{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)} {والمحصنات} {أَيْمَانُكُمْ} {كِتَابَ} {بِأَمْوَالِكُمْ} {مُسَافِحِينَ} {فَآتُوهُنَّ} {تَرَاضَيْتُمْ} (24)- وَتَحْرُمُ النِّسَاءَ الأُخْرَياتِ، غَيْرَ الوَارِدِاتِ فِي التَّحْرِيمِ السَّابِقِ، المُتَزَوِّجَاتُ (أيْ المُحْصَنَاتُ بِالزَّوَاجِ لأَنَّهُنَّ يَكُنَّ فِي حصْنِ أَزْوَاجِهِنَّ وَحِمَايَتِهِمْ)، إلا النِّسَاءَ المُتَزَوِّجَاتِ اللَّوَاتِي يَقْعَنَ سَبَايَا فِي مُلْكِكُمْ فِي حَرْبٍ دِينيَّة تُدَافِعُونَ بِها عَنْ دِينِكُمْ، وَأَزْوَاجُهُنَّ كُفَّارٌ فِي دَارِ الكُفْرِ، فَحِينَئذٍ يَنْحَلُّ عَقْدُ زَوَاجِهِنَّ، وَيَكُنَّ حَلالاً لَكُمْ بِالشُّرُوطِ المَعْرُوفَةِ فِي كُتُبِ الفِقْهِ. وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَنْ سُبِيَ مَعَهَا زَوْجُهَا فَلا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ لأنَّهُ لا بُدَّ مِنَ اخْتِلافِ الدَّارِ بَيْنَ الزّجَينِ، دَارَ الإِسْلامِ وَدَارَ الكُفْرِ. وَهَذا التَّحْرِيمُ هُوَ كِتَابُ اللهِ عَلَيْكُمْ فَالْتَزِمُوا بِهِ. وَمَا عَدَا هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ فَذَلِكَ حَلالٌ لَكُمْ إذَا سَعَيْتُمْ إلَى الحُصُولِ عَلَيْهِ بِأَمْوَالِكُمْ لِلزَّوَاجِ، أوْ لِشِراءِ السَّرَارِي، بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِي، لا بِقَصْدِ الزِّنى وَلا المُخَادَنَةِ. (وَلِذَا قَالَ تَعَالَى مُحْصَنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ أَيْ لا تَسْفَحُونَ فِيهِ مَاءَ الفِطْرَةِ سَفْحاً). وَكَمَا تَسْتَمْتِعُونَ بِالنِّسَاءِ، فَعَلَيْكُمْ أنْ تُؤْتُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ المَفْرُوضَةَ (أُجُورَهُنَّ)، فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ. وَإنْ كُنْتُمْ فَرَضْتُمْ لِلْمَرْأةِ مَهْراً ثُمَّ رَضيَتْ أنْ تَضَعَ لَكُمْ مِنْهُ شَيْئاً بَعْدَ الفَرْضِ، فَلا بَأْسَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ، كَذَلِكَ لا بَأْسَ عَلَيْكُمْ فِي الزِّيَادَةِ فِي المَهْرِ المَفْرُوضِ. وَالله عَليمٌ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ، وَهُوَ حَكيمٌ فِيما أَمَرَ بِهِ وَفَرَضَهُ عَلى عِبَادِهِ. المُحْصَنَةُ وَالمُحْصَنُ- العَفِيفَةُ وَالعَفِيفُ، وَأُحْصِنَتِ المَرْأَةُ تَزَوَّجَتْ وَأَصْبَحَتْ فِي حِصْنِ الرَّجُلِ وَحِمَايَتِهِ. المُسَافِحُ- الزَّاني. وَالمُسَافِحَةُ- الزَّانِيَةُ. الاسْتِمْتَاعُ- التَّمَتُّعُ بِالشَّيءِ. الأجُوُرُ- هِيَ فِي الأصْلِ مَا يُعْطَى مُقَابِلَ عَمَلٍ وَيُقْصَدُ بِها هُنَا المَهْرُ الذِي يُخَصَّصُ لِلزَّوْجَةِ. الفَرِيضَةُ- الحِصَّةُ المُحَدَّدَةُ المَفْرُوضَةُ. |
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} {المحصنات} {المؤمنات} {أَيْمَانُكُم} {فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} {بِإِيمَانِكُمْ} {وَآتُوهُنَّ} {مُحْصَنَاتٍ} {مُسَافِحَاتٍ} {مُتَّخِذَاتِ} {أَخْدَانٍ} {بِفَاحِشَةٍ} {المحصنات} (25)- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ نَاحِيَّةِ المَالِ، وَالقُدْرَةِ عَلى الإِنْفَاقِ أنْ يَتَزَوَّجَ الحَرَائِرَ العَفِيفَاتِ المُؤْمِناتِ (المُحْصَنَاتِ بِالحُرِّيَّةِ) فَإِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَزَوَّجَ الإِماء المُؤْمِنَاتِ، اللاتي يَمْلِكُهُنَّ المُؤْمِنُونَ، فَأَنْتُم أَيَّها المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فِي الإِيْمَانِ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَلا يَنْبَغِي أنْ تَعدُّوا نِكَاحَ الإِمَاءِ، عِنْدَ الحَاجَةِ إليه، عَاراً. وَفِي هَذا إِشَارَةً إلى أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ شَأنَ الفَتَيَاتِ المُؤْمِنَاتِ، وَسَاوَى بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الحَرَائِرِ، وَهُوَ العَلِيمُ بِحَقِيقَةِ الإِيْمَانِ، وَدَرَجَةِ قُوَّتِهِ وَكَمَالِهِ (وَاللهُ أَعْلَمُ بَإيمانِكُمْ)، عَلى أنْ يَتِمَّ الزَّوَاجُ بِإِذْنِ سَيِّدِ الأُمَةِ، لأنَّهُ وَلِيُّها، وَلا تُزَوَّجُ إلا بِإِذْنِهِ، وَعَلى أنْ يَدْفَعَ الزَّوْجُ إلَيْهَا مَهْراً بِالمَعْرُوفِ، عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَعَلَيهِ أنْ لا يُنْقِصَ مِنْهُ شَيْئاً، اسْتِهَانَةً بِهَا، لِكَوْنِهِا أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ، عَلى أنْ يَحْصِنَهُنَّ الزَّوَاجُ عَنِ الزِّنَى فَلا يَتَعاطَيْنَهُ (غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ)، وَعَنِ اتِّخَاذِ أَخْدَانٍ وَأَخِلاء (وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ). فَإذا أُحْصِنَتِ الإِمَاءُ بِالزَّوَاجِ، ثُمَّ أتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ، كَأنْ مَارَسْنَ الزِّنى، أوِ اتَّخَذْنَ خَليلاً، فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ الحَرَائِرِ مِنَ العُقُوبَةِ، (لأنَّ الأمةَ ضَعِيفةٌ عَنْ مُقَاوَمَةِ الإِغْرَاءِ) وَالأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّهُ لا رَجْمَ عَلَى مَمْلُوكٍ فِي الزِّنَى. وَقَدْ أُبِيحَ الزَّوَاجُ بِالشُّرُوطِ المُتَقَدِّمَةِ مِنَ الإِمَاءِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الوُقُوعَ فِي الزِّنَى (خَشِيَ العَنَتَ)، وَشَقَّ عَلَيهِ الصَّبْرُ. أمَّا إذَا اسْتَطَاعَ الكَفَّ عَنِ التَّزَوُّجِ بِالإِمَاءِ، وَالصَّبْرَ عَنِ الزِّنَى فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، لأنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الأَمَةَ وَجَاءَهُ أَوْلادٌ مِنْها كَانُوا أَرِقَاءَ لِسَيِّدِهَا. وَاللهُ غَفُورٌ لِمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الهَفَوَاتُ، كَاحْتِقَارِ الإِمَاءِ المُؤْمِنَاتِ، وَالطَّعْنِ فِيهِنَّ أَثْنَاءَ الحَدِيثِ، وَعَدَمَ الصَّبْرِ عَلَى مُعَاشَرَتِهِنَّ بِالمَوَدَّةِ، وَهُوَ تَعَالَى رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ إذْ بَيَّنَ لَهُمْ أَحْكَامَ شَرْعِهِ. الطَوْلُ- القُدْرَةُ عَلى تَحْصِيلِ الرَّغَائِبِ. الفَتَيَاتُ- يُقْصَدُ بِهِنَّ هُنا الإِمَاءُ. الأَخْدَانُ- الأَصْحَابُ، وَيُرَادُ بِهِمْ هُنَا العُشَّاقُ الذِينَ يَزْنُونَ بِهِنّ سِراً. العَذَابِ- العُقُوبَةِ. |
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)} (26)- إنَّ اللهَ يُرِيدُ أنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، أيُّها المُؤْمِنُونَ، مَا أَحَلَّ لَكُمْ، وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُم، وَأَنْ يَهْدِيكُمْ إلى سُنَنِ مَنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ، وَطَرَائِقِهِمُ الحَمِيدَةُ، وَإلى اتِّبَاعِ شَرَائِعِهِ التِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، وَيُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكُم مِمَّا ارْتَكَبْتُمْ مِنَ الإِثْمِ وَالمَحَارِمِ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ. السُّنَنَ- وَاحِدَتُها سُنَّةٌ وَهِيَ الشَّرِيعَةُ وَالنَّهْجُ. |