Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 46
الربع رقم 2
quran-border  وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ام نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد انه اواب اذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال اني احببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب والشياطين كل بناء وغواص واخرين مقرنين في الاصفاد هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وان له عندنا لزلفى وحسن ماب واذكر عبدنا ايوب اذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب
Page Number

1

38:26

{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} قال: {الذين آمنوا} علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث {والمفسدين في الأرض} عتبة، وشيبة، والوليد، وهم تبارزوا يوم بدر. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات} إلى قوله: {كالفجار} قال: لعمري ما استووا، لقد تفرق القوم في الدنيا عند الموت. أما قوله تعالى: {أم نجعل المتقين كالفجار}. أخرج أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا تنال الفجار منازل الأبرار».

{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} أخرج سعيد بن منصور عن الحسين رضي الله عنه في قوله: {ليدبروا آياته} اتباعه بعمله. وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه {أولوا الألباب} قال: أولوا العقول من الناس.

{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)} أخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: لما وهب الله لداود سليمان قال له: يا بني ما أحسن؟ قال: سكينة الله والإِيمان قال: فما أقبح؟ قال: كفر بعد إيمان قال: فما أحلى؟ قال: روح الله بين عباده قال: فما أبرد؟ قال: عفو الله عن الناس، وعفو الناس بعضهم عن بعض قال داود عليه السلام: فأنت نبي. وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام. إني سائل ابنك عن سبع كلمات. فإن أخبرك فورِّثه العلمَ والنبوَّة فقال له داود عليه السلام: إن الله أوحى إليَّ أن أسألك عن سبع كلمات، فإن أخبرتني وَرَّثْتُكَ العلمَ والنبوَّة قال: سلني عما شئت قال: أخبرني ما أحلى من العسل، وما أبرد من الثلج، وما الين شيئاً من الخز، وما لا يرى أثره في الماء، وما لا يرى أثره في الصفاء، وما لا يرى أثره في السماء، ومن يسمن في الخصب والجدب. قال: أما ما أحلى من العسل فروح الله للمتحابين في الله. واما ما أبرد من الثلج فكلام الله إذا قرع أفئدة أولياء الله. وأما ما الين شيئاً من الخز فحكمة الله تعالى إذا أنشدها أولياء الله بينهم. وأما ما لا يرى أثره في الماء فالفلك تمر فلا يرى أثرها. وأما ما لا يرى أثره في الصفاء فالنملة تمر على الحجر فلا يرى أثرها. وأما ما لا يرى أثره في السماء فالطير يطير ولا يرى أثره في السماء وأما من يسمن في الجدب والخصب فهو المؤمن إذا أعطاه الله شكر، وإذا ابتلاه صبر، فقلبه أجرد أزهر. قال: انظر إلى ابنك فاسأله عن أربع عشرة كلمة، فإن أخبرك فورثه العلم والنبوّة، فسأله فقال: ما لي من ذي علم فقال داود لسليمان عليه السلام: أخبرني يا بني أين موضع العقل منك؟ قال: الدماغ قال: أين موضع الحياء منك؟ قال: العينان قال: أين موضع الباطل منك؟ قال: الأذنان قال: أين باب الخطايا منك؟ قال: اللسان قال: أين الطريق منك؟ قال: المنخران قال: أين موضع الأدب والبيان منك؟ قال: الكلوتان قال: أين باب الفظاظة والغلظة منك؟ قال: الكبد قال: أين بيت الريح منك؟ قال: الرئة قال: أين باب الفرح منك؟ قال: الطحال قال: أين باب الكسب منك؟ قال: اليدان قال: أين باب النصب منك؟ قال: الرجلان قال: أين باب الشهوة منك؟ قال: الفرج قال: أين باب الذرية منك؟ قال: الصلب قال: أين باب العلم والفهم والحكمة منك؟ قال: القلب. إذا صلح القلب صلح ذلك كله، وإذا فسد القلب فسد ذلك كله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} قال: كان مطيعاً لله، كثير الصلاة {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} قال: يعني الخيل وصفونها قيامها وبسطها قوائمها {قال إني أحببت حب الخير} أي المال {عن ذكر ربي} عن صلاة العصر {حتى توارت بالحجاب}. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه {الصافنات الجياد} قال: الخيل خيل خلقت على ما شاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {الصافنات} قال: صفون الفرس: رفع إحدى يديه حتى يكون على أطراف الحافر. وفي قوله الجياد قال: السراع. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن وقتادة رضي الله عنهما في قوله: {الصافنات الجياد} قال: الخيل إذا صفن قيامها عقرها تطلع أعناقها وسوقها. وفي قوله: {أحببت حب الخير عن ذكر ربي} قال: الخير المال والخيل من ذلك، فقوله شغلته عن الصلاة قال: لا والله لا تشغلني عن عبادة الله تعالى جرها عليك، فكشف عراقيبها، وضرب أعناقها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عوف رضي الله عنه قال: بلغني أن الخيل التي عقر سليمان عليه السلام كانت خيلاً ذات أجنحة، أخرجت له من البحر، لم تكن لأحد قبله ولا بعده. وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حب الخير} قال: المال وفي قوله: {ردوها عليّ} قال: الخيل {فطفق مسحاً} قال: عقراً بالسيف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال: الصلاة التي فرط فيها سليمان عليه السلام صلاة العصر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب رضي الله عنه في قوله: {حتى توارت بالحجاب} قال: حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلائق، فمنه اخضرت السماء التي يقال لها السماء الخضراء، واخضر البحر من السماء، فمن ثم يقال: البحر الأخضر. وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، فجئت فكشفت ناحية الستر عن بنات لعب لعائشة فقال: «ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس له جناحان قال: وما هذا الذي عليه؟ فقلت: جناحان قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان عليه السلام خيلاً لها أجنحة، فضحك حتى رؤيت نواجذه». وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه في قوله: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} قال: عشرين ألف فرس ذات أجنحة، فعقرها. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {حتى توارت بالحجاب} قال: {توارت} من وراء قرية خضرة السماء منها. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان سليمان عليه السلام لا يكلم اعظاماً له، فلقد فاتته صلاة العصر، وما استطاع أحد أن يكلمه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عن ذكر ربي} يقول: من ذكر ربي {فطفق مسحاً} يقول: يمسح اعراف الخبل وعراقيبها. وأخرج الطبراني في الأوسط والاسماعيلي في معجمه وابن مردويه بسند حسن عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} قال: قطع سوقها وأعناقها بالسيف».

38:30

38:30

38:30

{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)} أخرج الفريابي والحكيم الترمذي والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً} قال: هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوماً، وكان لسليمان عليه السلام امرأة يقال لها جرادة، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ودَّ أن الحق كان لأهلها؛ فأوحى الله تعالى إليه: أنه سيصيبك بلاء، فكان لا يدري يأتيه من السماء أم من الأرض. وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم بسند قوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء، فأعطى الجرادة خاتمه، وكانت جرادة امرأته، وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأعطته، فلما لبسه دانت له الجن والإِنس والشياطين، فلما خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها: هاتي خاتمي. فقالت: قد أعطيته سليمان قال: أنا سليمان قالت: كذبت لست سليمان. فجعل لا يأتي أحداً يقول أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله عز وجل، وقام الشيطان يحكم بين الناس. فلما أراد الله تعالى أن يرد على سليمان عليه السلام سلطانه، ألقى في قلوب الناس انكار ذلك الشيطان، فارسلوا إلى نساء سليمان عليه السلام فقالوا لهن: أيكون من سليمان شيء؟ قلن: نعم. إنه يأتينا ونحن حيض، وما كان يأتينا قبل ذلك. فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له، ظن أن أمره قد انقطع، فكتبوا كتباً فيها سحر ومكر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها وقرأوها على الناس قالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم، فأكفر الناس سليمان، فلم يزالوا يكفرونه، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم، فطرحه في البحر، فتلقته سمكة فأخذته، وكان سليمان عليه السلام يعمل على شط البحر بالأجر، فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فدعا سليمان عليه السلام فقال: تحمل لي هذه السمك؟ ثم انطلق إلى منزله، فلما انتهى الرجل إلى باب داره، أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فأخذها سليمان عليه السلام، فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الانس والجن والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه، وكان شيطاناً مريداً يطلبونه ولا يقدرون عليه، حتى وجدوه يوماً نائماً، فجاؤوا فنقبوا عليه بنياناً من رصاص، فاستيقظ، فوثب، فجعل لا يثبت في مكان من البيت إلا أن دار معه الرصاص، فأخذوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى سليمان عليه السلام، فأمر به فنقر له في رخام، ثم أدخل في جوفه، ثم سد بالنحاس، ثم أمر به فطرح في البحر. فذلك قوله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً} يعني الشيطان كان تسلط عليه. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنهن كعب الأحبار رضي الله عنه في قوله: {قوم تبع} [ الدخان: 73] في القرآن، ولم يذكر تبع فقال: إن تبعاً كان ملكاً، وكان قومه كهاناً، وكان في قومه قوم من أهل الكتاب، وكان الكهان يبغون على أهل الكتاب ويقتلون تابعهم فقال أهل الكتاب لتبع: أنهم يكذبون علينا فقال تبع: إن كنتم صادقين فقربوا قرباناً فأيكم كان أفضل أكلت النار قربانه. فقرب أهل الكتاب والكهان، فنزلت نار من السماء، فأكلت قربان أهل الكتاب، فأتبعهم تبع فأسلم. فلهذا ذكر الله قومه في القرآن ولم يذكره قال ابن عباس رضي الله عنه وسألته عن قوله: {وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب} قال: الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه، فقذف به في البحر، فوقع في بطن سمكة، فانطلق سليمان يطوف إذ تصدق عليه بتلك السمكة، فاشتواها فأكلها، فإذا فيها خاتمه، فرجع إليه ملكه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب} قال: صخر الجني. مثل على كرسيه على صورته. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: أمر سليمان عليه السلام ببناء بيت المقدس فقيل له: ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد، فطلب ذلك، فلم يقدر عليه، فقيل له إن شيطاناً يقال له صخر شبه المارد، فطلبه وكانت عين في البحر يردها في كل سبعة أيام مرة، فنزح ماءها وجعل فيها خمراً، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر فقال: إنك لشراب طيب، تصيب من الحليم، وتزيد من الجاهل جهلاً ثم جفل حتى عطش عطشاً شديداً، ثم أتاها، فشربها حتى غلب على عقله، فأوتي بالخاتم، فختم بين كتفيه، فذل وكان ملكه في خاتمه، فأتي به سليمان فقال: أنا قد أمرنا ببناء هذا البيت فقيل لنا: لا تسمعن فيه صوت حديد، فأتى ببيض الهدهد، فجعل عليه زجاجة، فجاء الهدهد فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه، فذهب فجاء بألماس، فوضعها عليه، فقطعها حتى أفضى إلى بيضه، فأخذوا الماس، فجعلوا يقطعون به الحجارة. وكان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخل بخاتمه. فانطلق يوماً إلى الحمام، وذلك الشيطان صخر معه، فدخل الحمام، وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، ونزع ملك سليمان عليه السلام منه، وألقى على الشيطان شبه سليمان، فجاء فقعد على كرسيه، وسلط على ملك سليمان كله غير نسائه، فجعل يقضي بينهم أربعين يوماً حتى وجد سليمان عليه السلام خاتمه في بطن السمكة فأقبل، فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم {وألقينا على كرسيه جسداً} قال: هو الشيطان صخر {ثم أناب} قال: تاب ثم أقبل يعني سليمان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {وألقينا على كرسيه جسداً} قال: شيطاناً يقال له آصف. فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر، فساح سليمان عليه السلام، وذهب ملكه، وقعد آصف على كرسيه، ومنعه الله تعالى نساء سليمان عليه السلام فلم يقربهن ولا يقربنه وأنكرنه، وأنكر الناس أمر سليمان عليه السلام. وكان سليمان عليه السلام يستطعم فيقول: أتعرفوني أنا سليمان؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً، وطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه ملكه، وفر الشيطان فدخل البحر فاراً. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولد لسليمان ولد فقال للشيطان: تواريه من الموت؟ قالوا نذهب به إلى المشرق. فقال يصل إليه الموت. قالوا فإلى المغرب. قال يصل إليه. قالوا إلى البحار. قال يصل إليه الموت. قال نضعه بين السماء والأرض، ونزل عليه ملك الموت فقال: إني أمرت بقبض نسمة طلبتها في البحار، وطلبتها في تخوم الأرض؛ فلم أصبها، فبينا أنا صاعد أصبتها، فقبضتها وجاء جسده حتى وقع على كرسي سليمان، فهو قول الله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب}». وقال ابن سعد رضي الله عنه، أخبرنا الواقدي، حدثنا معشر عن المقبري: أن سليمان بن داود عليه السلام قال: لأطوفن الليلة بمائة امرأة من نسائي، فتأتي كل امرأة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله. ولم يستثنِ ولو استثنى لكان، فطاف على مائة امرأة، فلم تحمل امرأة إلا امرأة واحدة، حملت بشق إنسان ولم يكن شيء أحب إلى سليمان من تلك الشقة. قال وكان أولاده يموتون، فجاء ملك الموت في صورة رجل، فقال له سليمان عليه السلام: إن استطعت أن تؤخر إبني هذا ثمانية أيام إذا جاءه أجله فقال: لا. ولكن أخبرك قبل موته بثلاثة أيام. قال لمن عنده من الجن: أيكم يُخَبِّىء لي إبني هذا؟ قال أحدهم؟ أنا أخبؤه لك في المشرق قال: ممن تخبئوه؟ قال: من ملك الموت. قال يبصره. قال آخر: أنا أخبؤه لك بين قرينين لا يريان. قال سليمان عليه السلام إن كان شيء فهذا. فلما جاء أجله، نظر ملك الموت في الأرض، فلم يره في مشرقها، ولا في مغربها، ولا شيء من البحار، ورآه بين قرينين، فجاءه، فأخذه، فقبض روحه على كرسي سليمان. فذلك قوله: {ولقد فتنا سليمان} وهو قول الله: {وألقينا على كرسيه جسداً}. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بينما سليمان بن داود جالساً على شاطىء البحر، وهو يعبث بخاتمه إذ سقط منه في البحر، وكان ملكه في خاتمه، فانطلق وخلف شيطاناً في أهله، فأتى عجوزاً، فأوى إليها، فقالت له العجوز: إن شئت أن تنطلق فتطلب وأكفيك عمل البيت، وإن شئت أن تكفيني عمل البيت وانطلق فالتمس. قال: فانطلق يلتمس، فأتى قوماً يصيدون السمك، فجلس إليهم، فنبذوا سمكات، فانطلق بهن حتى أتى العجوز، فأخذت تصلحه، فشقت بطن سمكة، فإذا فيها الخاتم، فأخذته وقالت لسليمان عليه السلام: ما هذا؟ فأخذه سليمان عليه السلام، فلبسه، فأقبلت إليه الشياطين، والانس، والجن، والطير، والوحش، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله، فأتى جزيرة في البحر، فبعث إليه الشياطين فقالوا: لا نقدر عليه أنه يرد عيناً في جزيرة في البحر في سبعة أيام، ولا نقدر عليه حتى يسكر. قال فصب له في تلك العين خمراً، فأقبل فشرب فسكر، فأروه الخاتم فقال: سمعاً وطاعة، فأوثقه سليمان عليه السلام، ثم بعث به إلى جبل، فذكروا أنه جبل الدخان، فالدخان الذي يرون من نفسه، والماء الذي يخرج من الجبل بوله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن {وألقينا على كرسيه جسداً} قال: هو الشيطان. دخل سليمان عليه السلام الحمام، فوضع خاتمه عند امرأة من أوثق نسائه في نفسه، فأتاها الشيطان، فتمثل لها على صورة سليمان عليه السلام، فأخذ الخاتم منها، فلما خرج سليمان عليه السلام أتاها فقال لها: هاتي الخاتم فقالت: قد دفعته إليك. قال ما فعلت.. ! فهرب سليمان عليه السلام وجلس الشيطان على ملكه، وانطلق سليمان عليه السلام هارباً في الأرض يتتبع ورق الشجر خمسين ليلة، فأنكر بنو إسرائيل أمر الشيطان، فقال بعضهم لبعض: هل تنكرون من أمر ملككم ما ننكر عليه؟ قالوا: نعم. قال أما لقد هلكتم أنتم العامة، وأما قد هلك ملككم، فقالوا: والله ان عندكم من هذا الخبر، نساؤه معكم، فاسألوهن، فإن كن أنكرن ما أنكرنا فقد ابتلينا. فسألوهن، فقلن: أي والله لقد أنكرنا. فلما انقضت مدته انطلق سليمان عليه السلام حتى أتى ساحل البحر، فوجد صيادين يصيدون السمك، فصادوا سمكاً كثيراً غلبهم بعضه، فألقوه فأتاهم سليمان عليه السلام، فاستطعمهم، فأعطوه تلك الحيتان قال: لا بل أطعموني من هذا، فأبوا فقال: أطعموني فإني سليمان، فوثب إليه بعضهم بالعصا فضربه غضباً لسليمان، فأتى إلى تلك الحيتان التي ألقوا، فأخذ منها حوتين، فانطلق بهما إلى البحر، فغسلهما فشق بطن أحدهما، فإذا فيه الخاتم، فأخذه فجعله في يده، فعاد في ملكه، فجاءه الصيادون يبيعون إليه فقال لهم: لقد كنت استطعمتكم فلم تطعموني، فلم أظلمكم إذا هنتموني، ولم أحمدكم إذا أكرمتموني. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان سليمان عليه السلام إذا دخل الخلاء أعطى خاتمه أحب نسائه إليه، فإذا هو قد خرج وقد وضع له وضوءه فدفع خاتمه إلى امرأته، فلبث ما شاء الله. وخرج عليها شيطان في صورة سليمان، فدفعت الخاتم إليه، فضاق ذرعاً به، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، فخرج سليمان عليه السلام على امرأته، فسألها الخاتم فقالت: قد دفعته إليك. فعلم سليمان عليه السلام أنه قد ابتلى، فخرج وترك ملكه، ولزم البحر، فجعل يجوع، فأتى يوماً على صيادين قد صادوا سمكاً بالأمس فنبذوه، وصادوا يومهم سمكاً فهو بين أيديهم، فقام عليهم سليمان عليه السلام فقال: أطعموني بارك الله فيكم، فإني ابن سبيل، فلم يلتفتوا إليه، ثم عاد فقال لهم: مثل ذلك، فرفع رجل منهم رأسه إليه فقال: ائت ذلك السمك فخذ منه سمكة، فأتاه سليمان عليه السلام فأخذ منه أدنى سمكة، فلما أخذها إذا فيها ريح، فأتى بها البحر، فغسلها وشق بطنها فإذا هو بخاتمه، فحمد الله وأخذه فتختم به، ونطق كل شيء كان حوله من جنوده، وفزع الصيادون لذلك، فقاموا إليه، وحيل بينهم ولم يصلوا إليه، ورد الله إليه ملكه. وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن سليمان بن داود عليه السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله إليه أن يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام، فلم تنظر في أمور العباد، ولم تنصف مظلوماً من ظالم. وكان ملكه في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه. فجاء الشيطان فأخذه، فأقبل الناس على الشيطان فقال سليمان: يا أيها الناس أنا سليمان نبي الله، فدفعوه، فساح أربعين يوماً، فأتى أهل سفينة، فأعطوه حوتاً فشقها، فإذا هو بالخاتم فيها، فتختم به، ثم جاء فأخذ بناصيته فقال عند ذلك {رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي}. قال وكان أول من أنكره نساؤه. فقال بعضهم لبعض: أتنكرون منه شيئاً؟ قلن: نعم. وكان يأتيهن وهن حيض فقال علي: فذكرت ذلك للحسن فقال: ما كان الله يسلطه على نسائه. وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن رافع رضي الله عنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدث عن فتنة سليمان عليه السلام قال: إنه كان في قومه رجل كعمر بن الخطاب في أمتي، فلما أنكر حال الجان الذي كان مكانه أرسل إلى أفاضل نسائه، فقال: هل تنكرن من صاحبكن شيئاً؟ قلن: نعم. كان لا يأتينا حيضاً، وهذا يأتينا حيضاً، فاشتمل على سيفه ليقتله، فرد الله على سليمان ملكه، فأقبل فوجده في مكانه، فأخبره بما يريد». وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً} قال: الجسد الشيطان الذي كان دفع سليمان عليه السلام إليه خاتمه، فقذفه في البحر، وكان ملك سليمان عليه السلام في خاتمه، وكان اسم الجني صخراً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {وألقينا على كرسيه جسداً} قال: الجسد الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه شيطاناً يقال له آصف. وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وألقينا على كرسيه جسداً} قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوماً. كان لسليمان عليه السلام مائة امرأة، وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة، وهي آثر نسائه عنده وآمنهن، وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه، ولم يأتمن عليه أحداً من الناس غيرها، فجاءته يوماً من الأيام فقالت: إن أخي بينه وبين فلان خصومة، وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك فقال: نعم. ولم يفعل، وابتلى فأعطاها خاتمه، ودخل المخرج، فخرج الشيطان في صورته فقال: هات الخاتم. فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان، وخرج سليمان عليه السلام بعد، فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا. قال وخرج مكانه تائهاً، ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوماً، فأنكر الناس أحكامه، فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم، فجاؤوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا، وأقبلوا يمشون حتى أتوه، فأحدقوا به، ثم نشروا فقرأوا التوراة، فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه، ثم طار حتى ذهب إلى البحر، فوقع الخاتم منه في البحر، فابتلعه حوت من حيتان البحر. وأقبل سليمان في حالته التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع، فاستطعمه من صيدهم، فأعطاه سمكتين، فقام إلى شط البحر، فشق بطونهما، فوجد خاتمه في بطن إحداهما، فأخذه فلبسه، فرد الله عليه بهاءه وملكه. فأرسل إلى الشيطان، فجيء به فأمر به، فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه، وأقفل عليه بقفل، وختم عليه بخاتمه، ثم أمر به فألقي في البحر. فهو فيه حتى تقوم الساعة، وكان اسمه حبقيق. وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {ثم أناب} قال: دخل سليمان على امرأة تبيع السمك، فاشترى منها سمكة، فشق بطنها، فوجد خاتمه، فجعل لا يمر على شجرة، ولا على شيء إلا سجد له، حتى أتى ملكه وأهله. فذلك قوله: {ثم أناب} يقول: ثم رجع.

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40)} أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى الوهاب». وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} يقول: لا أسلبه كما سلبته. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} قال: لا تسلبنيه كما سلبتنيه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض لي الشيطان في مصلاي الليلة كأنه هرُّكم هذا، فأردت أن أحبسه حتى أصبح، فذكرت دعوة أخي سليمان {رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} فتركته». وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عفريتاً جعل يتلفت علي البارحة ليقطع عليَّ صلاتي، وإن الله تعالى أمكنني منه، فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا، فتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان {رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} فرده الله خاسئاً». وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا قائم أصلي اعترض الشيطان، فأخذت حلقه، فخنقته حتى أني لأجد برد لسانه على ابهامي، فيرحم الله سليمان لولا دعوته لأصبح مربوطاً تنظرون إليه». وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرجت لصلاة الصبح، فلقيني شيطان في السدة. سدة المسجد، فزحمني حتى أني لأجد مس شعره، فاستمكنت منه، فخنقته حتى أني لأجد برد لسانه على يدي، فلولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح مقتولاً تنظرون إليه». وأخرج أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قام يصلي صلاة الصبح فقرأ، فألبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال: لو رأيتموني وإبليس. فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين، الإِبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد، فتلاعب به صبيان المدينة». وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مر عليَّ الشيطان، فتناولته، فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي فقال: أوجعتني أوجعتني.. ولولا ما دعا به سليمان لأصبح مناطا إلى اسطوانة من أساطين المسجد ينظر إليه، وِلْدَانُ أهل المدينة». وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان أراد أن يمر بين يدي، فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي. وأيم الله لولا ما سبق إليه أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة». وأخرج الحاكم في المستدرك عن عمر بن علي بن حسين قال: مشيت مع عمي وأخي جعفر فقلت: زعموا أن سليمان عليه السلام سأل ربه أن يهبه ملكاً قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يعمر ملك في أمة نبي مضى قبله ما بلغ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم من العمر في أمته». وأخرج عبد بن حميد عن وهب بن منبه رضي الله عنه، أنه ذكر من ملك سليمان، وتعظيم ملكه، أنه كان في رباطه اثنا عشر ألف حصان، وكان يذبح على غدائه كل يوم سبعين ثوراً، سوى الكباش، والطير، والصيد. فقيل لوهب: أكان يسع هذا ماله؟! قال: كان إذا ملك الملك على بني إسرائيل اشترط عليهم أنهم رقيقه، وإن أموالهم له؛ ما شاء أخذ منها، وما شاء ترك. وأخرج عبد بن حميد عن أبي خالد البجلي رضي الله عنه قال: بلغني أن سليمان عليه السلام ركب يوماً في موكبه، فوضع سريره فقعد عليه، وألقيت كراسي يميناً وشمالاً، فقعد الناس عليها يلونه، والجن وراءهم، ومردة الجن والشياطين وراء الجن. فأرسل إلى الطير، فأظلته بأجنحتها، وقال للريح: احملينا يريد بعض مسيره، فاحتملته الريح وهو على سريره، والناس على كراسيهم يحدثهم ويحدثونه، لا يرتفع كرسي ولا يتضع، والطير تظلهم. وكان موكب سليمان يسمع من مكان بعيد، ورجل من بني إسرائيل آخذ مسحاته في زرع له، قائماً يهيئه إذ سمع الصوت فقال: إن هذا الصوت ما هو إلا لموكب سليمان وجنوده، فحان من سليمان التفاتة وهو على سريره، فإذا هو برجل يشتد يبادر الطريق فقال عليه السلام في نفسه: إن هذا الرجل ملهوف، أو طالب حاجة، فقال للريح حين وقفت به: قفي.. فوقفت به وبجنود حتى انتهى إليه الرجل وهو منبهر، فتركه سليمان حتى ذهب بهره، ثم أقبل عليه فقال ألك حاجة؟ وقد وقف عليه الخلق فقال: الحاجة جاءت بي إلى هذا المكان يا رسول الله. إني رأيت الله أعطاك ملكاً لم يعطه أحداً قبلك ولا أراه يعطيه أحداً بعدك، فكيف تجد ما مضى من ملكك هذه الساعة؟ قال: أخبرك عن ذاك إني كنت نائماً فرأيت رؤيا، ثم تنبهت فعبرتها قال: ليس إلا ذاك قال: فأخبرني كيف تجد ما بقي من ملكك الساعة؟ قال: تسألني عن شيء لم أره قال: فإنما هي هذه الساعة، ثم انصرف عنه مولياً. فجلس سليمان عليه السلام ينظر في قفاه، ويتفكر فيما قاله، ثم قال للريح إمضي بنا، فمضت به قال الله: {رخاء حيث أصاب} قال: الرخاء التي ليست بالعاصف، ولا باللينة وسطاً، قال الله تعالى {غدوها شهر ورواحها شهر} [ سبأ: 12] ليست بالعاصف التي تؤذيه، ولا باللينة التي تشق عليه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سلمان بن عامر الشيباني رضي الله عنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتم سليمان، وما أعطاه الله تعالى من ملكه، فلم يكن يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً حتى قبضه الله تعالى». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رفع سليمان عليه السلام طرفه إلى السماء تخشعاً حيث أعطاه الله تعالى ما أعطاه». وأخرج أحمد في الزهد عن عطاء رضي الله عنه قال: كان سليمان عليه السلام يعمل الخوص بيده، ويأكل خبز الشعير، ويطعم بني إسرائيل الحواري. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وابن عساكر عن صالح بن سمار رضي الله عنه قال: بلغني أنه لما مات داود عليه السلام، أوحى الله تعالى إلى سليمان عليه الصلاة والسلام «سلني حاجتك قال: أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أمي، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي. فقال: أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني، وأن أجعل قلبه يحبني، لأهبن له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده قال الله تعالى {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب} والتي بعدها مما أعطاه، وفي الآخرة لا حساب عليه». وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {فسخرنا له الريح..} قال: لم يكن في ملكه يوم دعا الريح والشياطين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: لما عقر سليمان عليه السلام الخيل أبدله الله خيراً منها، وأمر الريح تجري بأمره كيف يشاء {رخاء} قال: ليست بالعاصف، ولا باللينة بين ذلك. وأخرج ابن المنذر عن الحسن وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {تجري بأمره رخاء} قال: مطيعة له حيث أراد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {رخاء حيث أصاب} قال: حيث شاء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {رخاء} قال: لينة {حيث أصاب} قال: حيث أراد {والشياطين كل بناء} قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل {وغواص} قال: يستخرجون له الحلى من البحر {وآخرين مقرنين في الأصفاد} قال: مردة الشياطين في الأغلال. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {رخاء} قال: الطيبة {والشياطين كل بناء وغواص} قال: يغوص للحلية {وبناء} بنوا لسليمان قصراً على الماء فقال: اهدموه من غير أن تمسه الأيدي. فرموه بالفادقات حتى وضعوه، فبقيت لنا منفعته بعدهم، فكان من عمل الجن، وبقيت لنا منفعة السياط، كان يضرب الجن بالخشب، فيكسر أيديها وأرجلها، فقالوا هل توجعنا فلا تكسرنا؟ قال: نعم. فدلوه على السياط، والتمويه أمر الجن فموهت على ثم أمر به، فألقى على الأساطين تحت قوائم خيل بلقيس، والقارورة لما أخرج الأعور شيطان البحر حيث أراد بناء بيت المقدس قال الأعور: ابتغوا لي بيضة هدهد، ثم قال اجعلوا عليها قارورة، فجاء الهدهد، فجعل يرى بيضته وهو لا يقدر عليها، ويطيف بها فانطلق فجاء بماسة مثل هذه، فوضعها على القارورة، فانشقت فانشق بيت المقدس بتلك الماسة والقذافة. وكان في البحر كنز، فدلوا عليه سليمان عليه السلام، وزعموا أن سليمان عليه السلام يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين سنة لما أعطيَ من الملك في الدنيا. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {هذا عطاؤنا} قال: كل هذا أعطاه إياه بعد رد الخاتم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فامنن} يقول: اعتق من الجن من شئت {أو أمسك} منهم من شئت. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {هذا عطاؤنا...} قال الحسن: الملك الذي أعطيناك، فأعط ما شئت، وامنع ما شئت، فليس لك تبعة، ولا حساب عليك في ذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} قال: بغير حرج، إن شئت أمسكت، وإن شئت أعطيت. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال: ما أعطيت، أو أمسكت، فليس عليك فيه حساب. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: ما من نعمة أنعم الله على عبد إلا وقد سأله فيها الشكر إلا سليمان بن داود عليه السلام. قال الله لسليمان عليه السلام {فامنن أو أمسك} بغير حساب. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: إن الله أعطى سليمان عليه السلام ملكاً هنيئاً فقال الله: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} قال: إن أعطيَ أجر، وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} أي حسن مصير. وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} قال: الزلفى القرب {وحسن مآب} قال: المرجع.

38:35

38:35

38:35

38:35

38:35

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)} أخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} قال: ذهاب الأهل والمال والضر الذي أصابه في جسده. قال: ابتلى سبع سنين وأشهراً، فألقى على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {بنصب وعذاب} قال: {بنصب} الضر في الجسد، {وعذاب} قال: في المال. وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن الشيطان عرج إلى السماء قال: يا رب سلطني على أيوب عليه السلام قال الله: قد سلطتك على ماله وولده، ولم أسلطك على جسده. فنزل فجمع جنوده فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام، فأروني سلطانكم، فصاروا نيراناً، ثم صاروا ماء، فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف. فأتوه بالمصائب بعضها على بعض. فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك عدوّاً، فذهب به. وجاء صاحب الإِبل فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدواً، فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب البقر فقال: ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدواً، فذهب بها؟ وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم. فبينما هم يأكلون ويشربون اذهبت ريح، فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم؟ فبينما هم يأكلون ويشربون اذهبت ريح، فأخذت باركان البيت، فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم. فقال له أيوب: أنت الشيطان، ثم قال له أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام فحلق رأسه، وقام يصلي، فرن إبليس رنة سمع بها أهل السماء، وأهل الأرض، ثم خرج إلى السماء فقال: أي رب انه قد اعتصم، فسلطني عليه، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك قال: قد سلطتك على جسده، ولم أسلطك على قلبه. فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدميه إلى قرنه، فصار قرحة واحدة، وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعى إليه حتى قالت له: أما ترى يا أيوب نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف. فأطعمك، فادع الله أن يشفيك ويريحك قال: ويحك.. ! كنا في النعيم سبعين عاماً، فأصبري حتى نكون في الضر سبعين عاماً، فكان في البلاء سبع سنين، ودعا فجاء جبريل عليه السلام يوماً، فأخذ بيده، ثم قال: قم. فقام فنحاه عن مكانه وقال: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فركض برجله، فنبعت عين فقال: اغتسل. فاغتسل منها، ثم جاء أيضاً فقال: {اركض برجلك} فنبعت عين أخرى. فقال له: اشرب منها، وهو قوله: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وألبسه الله تعالى حلة من الجنة، فتنحى أيوب، فجلس في ناحية، وجاءت امرأته، فلم تعرفه فقالت: يا عبدالله أين المبتلي الذي كان هاهنا لعل الكلاب ذهبت به، والذئاب؟ وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك.. ! أنا أيوب قد رد الله عليّ جسدي، ورد الله عليه ماله وولده عياناً {ومثلهم معهم} وأمطر عليهم جراداً من ذهب، فجعل يأخذ الجراد بيده، ثم يجعله في ثوبه، وينشر كساءه، فيجعل فيه فأوحى الله إليه: يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك. وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن إبليس قعد على الطريق، فاتخذ تابوتاً يداوي الناس فقالت امرأة أيوب: يا عبدالله إن هاهنا مبتلي من أمره كذا وكذا.. فهل لك أن تداويه؟ قال: نعم. بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره. فأتت أيوب عليه السلام فذكرت ذلك له فقال: ويحك.. ! ذاك الشيطان لله عليَّ إن شفاني الله تعالى أن أجلدك مائة جلدة، فلما شفاه الله تعالى أمره أن يأخذ ضغثاً فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ، فضرب بها ضربة واحدة. وأخرج ابن أبي حاتم قال: الشيطان الذي مس أيوب يقال له مسوط. فقالت امرأة أيوب ادع الله يشفيك، فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض: ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فعند ذلك قال: {ربِ أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [ الأنبياء: 83]. وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه في قوله: {اركض برجلك هذا} الماء {مغتسل بارد وشراب} قال: ركض رجله اليمنى فنبعت عين، وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ضرب برجله أرضاً يقال لها الحمامة، فإذا عينان ينبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه أن نبي الله أيوب عليه السلام لما اشتد به البلاء إما دعا وإما عرض بالدعاء، فأوحى الله تعالى إليه {أن اركض برجلك} فنبعت عين، فاغتسل منها فذهب ما به، ثم مشى أربعين ذراعاً، ثم ضرب برجله فنبعت عين فشرب منها. وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال: إن نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه الذي أصابه قال إبليس: يا رب ما يبالي أيوب أن تعطيه أهله ومثلهم معهم وتخلف له ماله وسلطانه سلطني على جسده قال: اذهب فقد سلطتك على جسده، وإياك يا خبيث ونفسه قال فنفخ فيه نفخة سقط لحمه، فلما أعياه صرخ صرخة اجتمعت إليه جنوده قالوا يا سيدنا ما أغضبك؟ فقال الا أغضب إني أخرجت آدم من الجنة وإن ولده هذا الضعيف قد غلبني فقالوا: يا سيدنا ما فعلت امرأته؟ فقال: حية فقال: أما هي فقد كفيك أمرها فقال له: فإن أطلقتها فقد أصبت وإلا فأعطه فجاء إليها فاستبرأها، فأتت أيوب فقالت له: يا أيوب إلى متى هذا البلاء؟ كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك فقال لها: فعلتها أنت أيضاً. ثم قال لها أما والله لئن الله تعالى عافاني لأجلدنك مائة جلدة فقال: {رب أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} قأتاه جبريل عليه السلام فقال: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فرجع إليه حسنه وشبابه، ثم جلس على تل من التراب فجاءته امرأته بطعامه فلم تر له أثراً فقالت لأيوب عليه السلام وهو على التل: يا عبدالله هل رأيت مبتلي كان ههنا؟ فقال لها: إن رأيتيه تعرفينه؟ فقالت له لعلك أنت هو؟ قال: نعم. فأوحى الله إليه أن {خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث} قال: والضغث أن يأخذ الحزمة من السياط فيضرب بها الضربة الواحدة. وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: ابتلى أيوب عليه السلام بماله وولده وجسده وطرح في المزبلة، فجعلت امرأته تخرج فتكتسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان بذلك فكان يأتي أصحاب الخير والغنى الذين كانوا يتصدقوا عليها فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها انها تأتيكم وتغشاكم، فجعلوا لا يدنونها منهم ويقولون: تباعدي عنا ونحن نطعمك ولا تقربينا، فأخبرت بذلك أيوب عليه السلام، فحمد الله تعالى على ذلك وكان يلقاها إذا خرجت كالمتحزن بما لقي أيوب فيقول: لج صاحبك وأبى إلا ما أبى الله، ولو تكلم بكلمة واحدة تكشف عنه كل ضر، ولرجع إليه ماله وولده. فتجيء فتخبر أيوب فيقول لها: لقيك عدوّ الله فلقنك هذا الكلام لئن أقامني الله من مرضي لأجلدنك مائة. فلذلك قال الله تعالى {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث} يعني بالضغث القبضة من الكبائس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما {وخذ بيدك ضغثاً} قال: الضغث القبضة من المرعى الطيب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {وخذ بيدك ضغثاً} قال: حزمة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وخذ بيدك ضغثا} قال: عود فيه تسعة وتسعون عوداً، والأصل تمام المائة. وذلك أن امرأته قال لها الشيطان: قولي لزوجك يقول كذا وكذا.. ! فقالت له... فحلف أن يضربها مائة، فضربها تلك الضربة فكانت تحلة ليمينه وتخفيف عن امرأته. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه بلغه أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مائة في أن جاءته في زيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه وخشي أن تكون قارفت من الخيانة، فلما رحمه الله وكشف عنه الضر علم براءة امرأته مما اتهمها به، فقال الله عز وجل {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث} فأخذ ضغثاً من ثمام وهو مائة عود، فضرب به كما أمره الله تعالى. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وخذ بيدك ضغثاً} قال: هي لأيوب عليه السلام خاصة وقال عطاء: هي للناس عامة. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه {وخذ بيدك ضغثاً} قال: جماعة من الشجر وكانت لأيوب عليه السلام خاصة، وهي لنا عامة. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وخذ بيدك ضغثاً..}. وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثاً فيه مائة طاق من عيدان القت، فيضرب به امرأته لليمين التي كان يحلف عليها قال: ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: «حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها: ممن حملك؟ قالت: من فلان المقعد، فسأل المقعد فقال صدقت، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا له عثكولاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه به ضربة واحدة ففعلوا». وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: «كان في أبياتنا إنسان ضعيف مجدع، فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء أهل الدار يعبث بها، وكان مسلماً فرفع سعد رضي الله عنه شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اضربوه حده فقالوا يا رسول الله: إنه أضعف من ذلك ان ضربناه مائة قتلناه قال: فخذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه ضربة واحدة وخلوا سبيله». وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان رضي الله عنه، أن رجلاً أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت، فأخبر أهله بما صنع، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ، فضربه ضربة واحدة. وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة، فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة. أما قوله تعالى: {إنا وجدناه صابراً نعم العبد}. أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أيوب عليه السلام رأس الصابرين يوم القيامة. وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن العاصي رضي الله عنه قال: نودي أيوب عليه السلام يا أيوب لولا أفرغت مكان كل شعرة منك صبراً ما صبرت. وأخرج ابن عساكر عن ليث بن أبي سليمان رضي الله عنه قال: قيل لأيوب عليه السلام لا تعجب بصبرك، فلولا أني أعطيت موضع كل شعرة منك صبراً ما صبرت. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أيوب قالت: يا أيوب إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك فقال: ويحك.. ! كنا في النعماء سبعين عاماً، فدعينا نكون في البلاء سبع سنين. وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: زوجة أيوب عليه السلام رحمة رضي الله عنها بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان أيوب عليه السلام كلما أصابه مصيبة قال: اللهم أنت أخذت، وأنت أعطيت مهما تبقى نفسك أحمدك على حسن بلائك.

38:41