{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)} {أولئك} (52)- وَالذِينَ يُفَضِّلُونَ الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، إِرْضَاءً لِلْكَافِرِينَ، وَاسْتِنْصَاراً بِهِمْ، فَهؤُلاءِ يَلْعَنُهُمُ اللهُ. وَمَنْ لَعَنَهُ اللهُ، وَطَرَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، فَلا نَاصِرَ لَهُ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلا وَلِيَّ لَهُ يَنْصُرُهُ مِنَ الذُّلِّ وَالعَذَابِ. |
{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)} (53)- يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلاءِ اليَهُودِ أنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، بَعْدَ أنْ فَقَدُوهُ بِكُفْرِهِمْ، وَظُلْمِهِمْ، وَطُغْيَانِهِمْ، وَإيمَانِهِمْ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، ثُمَّ يَصِفُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالبُخْلِ وَالأثَرَةِ، وَيَقُولُ: لَوْ أَنَّهُمْ كَانَ لَهُمُ المُلْكُ، وَحَقُّ التَّصَرُّفِ، لَمَا أَعْطَوا النَّاسَ شَيئاً، خَوْفاً مِنْ أنْ يَنْفَدَ مَا لَدَيْهِمْ، وَلَحَصَرُوا مَنَافِعَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ. لنَّقِيرُ- نُقْطَةٌ صَغِيرَةٌ فِي نَوَاةِ التَّمْرِ. |
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} {آتَاهُمُ} {آتَيْنَآ} {آلَ} {إِبْرَاهِيمَ} {الكتاب} {وَآتَيْنَاهُمْ} (54)- إنَّ هَؤُلاءِ يُرِيدُونَ أنْ يَضِيقَ فَضْلُ اللهِ بِعِبَادِهِ، وَلا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لأمَّةٍ فَضْلٌ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُمْ أَوْ مِثْلُهُمْ، لِمَا اسْتَحْوذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الغُرُورِ بِنَسَبِهِمْ، وَتَقَالِيدِهِمْ، مَعَ سُوءِ حَالِهِمْ. وَإنَّ حَسَدَهُمْ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى مَا رَزَقَهُ اللهُ مِنَ النُّبُوَّةِ العَظِيمَةِ، هُوَ الذِي مَنَعَهُمْ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، لأَنَّهُ مِنَ العَرَبِ، وَلَيْسَ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ. وَإنْ يَحْسُدُوا مُحَمَّداً عَلَى مَا أوتِيَ، فَقَدْ أخْطَؤُوا إذْ أنَّ مَا أتَى اللهُ مُحَمَّداً لَيْس بِدْعاً مِنَ اللهِ، فَقَدْ آتَى اللهُ هَذا آلَ إِبْرَاهِيمَ، وَالعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، فَلِمَاذَا يَعْجَبُونَ مِمَّا آتَى اللهُ مُحَمَّداً، وَلَمْ يَعْجَبُوا مِمَّا آتَى آلَ إِبْرَاهِيمَ؟ |
{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} {آمَنَ} (55)- وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنَ فَرِيقٌ، مِنْ أَقْوَامِ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ، بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَكَفَرَ فَرِيقٌ وَسَعَى فِي الأَرْضِ يُفْسِدَ فِيهَا، وَيَصُدُّ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَعَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ، وَكَفَى بِالنَّارِ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَمُخَالَفَتِهِمْ كُتُبَ اللهِ وَرُسُلَهُ. |
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} {بِآيَاتِنَا} {بَدَّلْنَاهُمْ} (56)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى: بِأَنَّهُ سَيُعَاقِبُ الكَافِرِينَ بِآيَاتِ اللهِ وَبِرُسُلِهِ، بِإِحْرَاقِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ أَبْدَلَهُمْ غَيْرَها لِيَسْتَمِرُّوا فِي تَحَسُّسِ العَذَابِ وَآلامِهِ، وَاللهُ عَزِيزٌ لا يَتَحَدَّاهُ أَحَدٌ، حَكِيمٌ فِي تَصَرُّفِهِ، يَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعُقُوبَةِ فَيُعَاقِبُهُ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْثَّوَابِ فَيُثِيبُهُ. نُصْلِيهِمْ نَاراً- نُدْخِلُهُمْ نَاراً هَائِلَةً نَشْويِهِمْ فِيها. نَضِجَتْ- احْتَرَق وَتَهَرَّأَتْ وَتَلاشَتْ. |
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)} {آمَنُواْ} {الصالحات} {جَنَّاتٍ} {الأنهار} {خَالِدِينَ} {أَزْوَاجٌ} (57)- وَالذِينَ صَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، فَإنَّ اللهَ سَيُثِيبُهُمْ عَلَى إيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحُ، بِإدْخَالِهِمُ الجَنَّةَ التِي تَجْرِي فِي أَرْضِهَا الأَنْهَارُ، وَيَبْقُونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، لا يَحُولُونَ عَنْهَا وَلا يَزُولُونَ، وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ، مِنَ الحَيْضِ وَالدَّنَسِ وَالأَذَى، وَالأَخْلاقِ الرَذِيلَةِ، وَالصِّفَاتِ النَّاقِصَة، وَيُدخِلُهُمْ فِي ظِلٍّ وَارِفٍ كَثِيفٍ لا حَرَّ فِيهِ وَلا قَرَّ. ظَلِيلاً- دَائِماً لا حَرَّ فِيهِ وَلا قّرَّ. |
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} {الأمانات} (58)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِأَدَاءِ الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا. وَأَدَاءِ الأَمَانَاتِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الأَمَانَاتِ الوَاجِبَةِ عَلى الإِنْسَانِ: مِنْ حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ...) وَمِنْ حُقُوقِ العِبَادِ (كَالوَدَائِعِ وَغَيرَ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْتَمَنُ الإِنْسَانُ عَلَيهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَصْحَابِهَا وَثَائِقَ وَبَيَنَاتٍ عَلَيهَا). هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَقَدْ كَانَتْ لَهُ حِجَابَةُ الكَعْبَةِ. وَلَمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالكَعْبَةِ، ثُمَّ دَعَا بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ مُفْتَاحَ الكَعْبَةِ وَدَخَلَها. فَجَاءَهُ العَبَّاسُ (وَقِيلَ بَلْ جَاءَهُ عَلِي) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْمَعْ لَنَا حَجَابَةَ الكَعْبَةِ مَعَ السِّقَايَةِ. فَدَعَا رَسُولَ اللهِ بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَدَفَعَ إِلَيهِ المُفْتَاحَ، وَخَرَجَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ. وَيَأْمُرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالعَدْلِ، وَأَنْ يَكُونَ العَدْلُ عَاماً لِلْبَرِّ وَالفَاجِرِ، وَلِكُلِّ أحَدٍ، وَأنْ لا يَمْنَعَهُمْ مِنْ إِقَامَةِ العَدْلِ حِقْدٌ أَوْ كَرَاهِيَةٌ أوْ عَدَاؤةٌ. ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى إنَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَعِظُ بِهِ المُؤْمِنِينَ، هُوَ الشَّرْعُ الكَامِلُ، وَفِيهِ خَيْرُهُمْ، وَاللهُ سَمِيعٌ لأَقْوَالِ العِبَادِ، بَصِيرٌ بِأَفْعَالِهِمْ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا يَسْتَحِقُّ. تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ- جَميعَهَا حُقُوقَ اللهِ وَحُقُوقَ النَّاسِ. نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ- نِعْمَ الذِي يَعِظُكُمْ بِهِ مِمَا ذَكَرَ. |
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} {يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {تَنَازَعْتُمْ} {الآخر} (59)- بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا خَرَجُوا اسْتَاءَ مِنْهُمْ مِنْ شَيءٍ كَانَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ أنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا حَطَباً، ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُم: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا (أَيْ لَتَقْتُلُنَّ أنْفُسَكُمْ فِي النَّارِ)، فَرَفَضُوا ذَلِكَ إلى أنْ يَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ: «الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ». وَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِإِطَاعَتِهِ تَعَالَى، وَبِالعَمَلِ بِكِتَابِهِ، وَبِإِطَاعَةِ رَسُولِهِ، لأَنَّهُ يُبَيِّنُ لِلْنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَيُبَلِّغُ عَنِ اللهِ شَرْع وَأَوَامِرَهُ، كَمَا يَأْمُرُ اللهُ بِإِطَاعَةِ أُوْلِي الأمْرِ، مِنْ حُكَّامٍ وَأُمَرَاءٍ وَرُؤَسَاءٍ جُنْدٍ، مِمَّنْ يَرْجِعُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فِي الحَاجَاتِ، وَالمَصَالِحِ العَامَّةِ، فَهَؤُلاءِ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَمْرٍ وَجَبَ أنْ يُطَاعُوا فِيهِ، بِشَرْطِ أنْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ، وَأنْ لا يُخَالِفُوا أَمْرَ اللهِ، وَلا سُنَّةَ نَبِّيهِ التِي عُرِفَتْ بِالتَّوَاتُرِ، وَأنْ يَكُونُوا مُخْتَارِينَ فِي بَحْثِهِمْ فِي الأَمْرِ، وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُكْرَهِينَ عَلَيهِ بِقُوَّةِ أَحَدٍ أَوْ نُفُوذِهِ. وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ المُسْلِمُونَ فَمِنَ الوَاجِبِ رَدُّهُ إلى كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَيَحْتَكِمْ إلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَيْسَ مُؤْمِناً بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآخِرِ. وَمَنْ يَحْتَكِم إلى شَرْعِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً وَمَآلاً (تَأْوِيلاً)، لأنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُشَرِّعْ لِلنَّاسِ إلا مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَمَنْفَعَتُهُمْ، وَالاحْتِكَامِ إلى الشَّرْعِ يَمْنَعُ الاخْتِلافَ المُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ وَالضَّلالِ. أَحْسَنُ تَأوِيلاً- أَجْمَلُ عَاقِبَةً وَأحْسَنُ مَآلاً. |