Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 42
الربع رقم 4
quran-border  من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وانزل الذين ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتاسرون فريقا واورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحا جميلا وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة فان الله اعد للمحسنات منكن اجرا عظيما يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا
Page Number

1

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)} أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود في المصاحف والبغوي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لما نسخنا المصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقتها في سورتها في المصحف. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}. وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبغوي في معجمه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع، فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ قال: واهاً لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، ونزلت هذه الآية {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه. وأخرج الحاكم وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه أن عمه غاب عن قتال بدر فقال: غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله تعالى قتالاً للمشركين ليرين الله كيف أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المشركون، فقال: اللهم إني ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعني المشركون- واعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعني أصحابه- ثم تقدم فلقيه سعد رضي الله عنه فقال: يا أخي ما فعلت فأنا معك، فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضعاً وثمانين من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فكنا نقول: فيه وفي أصحابه نزلت {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}. وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو مقتول، فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه....} ثم قال أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فائتوهم وزوروهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه». وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه مقتولاً على طريقه، فقرأ {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...}». وأخرج ابن مردويه من طريق خباب رضي الله عنه، مثله. وأخرج ابن أبي عاصم والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طلحة رضي الله عنه «أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته، يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم إني انطلقت من باب المسجد فقال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: أنا. قال: هذا ممن قضى نحبه». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: «لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد، صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قرأ هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...} كلها. فقام إليه رجل، فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلت فقال: أيها السائل هذا منهم». وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن معاوية رضي الله عنه «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طلحة ممن قضى نحبه». وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل طلحة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا طلحة أنت ممن قضى نحبه». وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وابن المنذر وأبو نعيم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة». وأخرج ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، مثله. وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت «دخل طلحة بن عبيد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا طلحة. أنت ممن قضى نحبه». وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم قالوا: حدثنا عن طلحة قال: ذاك امرؤ نزل فيه آية من كتاب الله {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل. وأخرج سعيد بن منصور وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} وآخرون {ما بدلوا تبديلاً}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {فمنهم من قضى نحبه} قال: الموت على ما عاهدوا الله عليه {ومنهم من ينتظر} على ذلك. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {قضى نحبه} قال: أجله الذي قدر له. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول لبيد: ألا تسألان المرء ماذا يحاول *** أنحب فيقضى أم ضلال وباطل وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده {ومنهم من ينتظر} يوماً فيه جهاد، فيقضي نحبه يعني عهده بقتال أو صدق في لقاء. وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا». وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «حبسنا يوم الخندق عن الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، حتى كان بعد العشاء بهك كفينا ذلك. فأنزل الله: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام، ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك. وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} [ البقرة: 239]». وأخرج الحاكم وصححه عن عيسى بن طلحة قال: «دخلت على أم المؤمنين وعائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أسماء: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فجعلت أسماء تشتمها وتقول: أنت خير مني فقالت عائشة رضي الله عنها: ألا أقضين بينكما؟ قالت: بلى. قالت: فإن أبا بكر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أنت عتيق من النار قالت: فمن يومئذ سمى عتيقاً، ثم دخل طلحة رضي الله عنه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه». وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن اللهف عن أبيه رضي الله عنه في قوله: {فمنهم من قضى نحبه} قال: نذره وقال الشاعر: قضت من يثرب نحبها فاستمرت... وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله: {فمنهم من قضى نحبه} قال: مات على ما هو عليه من التصديق والإِيمان {ومنهم من ينتظر} ذلك {وما بدلوا تبديلاً} ولم يغيروا كما غير المنافقون. وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} على الصدق والوفاء {ومنهم من ينتظر} من نفسه الصدق والوفاء {وما بدلوا تبديلاً} يقول: ما شكوا ولا ترددوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} قال: يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون من النفاق، فيغفر لهم.

33:23

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)} أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم} قال: الأحزاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه في قوله: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم} قال: أبو سفيان وأصحابه {لم ينالوا خيراً} قال: لم يصيبوا من محمد صلى الله عليه وسلم ظفراً {وكفى الله المؤمنين القتال} انهزموا بالريح من غير قتال. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال} قال: بالجنود من عنده، والريح التي بعث عليهم {وكان الله قوياً} في أمره {عزيزاً} في نقمته. وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: «لما كان يوم الأحزاب حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرىء منهم الكرب، وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم» اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم أنك إن تشأ لا تعبد «فبينما هم على ذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان جميعاً، فخذل بين الناس، فانطلق الأحزاب منهزمين من غير قتال. فذلك قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال}». وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال: لما كان يوم الأحزاب ردهم الله {بغيظهم لم ينالوا خيراً} فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من يحمي أعراض المسلمين؟ قال كعب رضي الله عنه: أنا يا رسول الله. قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: أنا يا رسول الله. فقال: إنك تحسن الشعر. فقال حسان: أنا يا رسول الله فقال: نعم. اهجهم أنت، فإنه سيعينك عليهم روح القدس». وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ هذا الحرف {وكفى الله المؤمنين القتال} بعلي بن أبي طالب.

{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)} أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} قال: قريظة {من صياصيهم} قال: قصورهم. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من صياصيهم} قال: حصونهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} قال: «هم بنو قريظة ظاهروا أبا سفيان، وراسلوه، ونكثوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه وقد غسلت شقه، إذ أتاه جبريل عليه السلام، فقال: عفا الله عنك. ما وضعت الملائكة عليهم السلام سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة فإني قد قطعت أوتادهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال وبلبال. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم، وناداهم: يا اخوة القردة فقالوا يا أبا القاسم ما كنت فحاشا! فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وكان بينهم وبين قومه حلف، فرجوا أن تأخذه فيهم مودة، فأومأ إليهم أبو لبابة، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول....} [ الأنفال: 27]. فحكم فيهم: أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار، فقال قومه وعشيرته: آثر المهاجرين بالأعقار علينا، فقال إنكم كنتم ذوي أعقار، وأن المهاجرين كانوا لا أعقار لهم. فذكر لنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر، وقال: مضى فيكم بحكم الله». وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وقذف في قلوبهم الرعب} قال: بصنيع جبريل عليه السلام {فريقاً تقتلون} قال: الذين ضربت أعناقهم وكانوا أربعمائة مقاتل، فقتلوا حتى أتوا على آخرهم {وتأسرون فريقاً} قال: الذين سبوا وكانوا فيها سبعمائة سبي. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} قال: قريظة، والنضير أهل الكتاب {وأرضاً لم تطئوها} قال: خيبر. فتحت بعد قريظة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأرضاً لم تطئوها} قال: كنا نحدث أنها مكة، وقال الحسن رضي الله عنه: هي أرض الروم وفارس، وما فتح عليهم. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وأرضاً لم تطئوها} قال: يزعمون أنها خيبر، ولا أحسبها إلا كل أرض فتحها الله على المسلمين، أو هو فاتحها إلى يوم القيامة. وأخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير قال: كان يوم الخندق بالمدينة فجاء أبو سفيان بن حرب ومن تبعه من قريش، ومن تبعه من كنانة، وعيينة بن حصن ومن تبعه من غطفان، وطليحة ومن تبعه من بني أسد، وأبو الأعور ومن تبعه من بني سليم وقريظة، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا ذلك، وظاهروا المشركين، فأنزل الله فيهم {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} فأتى جبريل عليه السلام ومعه الريح، فقال حين سرى جبريل عليه السلام: ألا أبشروا ثلاثاً. فأرسل الله عليهم، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت الأوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، فأنزل الله: {إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها}. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجت يوم الخندق أقفو الناس فإذا أنا بسعد بن معاذ ورماه رجل من قريش يقال له ابن العرقة بسهم، فأصاب أكحله، فقطعه، فدعا الله سعد، فقال: اللهم لا تمتني حتى تقرعيني من قريظة، وبعث الله الريح على المشركين {وكفى الله المؤمنين القتال} ولحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمر بقبة من أدم، فضربت على سعد رضي الله عنه في المسجد قالت: فجاء جبريل عليه السلام- وإن على ثناياه نقع الغبار- فقال: أو قد وضعت السلاح؟ لا والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته، وأذن في الناس بالرحيل: أن يخرجوا، فأتاهم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء عليهم فقيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأتي به على حمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم فقال: إني أحكم فيهم؛ أن تقتل مقاتليهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، قال: فلقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله». وأخرج البيهقي عن موسى بن عقبة رضي الله عنه قال: أنزل الله في قصة الخندق، وبني قريظة تسعاً وعشرين آية فاتحتها {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود} والله تعالى أعلم.

33:26

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: «أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس ببابه جلوس، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه، وقال: هن حولي يسألنني النفقة. فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها ليضربها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده. وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال إني ذاكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك. قالت: ما هو؟ فتلا عليها {يا أيها النبي قل لأزواجك...}. قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك استأمر أبوي؟! بل اختار الله ورسوله، وأسألك أن لا تذكر إلى امرأة من نسائك امرأة ما اخترت، فقال: إن الله لم يبعثني متعنتاً، وإنما بعثني معلماً مبشراً، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها». وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال: «جلست مع أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه، فجاء رجل فجلس، ثم قال: يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير، أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه؟، فقال جابر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة، فأخذنا ما تقدم وما تأخر، فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا، فأطلنا الوقوف، فلم يأذن لنا، ولم يخرج إلينا، فقلنا: قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم، ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه، فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة، فقلت له: أي نبي الله- بأبي أنت وأمي يا رسول الله- ما الذي رابك؟ وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك؟ فقال: يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي- يعني نساءه- فذاك الذي بلغ بي ما ترى. فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك، وهو جاعل بعد العسر يسراً قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك، فخرجت، فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فحدثته الحديث، فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها، قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئاً، فلا تسأليه ما لا يجد، انظري حاجتك فاطلبيها إلي، وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة، فذكر لها مثل ذلك، ثم اتبعا أمهات المؤمنين، فجعلا يذكران لهن مثل ذلك، فأنزل الله تعالى في ذلك {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً} يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقاً جميلاً {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً}. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: إن الله قد أمرني أن أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وبين أن تخترن الدنيا وزينتها، وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت: وهل بدأت بأحد قبلي منهن؟ قال: لا. قالت: فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أخبرهن به، فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فكان خياره بين الدنيا والآخرة. اتخترن الآخرة أو الدنيا؟ قال: {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً} فاخترن أن لا يتزوجن بعده، ثم قال: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني الزنا {يضاعف لها العذاب ضعفين} يعني في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيراً، ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين} مضاعفاً لها في الآخرة {وأعتدنا لها رزقاً كريماً} {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} يقول فجور {وقلن قولاً معروفاً، وقرن في بيوتكن} يقول لا تخرجن من بيوتكن {ولا تبرجن} يعني إلقاء القناع فعل الجاهلية الأولى، ثم قال جابر رضي الله عنه: ألم يكن الحديث هكذا؟ قال: بلى». وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت: فبدأ بي فقال: إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، فقال: إن الله قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أي هذا استأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت». وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده قال: «لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بدأ بعائشة رضي الله عنها قال: إن الله خيرك فقالت: اخترت الله ورسوله، ثم خير حفصة رضي الله عنها فقلن جميعاً: اخترنا الله ورسوله، غير العامرية اختارت قومها، فكانت بعد تقول: أنا الشقية، وكانت تلقط البعر وتبيعه، وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: أنا الشقية». وأخرج ابن سعد عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قال نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نساء أغلى مهوراً منا، فغار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يعتزلهن، فاعتزلهن تسعة وعشرين يوماً، ثم أمره أن يخيرهن فخيرهن. وأخرج ابن سعد عن أبي صالح قال: اخترنه صلى الله عليه وسلم جميعاً غير العامرية، كانت ذاهبة العقل حتى ماتت. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت «حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنا شهراً، فدخل عليَّ صبيحة تسعة وعشرين، فقلت: يا رسول الله ألم تكن حلفت لتهجرنا شهراً، قال: إن الشهر هكذا وهكذا وهكذا. وضرب بيده جميعاً، وخنس يقبض أصبعاً في الثالثة ثم قال: يا عائشة إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن تعجلي حتى تستشيري أبويك، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة سني قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إني أمرت أن أخيركن، ثم تلا هذه الآية {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى قوله: {أجراً عظيماً} قالت: فيم استشير أبوي يا رسول الله؟ بل اختار الله ورسوله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وسمع نساؤه فتواترن عليه». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه بين الدنيا والآخرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن رضي الله عنهما قالا: أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار، قال الحسن رضي الله عنه: في شيء كن أردنه من الدنيا. وقال قتادة رضي الله عنه: في غيرة كانت غارتها عائشة رضي الله عنها، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش. عائشة. وحفصة. وأم حبيبة بنت أبي سفيان. وسودة بنت زمعة. وأم سلمة بنت أبي أمية. وكانت تحته صفية بنت حيي الخيبرية. وميمونة بنت الحارث الهلالية. وزينب بنت جحش الأسدية. وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق. وبدأ بعائشة رضي الله عنها، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهن على ذلك، فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، شكرهن الله تعالى على ذلك إذ قال: {لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} فقصره الله تعالى عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك...}. قال أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر نساءه في هذه الآية فلم تختر واحدة منهن نفسها غير الحميرية. وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان رضي الله عنه في قوله: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم {يضاعف لها العذاب ضعفين} في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيراً} يقول: وكان عذابها عند الله هيناً {ومن يقنت} يعني من يطع منكن الله ورسوله {وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين} في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو صدقة أو تكبيرة أو تسبيحة باللسان، مكان كل حسنة تكتب عشرين حسنة {واعتدنا لها رزقاً كريماً} يعني حسناً. وهي الجنة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: يجعل عذابهن ضعفين، ويجعل على من قذفهن الحد ضعفين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: {يا نساء النبي...}. قال: إن الحجة على الأنبياء أشد منها على الأتباع في الخطيئة، وإن الحجة على العلماء أشد منها على غيرهم، فإن الحجة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أشد منها على غيرهن، فقال: إنه من عصى منكن فإنه يكون عليها العذاب الضعف منه على سائر نساء المؤمنين، ومن عمل صالحاً فإن الأجر لها الضعف على سائر نساء المسلمين.

33:28

33:28