْ حَاجَّكَ مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ، وَيَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الذِينَ كَذَّبُوكَ، وَكَذَّبُوكَ، وَكَذَّبُوا بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الحَقِّ. |
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} {ءَادَمَ} (59)- إنَّ مَثَلَ عِيسَى فِي قُدْرَةِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ دُونِ أبٍ، كَمَثَلِ آدَمَ فِي خَلْقِهِ مِنْ تُرابٍ (مِنْ دُونِ أبٍ وَلا أمٍّ)، وَإنَّما أنْشَأهُ بَشَراً بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، فَكَانَ كَمَا أمَرَ اللهُ. مَثَلَ عِيسَى- حَالَهُ وَصِفَتَهُ العَجِيبَةَ. |
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)} (60)- وَهذا القَوْلُ الذِي أَنْبَأكَ بِهِ رَبُّكَ فِي شَأْنِ عِيسَى وَمَرْيَمَ عَلَيهِمَا السَّلامُ، هُوَ القَوْلُ الحَقُّ الذِي لا حَقَّ سِوَاهُ. المُمْتَرِينَ- المُتَشَكِّكِينَ. |
{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} {لَّعْنَتَ} {الكاذبين} (61)- قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ فِيهِ سُتُّونَ رَاكِباً أخَذُوا يُحَاجُّونَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُونَ فِي المَسِيحِ عَليهِ السَّلامُ: إنَّهُ اللهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ ابْنُ اللهِ، وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهُ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ.. وَلمَّا طَالَ الجَدَلُ أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ الآيَاتِ المُتَعَلَّقَةَ بِعِيسَى وَمَرْيَمَ، وَأمَرَهُ بِدَعْوَتِهِمْ إلى المُبَاهَلَةِ، بِأنْ يَدْعُوَ كُلُّ فَرِيقٍ أبْنَاءَهُ وَنِسَاءَهُ وَنَفْسَهُ ثُمَّ يَضْرَعُونَ إلى اللهِ بِأنْ يَجْعَلَ غَضَبَهُ وَنَقْمَتَهُ عَلَى مَنْ كَذَّبَ فِي أَمْرِ عِيسَى مِنْ كَوْنِهِ خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أبٍ، وَأنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَيسَ إلهاً. فَتَشَاوَرَ أعْضَاءُ الوَفْدِ فِي أمْرِهِمْ فَرَأوا أنْ لا يُلاعِنُوا النَّبِيَّ خَوْفاً مِنَ العَاقِبَةِ. (وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يُكَذِّبُ اللهُ اليَهُودَ فِيمَا رَمَوْا بِهِ السَّيِّدَةَ البَتُولَ مَرْيَمَ مِنَ الإِفْكِ وَالبُهْتَانِ، وَفِي تَكْذِيبِهِمْ عِيسَى، وَيُكَذِّبُ مَنْ زَعَمَ مِنَ النَّصَارَى أنَّ المَسِيحَ إلهٌ). (المُبَاهَلَةُ هِيَ أنْ يَجْتَمِعَ فَرِيقَانِ يَخْتَلِفَانِ فِي أمْرٍ ثُمَّ يَبْتَهِلانِ إلى اللهِ بِأنْ يَجْعَلَ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبينَ). (وَهَذا الطَّلَبُ يَدُلّ عَلَى قُوَّةِ يِقِينِ صَاحِبِهِ، وَثِقَتِهِ بِمَا يَقُولُ). حَاجَّكَ- جَادَلَكَ. تَعَالَوْا- هَلُمُّوا وَأقْبِلُوا. نَبْتَهِلْ- نَدْعُ بِاللَّعْنَةِ عَلَى الكَاذِبِ مِنَّا. |