Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 6
الربع رقم 4
quran-border  لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فان الله به عليم كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فاولئك هم الظالمون قل صدق الله فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه ايات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان امنا ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين قل يا اهل الكتاب لم تكفرون بايات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من امن تبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين
Page Number

1

{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس قال: «كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله ان الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وان أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذاك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله؟ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه». وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير عن أنس قال: «لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله يسألنا من أموالنا، أشهد أني قد جعلت بأريحا لله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلها في قرابتك. فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب». وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أنس قال: «لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} أو هذه الآية {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} قال أبو طلحة: يا رسول الله حائطي الذي بكذا وكذا صدقة، ولو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعله في فقراء أهلك». وأخرج عبد بن حميد والبزار عن ابن عمر قال: حضرتني هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فذكرت ما أعطاني الله، فلم أجد شيئاً أحب إليَّ من مرجانة جارية لي رومية، فقلت هي حرة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها. فأنكحها نافعاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب، إنه كتب إلى أبي موسى الأشعري، أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء. فدعا بها عمر فقال: إن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فأعتقها عمر. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال: «لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} جاء زيد بن حارثة بفرس له يقال لها شبلة لم يكن له مال أحب إليه منها فقال: هي صدقة. فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل عليها ابنه أسامة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في وجه زيد فقال: إن الله قد قبلها منك». وأخرج ابن جرير عن عمرو بن دينار. مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن أيوب وغيره «أنها حين نزلت {لن تنالوا البر...} الآية. جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال: يا رسول الله هذا في سبيل الله، فحمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد، فكأن زيداً وجد في نفسه. فلما رأى ذلك منه النبي صلى الله عليه وسلم قال أما إن الله قد قبلها». وأخرج عبد بن حميد عن ثابت بن الحجاج قال: «بلغني أنه لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال زيد: اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه فتصدق بها على المساكين، فأقاموها تباع وكانت تعجبه. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يشتريها». وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران، أن رجلاً سأل أبا ذر أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب. فقال: يا أبا ذر لقد تركت شيئاً هو أوثق عملي في نفسي لا أراك ذكرته! قال: ما هو؟ قال: الصيام! فقال: قربة وليس هنا. وتلا هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. وأخرج عبد بن حميد عن رجل من بني سليم قال: جاورت أبا ذر بالربذة، وله فيها قطيع إبل. له فيها راع ضعيف فقلت: يا أبا ذر الا أكون لك صاحباً أكنف راعيك، واقتبس منك بعض ما عندك، لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فأما أنت مطيعي فأنت لي صاحب وإلا فلا. قلت: ما الذي تسألني فيه الطاعة؟ قال: لا أدعوك بشيء من مالي إلا توخيت أفضل. قال: فلبثت معه ما شاء الله، ثم ذكر له في الماء حاجة فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه ثم ذكرت حاجتهم إليه فتركته، وأخذت ناقة ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها فحانت منه نظرة فقال: يا أخا بني سليم خنتني. فلما فهمتها منه خليت سبيل الناقة ورجعت إلى الإبل، فاخذت الفحل فجئت به فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ قال رجلان: نحن... قال: اما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً منها ففعلوا. فلما فرق اللحم دعاني فقال: ما أدري أحفظت وصيتي فظهرت بها، أما نسيت فاعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك ولكن لما تصفحت الإبل وجدت فحلها أفضلها، فهممت بأخذه فذكرت حاجتكم إليه فتركته فقال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت: ما تركت إلا لذلك قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي؟ إن يوم حاجتي يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا ينتظر أن يذهب بخيرها أو شرها، والوارث ينتظر متى تضع رأسك ثم يستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكونن أعجز الثلاثة فلا تكونن مع أن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وأن هذا المال مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي. وأخرج أحمد عن عائشة قالت «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله ولم ينهَ عنه قلت: يا رسول الله أفلا نطعمه المساكين؟ قال: لا تطعموهم مما لا تأكلون». وأخرج أبو نعيم في الحلية عن طريق مجاهد عن ابن عمر، أنه لما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} دعا بجارية له فاعتقها. وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قرأ ابن عمر وهو يصلي فأتى على هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فاعتق جارية له وهو يصلي أشار إليها بيده. وأخرج ابن المنذر عن نافع قال: كان ابن عمر يشتري السكر فيتصدق به فنقول له: لو اشتريت لهم بثمنه طعاماً كان أنفع لهم من هذا، فيقول: إني أعرف الذي تقولون ولكن سمعت الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وابن عمر يحب السكر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {لن تنالوا البر} قال: الجنة. وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي. مثله. وأخرج ابن المنذر عن مسروق. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: لن تنالوا بركم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوون من أموالكم {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} يقول محفوظ: ذلك لكم والله به عليم شاكر له.

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)} أخرج عبد بن حميد والفريابي والبيهقي في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} قال: العرق. أخذه عرق النسا، فكان يبيت له زقاء يعني صياح، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحماً فيه عروق، فحرمته اليهود. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: هل تدري ما حرم إسرائيل على نفسه؟ ان إسرائيل أخذته الأنساء فاضنته، فجعل لله عليه إن عافاه الله أن لا يأكل عرقاً أبداً. فلذلك تسل اليهود العروق فلا يأكلونها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: حرم على نفسه العروق. وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا، فكان لا ينام الليل فقال: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد، وليس مكتوباً في التوراة «وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفراً من أهل الكتاب فقال: ما شأن هذا حراماً؟ فقالوا: هو حرام علينا من قبل الكتاب فقال الله: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل} إلى {إن كنتم صادقين}». وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «جاء اليهود فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: كان يسكن البدو، فاشتكى عرق النسا، فلم يجد شيئاً يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها، فلذلك حرمها قالوا صدقت». وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {إلا ما حرَّم إسرائيل على نفسه} قال: حرم العروق، ولحوم الإبل، كان به عرق النسا فأكل من لحومها، فبات بليلة يزقو، فحلف أن لا يأكله أبداً. وأخرج عبد بن حميد عن أبي محلز في قوله: {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} قال: إن إسرائيل هو يعقوب، وكان رجلاً بطيشاً، فلقي ملكاً فعالجه، فصرعه الملك، ثم ضرب على فخذه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به فقال: ما أنا بتاركك حتى تسميني اسماً. فسماه إسرائيل، فلم يزل يوجعه ذلك العرق حتى حرمه من كل دابة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: حرم على نفسه لحوم الأنعام. وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس، أنه كان يقول: الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد، والكليتين، والشحم، إلا ما كان على الظهر. فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء {إلا ما حرم إسرائيل} قال: لحوم الإبل وألبانها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال: قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: نزلت التوراة، بتحريم الذي حرم إسرائيل، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} وكذبوا ليس في التوراة، وإنما لم يحرم ذلك إلا تغليظاً لمعصية بني إسرائيل بعد نزول التوراة {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم: كان موسى يهودياً على ديننا، وجاءنا في التوراة تحريم الشحوم، وذي الظفر، والسبت. فقال محمد صلى الله عليه وسلم: «كذبتم لم يكن موسى يهودياً، وليس في التوراة إلا الإسلام». يقول الله: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} أفيه ذلك وما جاءهم بها أنبياؤهم بعد موسى، فنزلت في الألواح جملة. وأخرج عبد بن حميد عن عامر، أن علياً رضي الله عنه قال في رجل جعل امرأته عليه حراماً قال: حرمت عليه كما حرم إسرائيل على نفسه لحم الجمل فحرم عليه. قال مسروق: إن إسرائيل كان حرم على نفسه شيئاً كان في علم الله أن سيحرمه، إذا نزل الكتاب فوافق تحريم إسرائيل ما قد علم الله أنه سيرحمه، إذا نزل الكتاب وأنتم تعمدون إلى الشيء قد أحله الله فتحرمونه على أنفسكم ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد.

3:93

{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس قال: «كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله ان الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وان أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذاك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله؟ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه». وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير عن أنس قال: «لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله يسألنا من أموالنا، أشهد أني قد جعلت بأريحا لله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلها في قرابتك. فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب». وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أنس قال: «لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} أو هذه الآية {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} قال أبو طلحة: يا رسول الله حائطي الذي بكذا وكذا صدقة، ولو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعله في فقراء أهلك». وأخرج عبد بن حميد والبزار عن ابن عمر قال: حضرتني هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فذكرت ما أعطاني الله، فلم أجد شيئاً أحب إليَّ من مرجانة جارية لي رومية، فقلت هي حرة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها. فأنكحها نافعاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب، إنه كتب إلى أبي موسى الأشعري، أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء. فدعا بها عمر فقال: إن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فأعتقها عمر. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال: «لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} جاء زيد بن حارثة بفرس له يقال لها شبلة لم يكن له مال أحب إليه منها فقال: هي صدقة. فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل عليها ابنه أسامة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في وجه زيد فقال: إن الله قد قبلها منك». وأخرج ابن جرير عن عمرو بن دينار. مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن أيوب وغيره «أنها حين نزلت {لن تنالوا البر...} الآية. جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال: يا رسول الله هذا في سبيل الله، فحمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد، فكأن زيداً وجد في نفسه. فلما رأى ذلك منه النبي صلى الله عليه وسلم قال أما إن الله قد قبلها». وأخرج عبد بن حميد عن ثابت بن الحجاج قال: «بلغني أنه لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال زيد: اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه فتصدق بها على المساكين، فأقاموها تباع وكانت تعجبه. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يشتريها». وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران، أن رجلاً سأل أبا ذر أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب. فقال: يا أبا ذر لقد تركت شيئاً هو أوثق عملي في نفسي لا أراك ذكرته! قال: ما هو؟ قال: الصيام! فقال: قربة وليس هنا. وتلا هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. وأخرج عبد بن حميد عن رجل من بني سليم قال: جاورت أبا ذر بالربذة، وله فيها قطيع إبل. له فيها راع ضعيف فقلت: يا أبا ذر الا أكون لك صاحباً أكنف راعيك، واقتبس منك بعض ما عندك، لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فأما أنت مطيعي فأنت لي صاحب وإلا فلا. قلت: ما الذي تسألني فيه الطاعة؟ قال: لا أدعوك بشيء من مالي إلا توخيت أفضل. قال: فلبثت معه ما شاء الله، ثم ذكر له في الماء حاجة فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه ثم ذكرت حاجتهم إليه فتركته، وأخذت ناقة ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها فحانت منه نظرة فقال: يا أخا بني سليم خنتني. فلما فهمتها منه خليت سبيل الناقة ورجعت إلى الإبل، فاخذت الفحل فجئت به فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ قال رجلان: نحن... قال: اما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً منها ففعلوا. فلما فرق اللحم دعاني فقال: ما أدري أحفظت وصيتي فظهرت بها، أما نسيت فاعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك ولكن لما تصفحت الإبل وجدت فحلها أفضلها، فهممت بأخذه فذكرت حاجتكم إليه فتركته فقال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت: ما تركت إلا لذلك قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي؟ إن يوم حاجتي يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا ينتظر أن يذهب بخيرها أو شرها، والوارث ينتظر متى تضع رأسك ثم يستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكونن أعجز الثلاثة فلا تكونن مع أن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وأن هذا المال مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي. وأخرج أحمد عن عائشة قالت «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله ولم ينهَ عنه قلت: يا رسول الله أفلا نطعمه المساكين؟ قال: لا تطعموهم مما لا تأكلون». وأخرج أبو نعيم في الحلية عن طريق مجاهد عن ابن عمر، أنه لما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} دعا بجارية له فاعتقها. وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قرأ ابن عمر وهو يصلي فأتى على هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فاعتق جارية له وهو يصلي أشار إليها بيده. وأخرج ابن المنذر عن نافع قال: كان ابن عمر يشتري السكر فيتصدق به فنقول له: لو اشتريت لهم بثمنه طعاماً كان أنفع لهم من هذا، فيقول: إني أعرف الذي تقولون ولكن سمعت الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وابن عمر يحب السكر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {لن تنالوا البر} قال: الجنة. وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي. مثله. وأخرج ابن المنذر عن مسروق. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: لن تنالوا بركم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوون من أموالكم {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} يقول محفوظ: ذلك لكم والله به عليم شاكر له.

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)} أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علي بن أبي طالب في قوله: {إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة} قال: كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وصع لعبادة الله. وأخرج ابن جرير عن مطر. مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: {إن أول بيت وضع للناس} يُعْبَدُ الله فيه {للذي ببكة} وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: «قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة». وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال: خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته. وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: إن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة وهي من الأرض، إنما كانت حشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبحان، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها، فجعلها في وسط الأرض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والأزرقي عن مجاهد قوله: {إن أول بيت وضع للناس} كقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [ آل عمران: 110]. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أما أول بيت فإنه يوم كانت الأرض ماء كان زبدة على الأرض، فلما خلق الله الأرض خلق البيت معها. فهو أول بيت وضع في الأرض. وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال: أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام. وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال: «بلغنا أن اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنها مهاجر الأنبياء، ولأنه في الأرض المقدسة. فقال المسلمون: بل الكعبة أعظم. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فنزلت {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً} إلى قوله: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} وليس ذلك في بيت المقدس {ومن دخله كان آمناً} وليس ذلك في بيت المقدس {ولله على الناس حج البيت} وليس ذلك لبيت المقدس». وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مهدت منها الأرض. وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس، ثم مدت منه الجبال». وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال: إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجاً. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن مجاهد قال: إنما سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها الرجال والنساء. يعني يزدحمون. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد قال: إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها، وانه يحل فيها ما لا يحل في غيرها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن قتادة قال: سميت بكة لأن الله بك بها الناس جميعاً، فيصلي النساء قدام الرجال ولا يصلح ذلك ببلد غيره. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عتبة بن قيس قال: إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى. قيل: عمن تروي هذا؟ قال: عن ابن عمر. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن زيد حميد بن مهاجر قال: إنما سميت بكة لأنها كانت تبك الظلمة. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: البيت وما حوله بكة، وما وراء ذلك مكة. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال: بكة موضع البيت، ومكة ما سوى ذلك. وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب قال: بكة البيت والمسجد، ومكة الحرم كله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: بكة هي مكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: مكة من الفج إلى التنعيم، وبكة من البيت إلى البطحاء. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: بكة الكعبة، ومكة ما حولها. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان {مباركاً} جعل فيه الخير والبركة {وهدى للعالمين} يعني بالهدى قبلتهم. وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن الزهري قال: بلغني أنهم وجدوا في مقام إبراهيم ثلاثة صفوح في كل صفح منها كتاب. في الصفح الأول «أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، وباركت لأهلها في اللحم واللبن. وفي الصفح الثاني أنا الله ذو بكة خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته. وفي الثالث أنا الله ذو بكة خلقت الخير والشر، فطوبى لمن كان الخير على يديه، وويل لمن كان الشر على يديه». وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: وجد في المقام كتاب فيه: هذا بيت الله الحرام بكة توكل الله برزق أهله من ثلاثة سبل، يبارك لأهلها في اللحم، والماء، واللبن، لا يحله أول من أهله، ووجد في حجر من الحجر كتاب من خلقة الحجر «أنا الله ذو بكة الحرام صغتها يوم صغت الشمس والقمر، وخففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشابها، مبارك لأهلها في اللحم والماء». وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد والضحاك. نحوه. وأخرج الجندي في فضائل مكة عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله مكة فوضعها على المكروهات والدرجات» قيل لسعيد ببن جبير: ما الدرجات؟ قال: الدرجات الجنة. وأخرج الأزرقي والجندي عن عائشة قالت: ما رأيت السماء في موضع أقرب منها إلى الأرض من مكة. وأخرج الأزرقي عن عطاء بن كثير رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم «المقام بمكة سعادة، وخروج منها شقوة». وأخرج الأزرقي والجندي والبيهقي في الشعب وضعفه عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة، وكتب له كل يوم حسنة، وكل ليلة حسنة، وكل يوم عتق رقبة، وكل ليلة عتق رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وكل ليلة حملان فرس في سبيل الله، وله بكل يوم دعوة مستجابة». وأخرج الأزرقي والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: هذا البيت دعامة الإسلام من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله ان قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر أو غنيمة». وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام». وأخرج البزار وابن خزيمة والطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة». وأخرج ابن ماجة عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة». وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام». وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وابن عدي والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان عن عبد الله بن الزبير قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا» قيل لعطاء: هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: لا. بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد. وأخرج أحمد وابن ماجة عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام». وأخرج البزار عن عائشة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن يزار، وتشد إليه الرواحل: المسجد الحرام، ومسجدي. صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام». وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وابن منيع والروياني وابن خزيمة والطبراني عن جبير بن مطعم قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام».

{فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} أخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {فيه آية بينة مقام إبراهيم}. وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد أنه كان يقرأ {فيه آيات بينة}. وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود {فيه آيات بينات} على الجمع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فيه آيات بينات} منهن مقام إبراهيم، والمشعر. وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة في الآية قالا: مقام إبراهيم من الآيات البينات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: {فيه آيات بينات} قال: {مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} قال: أثر قدميه في المقام آية بينة {ومن دخله كان آمناً} قال: هذا شيء آخر. وأخرج الأزرقي عن زيد بن أسلم {فيه آيات بينات} قال: الآيات البينات هنَّ مقام إبراهيم {ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت} وقال: {يأتين من كل فج عميق} [ الحج: 27]. وأخرج ابن الأنباري عن الكلبي {فيه آيات بينات} قال: {الآيات} الكعبة، والصفا، والمروة، ومقام إبراهيم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ومن دخله كان آمناً} قال: هذا كان في الجاهلية، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ثم لجأ إلى حرم الله لم يتناول ولم يطلب، فاما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله، ومن سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد، ومن قتل فيه قتل. وأخرج الأزرقي عن مجاهد. مثله. وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن حويطب بن عبد العزى قال: أدركت في الجاهلية في الكعبة حلقاً أمثال لُجَمِ البُهْمِ، لا يُدخل خائف يده فيها ويهيجه أحد، فجاء خائف ذات يوم فادخل يده فيها فجاءه آخر من ورائه فاجتذبه فشلت يده، فَلقد رأيته أدرك الإسلام وأنه لأشل. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عمر بن الخطاب قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {ومن دخله كان آمناً} قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤذي، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يرعى. فإذا خرج أخذ بذنبه. وأخرج ابن المنذر والأزرقي من طريق طاوس عن ابن عباس في قوله: {ومن دخله كان آمناً} قال: من قتل، أو سرق في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤوى، ولكنه يناشد حتى يخرج فيؤخذ فيقام عليه فإن قتل، أو سرق في الحل فادخل الحرم فارادوا أن يقيموا عليه ما أصاب، اخرجوه من الحرم إلى الحل فأقيم عليه، وإن قتل في الحل أو سرق، أقيم عليه في الحرم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: إذا أصاب الرجل الحد، قتل أو سرق، فدخل الحرم، لم يبايع ولم يؤْوَ حتى يتبرم فيخرج من الحرم، فيقام عليه في الحد. وأخرج ابن المنذر عن طاوس قال: عاب ابن عباس على ابن الزبير في رجل أخذ في الحل، ثم أدخله الحرم، ثم أخرجه إلى الحل فقتله. وأخرج عن الشعبي قال: من أحدث حدثاً ثم لجأ إلى الحرم فقد أمِنَ ولا يعرض له، وان أحدث في الحرم أقيم عليه. وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: من أحدث حدثاً ثم استجار بالبيت فهو آمن، وليس للمسلمين أن يعاقبوه على شيء إلى أن يخرج، فإذا خرج أقاموا عليه الحد. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق عطاء عن ابن عباس قال: من أحدث حدثاً في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يعرض له، ولم يبايع، ولم يؤوَ حتى يخرج من الحرم، فإذا خرج من الحرم أُخِذَ فأقيم عليه الحد، ومن أحدث في الحرم حدثاً أقيم عليه الحد. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: لو أخذت قاتل عمر في الحرم ما هجته. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال: لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أبو أبوه فلا يحركه. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي شريح العدوي قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح فقال: إن مكة حرَّمها الله ولم يحرِّمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم بالأمس». وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمرو قال: «مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناس من قريش جلوس في ظل الكعبة، فلما انتهى إليهم سلَّم ثم قال: اعلموا أنها مسؤولة عما يعمل فيها، وإن ساكنها لا يسفك دماً، ولا يمشي بالنميمة». وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله: {ومن دخله كان آمناً} قال: آمناً من النار. وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفوراً له». وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال: من مات في الحرم بعث آمناً. يقول الله: {ومن دخله كان آمناً}. وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين بعث أمناً». وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي، وجاء يوم القيامة من الآمنين». وأخرج الجندي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة، ومن زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة». وأخرج الجندي عن محمد بن قيس بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة». وأخرج الجندي عن ابن عمر قال: من قُبِرَ بمَكة مسلماً بُعِثَ آمناً يوم القيامة. أما قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} الآية. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة: وابن أبي حاتم والحاكم عن علي قال: «لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ فسكت.. قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ قال: لا. ولو قلت نعم لوجبت. فأنزل الله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [ المائدة: 101]». وأخرج عبد حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: «لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال: حج حجة الإسلام التي عليك. ولو قلت نعم وجبت عليكم». وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج. فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فتطوّع». وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: «لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال رجل: يا رسول الله أفي كل عام؟ قال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو تركتموها لكفرتم. فذروني فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتمروه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه». وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال: «قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج يا رسول الله؟ قال: الشعث التفل. فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال: العج والثج. فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: الزاد والراحلة». وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله: {من استطاع إليه سبيلاً} فقيل ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة». وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والدارقطني والبيهقي في سننهما عن الحسن قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم. {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قالوا: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة». وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما من طريق الحسن عن أبيه عن عائشة قالت «سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما السبيل إلى الحج؟ قال: الزاد والراحلة». وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: «قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة». وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلىلله عليه وسلم قال: «السبيل إلى البيت: الزاد والراحله». وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبدالله قال: «لما نزلت هذه الآية {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قام رجل فقال: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة». وأخرج الدارقطني عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} قال: فسئل عن ذلك فقال: «تجد ظهر بعير». وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمر بن الخطاب في قوله: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الزاد والراحلة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الزاد والبعير. وفي لفظ الراحلة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {من استطاع إليه سبيلاً} قال: السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: {سبيلاً} من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن الزبير {من استطاع إليه سبيلاً} قال: الاستطاعة القوة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {من استطاع إليه سبيلاً} قال: زاداً وراحلة. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير والحسن وعطاء. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر امرأة مسيرة ليلة» وفي لفظ «لا تسافر المرأة بريداً إلا مع ذي محرم». وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني كنت في غزوة كذا وكذا. فقال: انطلق فحُجَّ مع امرأتك». وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب وابن مردويه عن علي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحجَّ بيت الله فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك بأن الله يقول {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}» وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في كتاب الإيمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال شاء يهودياً أو نصرانياً». وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن سابط مرفوعاً مرسلاً. مثله. وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية. ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال: من مات وهو موسر لم يحج. فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عمر قال: من كان يجد وهو موسر صحيح لم يحج كان سماه بين عينيه كافراً. ثم تلا هذه الآية {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ولفظ ابن أبي شيبة: من مات وهو موسر ولم يحج، جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافراً. وأخرج سعيد بن منصور من طريق نافع عن ابن عمر قال: من وجد إلى الحج سبيلاً سنة، ثم مات ولم يحج لم يصل عليه؛ لا يدري مات يهودياً، أو نصرانياً. وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال: لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال: لو أن الناس تركوا الحج عاماً واحداً لا يحج أحد ما نوظروا بعده. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومن كفر} قال: من زعم أنه ليس بفرض عليه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: من كفر بالحج فلم ير حجه براً، ولا تركه مأثماً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عكرمة قال: «لما نزلت {ومن يبتغ غيرالإسلام ديناً...} [ آل عمران: 85] الآية. قالت اليهود: فنحن مسلمون. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم. إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا: لم يكتب علينا. وأبوا أن يحجوا قال الله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}». وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: لما نزلت {ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً...} الآية. قالت الملل. نحن المسلمون. فأنزل الله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فحج المسلمون وقعد الكفار. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عن مجاهد قال: لما نزلت هذه الآية {ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً} الآية. قال: أهل الملل كلهم: نحن مسلمون. فأنزل الله: {ولله على الناس حج البيت} قال: يعني على المسلمين. حج المسلمون وترك المشركون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال: «لما نزلت آية الحج {ولله على الناس جح البيت} الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الملل؛ مشركي العرب، والنصارى، واليهود، والمجوس، والصابئين، فقال: إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت. فلم يقبله إلا المسلمون، وكفرت به خمس ملل. قالوا: لا نؤمن به، ولا نصلي إليه، ولا نستقبله. فأنزل الله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}». وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي داود نفيع قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فقام رجل من هذيل فقال: يا رسول الله من تركه كفر؟ قال: من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: {ومن كفر} قال: «من كفر بالله واليوم الآخر». وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه سئل عن قول الله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ما هذا الكفر؟ قال: من كفر بالله واليوم الآخر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء بن أبي رباح. في الآية قال: من كفر بالبيت. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ {إن أول بيت وضع للناس} إلى قوله: {سبيلاً} ثم قال: من كفر بهذه الآيات. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال: ومن كفر فلم يؤمن فهو الكافر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: لو كان لي جار موسر، ثم مات ولم يحجَّ لم أصلِّ عليه. وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ {ولله على الناس حج البيت} بكسر الحاء. وأخرج عن عاصم بن أبي النجود {ولله على الناس حج البيت} بنصب الحاء. واخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس «أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم الحج في كل سنة. أو مرة واحدة؟ قال: لا. بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوّع».

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: مر شاس بن قيس وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد. والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة. وغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا. السلاح السلاح... موعدكم الظاهرة، والظاهرة الحرة. فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: «يا معشر المسلمين الله الله... أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟!» فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوّهم لهم. فألقوا السلاح، وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع {قل يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون} إلى قوله: {وما الله بغافل عما تعملون} وأنزل في أوس بن قيظي، وجبار بن صخر، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} إلى قوله: {أولئك لهم عذاب عظيم}. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق أبي نعيم عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر، فبينما هم يوماً جلوس، ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك فركب إليهم. فنزلت {وكيف تكفرون} الآية. والآيتان بعدها. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج فأنشد شعراً قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك فقال الآخرون: قد قال شاعرنا كذا وكذا... فاجتمعوا وأخذوا السلاح، واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب} إلى قوله: {لعلكم تهتدون} فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين، فقرأهن ورفع صوته، فلما سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أنصتوا له وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً، وجثوا يبكون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان جماع قبائل الأنصار بطنين: الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن منّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم وألَّف بينهم بالإسلام. فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما بأيامهم والعداوة التي كانت بينهم حتى استبا ثم اقتتلا، فنادى هذا قومه وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح وصفَّ بعضهم لبعض، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وهؤلاء ليسكنهم حتى رجعوا. فأنزل الله في ذلك القرآن {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري وكان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهودي من قينقاع، فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيقاتلوا. فأنزل الله: {إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} يقول: إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لمَ تصدون عن سبيل الله} الآية. قال: كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون محمداً؟ قالوا: لا فصدوا الناس عنه وبغوا. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جرير عن قتادة في الآية يقول: لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله من آمن بالله وأنتم شهداء فيما تقرأون من كتاب الله: أن محمداً رسول الله، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة الإنجيل؟. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {يا أهل الكتاب لم تصدون} قال: هم اليهود والنصارى. نهاهم أن يصدوا المسلمين عن سبيل الله، ويريدون أن يعدلوا الناس إلى الضلالة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً} الآية. قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركموهم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأتمنوهم على دينكم، ولا تنصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال. كيف تأتمنون قوماً كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتحيروا في دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله أهل التهمة والعداوة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} قال: علمان بينان: نبي الله، وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام. وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة. فيه حلاله، وحرامه، ومعصيته. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {ومن يعتصم بالله} قال: يؤمن بالله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: (الاعتصام بالله) الثقة به. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله قضى على نفسه أن من آمن به هداه، ومن وثق به أنجاه. قال الربيع: تصديق لك في كتاب الله {ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم}». وأخرج عبد بن حميد من طريق الربيع عن أبي العالية قال: إن الله قضى على نفسه؛ أنه من آمن به هداه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن وثق به أنجاه، ومن دعا استجاب له بعد أن يستجيب لله. قال الربيع: وتصديق ذلك في كتاب الله {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [ التغابن: 11]، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره} [ الطلاق: 3]، {ومن يقرض الله قرضاً حسناً يضاعفه له} {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي} [ البقرة: 186]. وأخرج تمام في فوائده عن كعب بن مالك قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوحى الله إلى داود: يا داود ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف منه نيته إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه، وأسخت الهواء من تحت قدميه». وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب ما عند الله كانت السماء ظلاله، والأرض فراشه، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا، فهو لا يزرع الزرع وهو يأكل الخبز، ولا يغرس الشجر ويأكل الثمار توكلاً على الله وطلب مرضاته، فضمن الله السموات والأرض رزقه، فهم يتعبون فيه، ويأتون به حلالاً، ويستوفي هو رزقه بغير حساب حتى أتاه اليقين» قال الحاكم: صحيح. قال الذهبي: بل منكراً أو موضوع فيه عمرو بن بكر السكسكي متهم عند ابن حبان وابنه إبراهيم. قال الدارقطني: متروك. وأخرج الحاكم وصححه عن معقل بن يسار قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ربكم: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً. يا ابن أدم لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرأ، واملأ يديك شغلا». وأخرج الحكيم الترمذي عن الزهري قال: أوحى الله إلى داود: ما من عبد يعتصم بي دون خلقي وتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأسخت الأرض من تحت قدميه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة، ومن تشاعبت به الهموم لم يبالِ الله في أي أودية الدنيا هلك».

3:98

3:98