Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 10
الربع رقم 1
quran-border  وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطا ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى اهله الا ان يصدقوا فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما يا ايها الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيرا
Page Number

1

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ} يقول: ما كان له ذلك فيما آتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ} قال: المؤمن لا يقتل مؤمناً. وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان الحرث بن يزيد بن نبيشة من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل، ثم خرج مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ...} الآية. فقرأها عليه ثم قال له: قم فحرر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ} قال: عياش بن أبي ربيعة: قتل رجلاً مؤمناً كان يعذبه هو وأبو جهل، وهو أخوه لأمه في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وعياش يحسب أن ذلك الرجل كافر كما هو، وكان عياش هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فجاءه أبو جهل وهو أخوه لأمه فقال: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها- وهي أميمة بنت مخرمة- فاقبل معه فربطه أبو جهل حتى قدم به مكة، فلما رآه الكفار زادهم كفراً وافتتاناً فقالوا: إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء، ويأخذ أصحابه فيربطهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي في قوله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ...} الآية. قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، كان قد أسلم وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عياش أخا أبي جهل، والحارث بن هشام لأمهما، وكان أحب ولدها إليها، فلما لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم شق ذلك عليها، فحلفت أن لا يظلها سقف بيت حتى تراه، فأقبل أبو جهل والحارث حتى قدما المدينة، فأخبرا عياشا بما لقيت أمه، وسألاه أن يرجع معهما فتنظر إليه ولا يمنعاه أن يرجع، وأعطياه موثقاً أن يخليا سبيله بعد أن تراه أمه. فانطلق معهما حتى إذا خرجا من المدينة عمدا إليه فشداه وثاقاً، وجلداه نحو من مائة جلدة، وأعانهما على ذلك رجل من بني كنانة، فحلف عياش ليقتلن الكناني إن قدر عليه، فقدما به مكة فلم يزل محبوساً حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فخرج عياش فلقي الكناني وقد أسلم، وعياش لا يعلم بإسلام الكناني، فضربه عياش حتى قتله. فأنزل الله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ} يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن {ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} فيتركوا الدية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن عياش بن أبي ربيعة المخزومي كان حلف على الحارث بن يزيد مولى بني عامر بن لؤي ليقتلنه، وكان الحارث يومئذ مشركاً، وأسلم الحارث ولم يعلم به عياش، فلقيه بالمدينة فقتله، وكان قتله ذلك خطأ. وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الحارث بن زيد كان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء وهو يريد الإسلام وعياش لا يشعر، فلقيه عياش بن أبي ربيعة فحمل عليه فقتله، فأنزل الله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ}. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: نزلت في رجل قتله أبو الدرداء، كانوا في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له، فوجد رجلاً من القوم في غنم له، فحمل عليه السيف، فقال: لا إله إلا الله. فضربه، ثم جاء بغنمه إلى القوم، ثم وجد في نفسه شيئاً فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا شققت عن قلبه؟! فقال: ما عسيت أجد. هل هو يا رسول الله إلا دم أو ماء؟! فقال: فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه. قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله! قال: فكيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال: ونزل القرآن {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ} حتى بلغ {إلا أن يصدقوا} قال: إلا أن يضعوها». وأخرج الروياني وابن منده وأبو نعيم معاً في المعرفة عن بكر بن حارثة الجهني قال: «كنت في سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقتتلنا نحن والمشركون، وحملت على رجل من المشركين فتعوذ مني بالإسلام فقتلته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب وأقصاني، فاوحى الله إليه {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ...} الآية. فرضي عني وأدناني». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {فتحرير رقبة مؤمنة} قال: يعني بالمؤمنة من قد عقل الإيمان وصام وصلى، وكل رقبة في القرآن لم تسم مؤمنة فإنه يجوز المولود فما فوقه ممن ليس به زمانة، وفي قوله: {ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} قال: عليه الدية مسلمة إلا أن يتصدق بها عليه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: في حرف أبي {فتحرير رقبة مؤمنة} لا يجري فيها صبي. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والبيهقي في سننه عن أبي هريرة «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء، فقال: يا رسول الله إن عليَّ عتق رقبة مؤمنة. فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بأصبعها فقال لها: من أنا؟ فأشارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، أي أنت رسول الله فقال: اعتقها فإنها مؤمنة». وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن علي رقبة مؤمنة وعندي أمة سوداء. فقال: ائتني بها، فقال: أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالت: نعم. قال: اعتقها». وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد عن رجل من الأنصار «أنه جاء بأمة له سوداء فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة اعتقها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم. قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم. قال: تؤمنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم. قال: اعتقها فإنها مؤمنة». وأخرج الطيالسي ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن معاوية بن الحكم السلمي «أنه لطم جارية له فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك قال: فقلت: يا رسول الله أفلا اعتقها؟ قال: بلى، ائتني بها. قال: فجئت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: إنها مؤمنة فاعتقها». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله: {ودية مسلمة} قال: «بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها مائة من الإبل». وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن المنذر عن ابن مسعود قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكوراً، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقة». وأخرج أبو داود وابن المنذر عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفاً». وأخرج ابن المنذر عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، وفيه وعلى أهل الذهب ألف دينار، يعني في الدية». وأخرج أبو داود عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد بن إسحاق». وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {ودية مسلمة} قال: موفرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله: {مسلمة إلى أهله} قال: المسلمة التامة. وأخرج ابن المنذر عن السدي {مسلمة إلى أهله} قال: تدفع {إلا أن يصدقوا} إلا أن يدعوا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {مسلمة إلى أهله} أي إلى أهل القتيل {إلا أن يصدقوا} إلا أن يصدق أهل القتيل، فيعفوا ويتجاوزوا عن الدية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {ودية مسلمة} يعني يسلمها عاقلة القاتل إلى أهله إلى أولياء المقتول {إلا أن يصدقوا} يعني إلا أن يصدق أولياء المقتول بالدية على القاتل فهو خير لهم، فأما عتق رقبة فانه واجب على القاتل في ماله. وأخرج ابن جرير عن بكر بن الشرود قال: في حرف أبي {إلا أن يتصدقوا}. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله: {ودية مسلمة إلى أهله} قال: هذا المسلم الذي ورثته مسلمون {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: هذا الرجل المسلم وقومه مشركون، وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد فيقتل، فيكون ميراثه للمسلمين وتكون ديته لقومهم لأنهم يعقلون عنه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} يقول: فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين ولا دية عليه، وفي قوله: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} يقول: إذا كان كافراً في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: هو المؤمن يكون في العدو من المشركين، يسمعون بالسرية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفرون ويثبت المؤمن فيقتل ففيه تحرير رقبة. وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس {فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن} قال: يكون الرجل مؤمناً وقومه كفار، فلا دية له ولكن تحرير رقبة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء بن السائب عن أبي عياض قال: كان الرجل يجيء فيسلم، ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم فيهم، فتغزوهم جيوش النبي صلى الله عليه وسلم، فيقتل الرجل فيمن يقتل. فأنزلت هذه الآية {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} وليست له دية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس في قوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يرجع إلى قومه فيكون فيهم وهم مشركون، فيصيبه المسلمون خطأ في سرية أو غارة، فيعتق الذي يصيبه رقبة، وفي قوله: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: كان الرجل يكون معاهداً وقومه أهل عهد، فيسلم إليهم ديته، ويعتق الذي أصابه رقبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: نزلت في مرداس بن عمرو، وكان أسلم وقومه كفار من أهل الحرب، فقتله أسامة بن زيد خطأ {فتحرير رقبة مؤمنة} ولا دية لهم لأنهم أهل الحرب. وأخرج ابن المنذر عن جرير بن عبد الله البجلي. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة». وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي في قوله: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: من أهل العهد وليس بمؤمن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن زيد {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: وهو مؤمن. وأخرج ابن جرير عن الحسن {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: هو كافر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: عهد. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب {وإن كان بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله} قال: بلغنا أن دية المعاهد كانت كدية المسلم، ثم نقصت بعد في آخر الزمان فجعلت مثل نصف دية المسلم، وأن الله أمر بتسليم دية المعاهد إلى أهله، وجعل معها تحرير رقبة مؤمنة. وأخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيباً فقال: إن الإبل قد غلت، ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية. وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وصححه عن أبي بكرة. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام، وما من عبد يقتل نفساً معاهدة إلا حرم الله عليه الجنة ورائحتها أن يجدها». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن ماجه والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً». وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إلا من قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد خفر ذمة الله ولا يرح ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً». وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: دية أهل الكتاب أربعة آلاف درهم، ودية المجوس ثمانمائة. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم قال: الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} قال: من لم يجد عتقاً في قتل مؤمن خطأ. قال: وأنزلت في عياش بن أبي ربيعة قتل مؤمناً خطأ. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فمن لم يجد} قال: فمن لم يجد رقبة فصيام شهرين. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فمن لم يجد فصيام شهرين} قال: الصيام لمن لا يجد رقبة، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسروق أنه سئل عن الآية التي في سورة النساء {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} صيام الشهرين عن الرقبة وحدها أو عن الدية والرقبة؟ قال: من لم يجد فهو عن الدية والرقبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد. أنه سئل عن صيام شهرين متتابعين؟ قال: لا يفطر فيها ولا يقطع صيامها، فإن فعل من غير مرض ولا عذر استقبل صيامها جميعاً، فإن عرض له مرض أو عذر صام ما بقي منهما، فإن مات ولم يصم أطعم عنه ستون مسكيناً لكل مسكين مد. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فصيام شهرين متتابعين} تغليظاً وتشديداً من الله قال: هذا في الخطأ تشديد من الله. وأخرج عن سعيد بن جبير في قوله: {توبة من الله} يعني تجاوزاً من الله لهذه الأمة حين جعل في قتل الخطأ كفارة ودية {وكان الله عليماً حكيماً} يعني حكم الكفارة لمن قتل خطأ، ثم صارت دية العهد والموادعة لمشركي العرب منسوخة، نسختها الآية التي في براءة {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [ التوبة: 5] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتوارث أهل ملتين».

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} أخرج ابن جريج وابن المنذر من طريق ابن جريج عن عكرمة أن رجلاً من الأنصار قتل أخاً مقيس بن ضبابة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية فقبلها، ثم وثب على قاتل أخيه فقتله. قال ابن جريج، وقال غيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ديته على بني النجار، ثم بعث مقيساً، وبعث معه رجلاً من بني فهر في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فاحتمل مقيس الفهري- وكان رجلاً شديداً- فضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين حجرين، ثم ألقى يتغنى: قتلت به فهرا وحملت عقله *** سراة بني النجار أرباب قارع فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أظنه قد أحدث حدثاً، أما والله لئن كان فعل لا أومنه في حل ولا حرم، ولا سلم ولا حرب، فقتل يوم الفتح. قال ابن جريج: وفيه نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً...} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} قال: نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني، وذلك أنه أسلم وأخوه هشام بن ضبابة وكانا بالمدينة، فوجد مقيس أخاه هشاماً ذات يوم قتيلاً في الأنصار في بني النجار، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من قريش من بني فهر ومعه مقيس إلى بني النجار- ومنازلهم يومئذ بقباء- أن ادفعوا إلى مقيس قاتل أخيه إن علمتم ذلك، وإلا فادفعوا إليه الدية. فما جاءهم الرسول قالوا: السمع والطاعة لله وللرسول، والله ما نعلم له قاتلاً ولكن نؤدي إليه الدية، فدفعوا إلى مقيس مائة من الإبل دية أخيه، فلما انصرف مقيس والفهري راجعين من قباء إلى المدينة وبينهما ساعة، عمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله، وارتد عن الإسلام وركب جملاً منها وساق معه البقية، ولحق بمكة وهو يقول: في شعر له: قتلت به فهراً وحملت عقله *** سراة بني النجار أرباب قارع وأدركت ثأري واضطجعت موسداً *** وكنت إلى الأوثان أول راجع فنزلت فيه بعد قتل النفس وأخذ الدية، وارتد عن الإسلام ولحق بمكة كافراً {ومن يقتل مؤمناً متعمداً}. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. مثله سواء. وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني من طريق سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها؟ فقال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء. وأخرج أحمد وسعيد بن منصور والنسائي وابن ماجه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس. أن رجلاً أتاه فقال: أرأيت رجلاً قتل رجلاً متعمداً؟ قال: {فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} قال: لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: وأنى له بالتوبة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثكلته أمه، رجل قتل رجلاً متعمدا يجيء يوم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره، وآخذا رأسه بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجهُ دماً في قبل العرش، يقول: يا رب سل عبدك فيم قتلني». وأخرج الترمذي وحسنه من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب قتلني هذا حتى يدنيه من العرش قال: فذكروا لابن عباس التوبة، فتلا هذه الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} قال: ما نسخت هذه الآية ولا بدلت، وأنى له التوبة». وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جري عن سعيد بن جبير قال: قال لي عبد الرحمن بن ابزي: سل ابن عباس عن قوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} فقال: لم ينسخها شيء، وقال في هذه الآية {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} [ الفرقان: 68] الآية. قال: نزلت في أهل الشرك. وأخرج عبد الحميد والبخاري وابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعيد بن جبير أن عبد الرحمن بن أبزي سأله: أن يسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في النساء {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} إلى آخر الآية والتي في الفرقان {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} [ الفرقان: 68] الآية. قال: فسألته؟ فقال: إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم لا توبة له، وأما التي في الفرقان فإنها لما أنزلت قال المشركون من أهل مكة: فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله بغير الحق، وأتينا الفواحش، فما نفعنا الإسلام، فنزلت {إلا من تاب} [ الفرقان: 70] الآية. فهي لأولئك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال: سمعت ابن عباس يقول: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} بعد قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً} [ الفرقان: 70] بسنة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} بعد التي في سورة الفرقان بثماني سنين، وهي قوله: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} [ الفرقان: 68] إلى قوله: {غفوراً رحيماً} [ الفرقان: 70]. وأخرج ابن جرير والنحاس والطبراني عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس هل لمن قتل مؤمناً متعمداً من توبة؟ قال: لا. فقرأت عليه الآية التي في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} [ الفرقان: 68] فقال هذه الآية مكية نسختها آية مدنية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن ثابت قال: نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر، يعني {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} بعد {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [ النساء: 48]. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال: نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر، قوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} بعد قوله: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} [ الفرقان: 68] إلى آخر الآية. وأخرج أبو داود وابن جرير والنحاس والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: نزلت الآية التي في سورة النساء بعد الآيات التي في سورة الفرقان بستة أشهر. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: لما نزلت هذه الآية في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر...} [ الفرقان: 68] الآية. عجبنا للينها، فلبثنا سبعة أشهر، ثم نزلت التي في النساء {ومن يقتل مؤمناً متعمداً...} الآية. وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك قال: بينهما ثماني سنين، التي في النساء بعد التي في الفرقان. وأخرج سمويه في فوائده عن زيد بن ثابت قال: نزلت هذه التي في النساء بعد قوله: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [ النساء: 48] بأربعة أشهر. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، لأن الله يقول {فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال: هما المبهمتان: الشرك والقتل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} قال: هي محكمة، ولا تزداد إلا شدة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن كردم. أن أبا هريرة، وابن عباس، وابن عمر، سئلوا عن الرجل يقتل مؤمناً متعمداً؟ فقالوا: هل تستطيع أن لا تموت، هل تستطيع أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء؟ أو تحييه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن ميناء قال: كنت جالساً بجنب أبي هريرة إذ أتاه رجل فسأله عن قاتل المؤمن هل له من توبة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي رزين عن ابن عباس قال: هي مبهمة، لا يعلم له توبة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: ليس لمن قتل مؤمناً توبة لم ينسخها بشيء. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن ميناء قال: كان بين صاحب لي وبين رجل من أهل السوق لجاجة، فأخذ صاحبي كرسياً فضرب به رأس الرجل فقتله، وندم وقال: إني سأخرج من مالي، ثم انطلق فاجعل نفسي حبيساً في سبيل الله. قلت: انطلق بنا إلى ابن عمر نسأله هل لك من توبة؟ فانطلقا حتى دخلنا عليه، فقصصت عليه القصة على ما كانت، قلت: هل ترى له من توبة؟ قال: كل واشرب أف قم عني. قلت: يزعم أنه لم يرد قتله؟ قال: كذب، يعمد أحدكم إلى الخشبة فيضرب بها رأس الرجل المسلم ثم يقول: لم أرد قتله، كذب، كل واشرب ما استطعت أف قم عني. فلم يزدنا على ذلك حتى قمنا. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: قتل المؤمن معقلة. وأخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً». وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر عن معاوية. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً». وأخرج ابن المنذر عن أبي الدرداء. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو من قتل مؤمناً متعمداً». وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان في قتل مسلم بشطر كلمة، يلقى الله يوم يلقاه مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله». وأخرج ابن عدي والبيهقي في البعث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة، كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله». وأخرج ابن المنذر عن أبي عون قال: إذا سمعت في القرآن {خلوداً} فلا توبة له. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نازلت ربي في قاتل المؤمن، في أن يجعل له توبة فأبى عليَّ». وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو القاسم بن بشران في أماليه بسند ضعيف عن أبي هريرة «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} قال: هو جزاؤه إن جازاه». وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقول: جزاؤه جهنم إن جازاه، يعني للمؤمن وليس للكافر، فإن شاء عفا عن المؤمن وإن شاء عاقب. وأخرج ابن المنذر من طريق عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله: {فجزاؤه جهنم} قال: هي جزاؤه إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن أبي مجلز في قوله: {فجزاؤه جهنم} قال: هي جزاؤه، فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل. وأخرج ابن المنذر عن عون بن عبد الله في قوله: {فجزاؤه جهنم} قال: إن هو جازاه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي صالح. مثله. وأخرج ابن المنذر عن إسماعيل بن ثوبان قال: جالست الناس قبل الداء الأعظم في المسجد الأكبر، فسمعتهم يقولون {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} إلى {عذاباً عظيماً} قال المهاجرون والأنصار: وجبت لمن فعل هذا النار، حتى نزلت {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [ النساء: 48] فقال المهاجرون والأنصار: ما شاء يصنع الله ما شاء، فسكت عنهم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في البعث عن هشام بن حسان قال: كنا عند محمد بن سيرين فقال له رجل {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} حتى ختم الآية فغضب محمد وقال: أين أنت عن هذه الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قم عني أخرج عني قال: فأخرج. وأخرج القتبي والبيهقي في البعث عن قريش بن أنس قال: سمعت عمرو بن عبيد يقول: يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله فيقول لي لم قلت إن القاتل في النار؟ فأقول أنت قتلته ثم تلا هذه الآية {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} قلت له: وما في البيت أصغر مني أرأيت إن قال لك فإني قد قلت {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر قال: فما استطاع أن يرد علي شيئاً. وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق قال أتى رجل عمر فقال لقاتل المؤمن توبة قال: نعم ثم قرأ {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قاتل المؤمن قال: كان يقال: له توبة إذا ندم. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن كردم عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: ملأت حوضي أنتظر طميتي ترد علي، فلم أستيقظ إلا ورجل أشرع ناقته فتلم الحوض وسال الماء، فقمت فزعاً فضربته بالسيف فقتلته، فقال: ليس هذا مثل الذي قال، فأمره بالتوبة. قال سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا؟ قالوا: لا توبة له. فإذا ابتلى رجل قالوا: كذبت. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عبد الله بن جعفر قال: كفارة القتل، القتل. وأخرج عبد بن حميد والنحاس عن سعد بن عبيدة أن ابن عباس كان يقول: لمن قتل مؤمناً توبة. قال: فجاءه رجل فسأله ألمن قتل مؤمناً توبة؟ قال: لا، إلا النار. فلما قام الرجل قال له جلساؤه: ما كنت هكذا تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمناً توبة مقبولة، فما شأن هذا اليوم؟ قال: إني أظنه رجل يغضب يريد أن يقتل مؤمناً، فبعثوا في أثره، فوجوده كذلك. وأخرج النحاس عن نافع وسالم. أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر كيف ترى في رجل قتل رجلاً عمداً؟ قال: أنت قتلته؟ قال: نعم. قال: تب إلى الله يتب عليك. وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال: ليس للقاتل توبة إلا أن يقاد منه، أو يعفى عنه، أو تؤخذ منه الدية. وأخرج عبد بن حميد عن سفيان قال: بلغنا أن الذي يقتل متعمداً فكفارته أن يقيد من نفسه، أو أن يعفى عنه، أو تؤخذ منه الدية، فإن فعل به ذلك رجونا أن تكون كفارته ويستغفر ربه، فإن لم يفعل من ذلك شيئاً فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء لم يغفر له، فقال سفيان: فإذا جاءك من لم يقتل فشدد عليه ولا ترخص له لكي يفرض، وإن كان ممن قتل فسألك فأخبره لعله يتوب ولا تؤيسه. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: لأن أتوب من الشرك أحب إليَّ من أن أتوب من قتل المؤمن. وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً، وأدّى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتبساً، وسمع وأطاع، فله الجنة. وخمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة تقتطع بها مالاً بغير حق». وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: إن الرجل ليقتل يوم القيامة ألف قتلة. قال أبو زرعة: بضروب ما قتل. وأخرج ابن شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله للدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مسلم بغير حق». وأخرج النسائي والنحاس عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم». وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو قال: قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا». وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن بريدة عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا». وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال: لا يزل الرجل في فسحة من دينه ما نقيت كفه من الدم، فإذا أغمس يده في الدم الحرام نزع حياؤه. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني. قال: لمَ قتلته؟ فيقول لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: يا رب قتلني هذا. فيقول الله: لمَ قتلت هذا؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست له، بؤ بإثمه». وأخرجه ابن أبي شيبة عن عمرو بن شرحبيل. موقوفاً. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: يجلس المقتول يوم القيامة، فإذا مر الذي قتله قام فأخذه، فينطلق فيقول: يا رب سله لمَ قتلني؟ فيقول: فيم قتلته؟ فيقول: أمرني فلان، فيعذب القاتل والآمر. وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله جميعاً في النار». وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن البراء بن عازب. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن، ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار». وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: «قتل بالمدينة قتيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم من قتله، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: أيها الناس قتل قتيل وأنا فيكم ولا نعلم من قتله، ولو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء». وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن جندب البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم، أن يهرقه كلما تعرض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه». وأخرج الأصبهاني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلح». وأخرج الأصبهاني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لأكبَّهم الله على مناخرهم في النار، وأن الله حرم الجنة على القاتل والآمر». وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن رجل من الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قسمت النار سبعين جزءاً. للآمر تسعة وستين، وللقاتل جزءاً». وأخرج البيهقي عن محمد بن عجلان قال: كنت بالإسكندرية فحضرت رجلاً الوفاة لم نرَ من خلق الله أحداً كان أخشى لله منه، فكنا نلقنه فيقبل كلما لقناه من سبحان الله والحمد لله، فإذا جاءت لا إله إلا الله أبى، فقلنا له: ما رأينا من خلق الله أحداً كان أخشى لله منك، فنلقنك فتلقن حتى إذا جاءت لا إله إلا الله أبيت؟! قال: إنه حيل بيني وبينها، وذلك أني قتلت نفساً في شبيبتي. وأخرج ابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن عقبة بن عامر. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئاً لم يتند بدم حرام إلا أدخل الجنة، من أي أبواب الجنة شاء». وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري قال: كنت جالساً عند سالم بن عبد الله في نفر من أهل المدينة، فقال رجل: ضرب الأمير آنفاً رجلاً أسواطاً فمات. فقال سالم: عاب الله على موسى عليه السلام في نفس كافر قتلها. وأخرج البيهقي عن شهر بن حوشب. أن أعرابياً أتى أبا ذر فقال: إنه قتل حاج بيت الله ظالماً فهل له من مخرج؟ فقال له أبو ذر: ويحك... ! أحي والداك؟ قال: لا. قال: فأحدهما؟ قال: لا. قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك، وما أجد لك مخرجاً إلا في إحدى ثلاث. قال: وما هن؟ قال: هل تستطيع أن تحييه كما قتلته؟ قال: لا والله! قال: فهل تستطيع أن لا تموت؟ قال: لا والله ما من الموت بد، فما الثالثة؟ قال: هل تستطيع أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء؟ فقام الرجل وله صراخ، فلقيه أبو هريرة فسأله فقال: ويحك... ! حيان والداك؟ قال: لا. قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك، ولكن اغز في سبيل الله وتَعَرَّضْ للشهادة فعسى.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لحق ناس من المسلمين رجلاً معه غنيمة له فقال: السلام عليكم. فقتلوه وأخذوا غنيمته، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} إلى قوله: {عرض الحياة الدنيا} قال: تلك الغنيمة. قال: قرأ ابن عباس {السلام}. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والترمذي وحسنه وعبد بن حميد وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنماً له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوّذ منا، فعمدوا له فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم...} الآية». وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أضم، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم الحرث بن ربعي أبو قتادة، ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له، معه متيع له وقطب من لبن، فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه، فقتله وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا...} الآية». وأخرج ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبغوي في معجمه من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه نحوه، وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقتلته بعدما قال: آمنت بالله؟!فنزل القرآن». وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثاً، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال: «لا غفر الله لك». فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له فقال: «إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم»، ثم طرحوه في جبل وألقوا عليه الحجارة، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم...} الآية. واخرج البزار والدارقطني في الأفراد والطبراني عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فأهوى إليه المقداد فقتله. فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله؟! والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله إن رجلاً شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد. فقال: «ادعوا إليَّ المقداد، فقال: يا مقداد أقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله، فكيف لك بلا إله إلا الله غداً؟» فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} إلى قوله: {كذلك كنتم من قبل} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد: «كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فاظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل». وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر قال: أنزلت هذه الآية {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} في مرداس. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يتكلم بالإسلام، ويؤمن بالله والرسول، ويكون في قومه، فإذا جاءت سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بها حيه- يعني قومه- وأمام الرجل لا يخاف المؤمنين من أجل أنه على دينهم، حتى يلقاهم فيلقي إليهم السلام، فيقولون: لست مؤمناً وقد ألقى السلم فيقتلونه، فقال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} إلى {تبتغون عرض الحياة الدنيا} يعني تقتلونه إرادة أن يحل لكم ماله الذي وجدتم معه، وذلك عرض الحياة الدنيا فإن عندي مغانم كثيرة، والتمسوا من فضل الله. وهو رجل اسمه مرداس خلى قومه هاربين من خيل بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليها رجل من بني ليث اسمه قليب حتى إذا وصلت الخيل سلّم عليهم فقتلوه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بديته، ورد إليهم ماله، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} قال: هذا الحديث في شأن مرداس، رجل من غطفان ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً عليهم غالب الليثي إلى أهل فدك، وبه ناس من غطفان، وكان مرداس منهم. ففر أصحابه فقال مرداس: إني مؤمن وعلى متبعكم. فصبحته الخيل غدوة، فلما لقوه سلم عليهم مرداس، فتلقاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوه، وأخذوا ما كان معه من متاع، فأنزل الله في شأنه {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} لأن تحية المسلمين السلام، بها يتعارفون، وبها يحيي بعضهم بعضاً. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله...} الآية. قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها أسامة بن زيد إلى بني ضمرة، فلقوا رجلاً منهم يدعى مرداس بن نهيك معه غنم له وجمل أحمر، فلما رآهم أوى إلى كهف جبل واتبعه أسامة، فلما بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه ثم أقبل إليهم فقال: السلام عليكم، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشد عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة أحب أن يثني عليه خير ويسأل عنه أصحابه، فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدثون النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: يا رسول الله لو رأيت أسامة ولقيه رجل فقال الرجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشد عليه فقتله وهو معرض عنهم، فلما أكثروا عليه رفع رأسه إلى أسامة فقال: «كيف أنت ولا إله إلا الله؟» فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذاً تعوذ بها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلا شققت عن قلبه فنظرت إليه... !» فأنزل الله خبر هذا، وأخبر إنما قتله من أجل جمله وغنمه، فذلك حين يقول {تبتغون عرض الحياة الدنيا} فلما بلغ {فمن الله عليكم} يقول: فتاب الله عليكم، فحلف أسامة أن لا يقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله بعد ذلك الرجل، وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الحسن أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبوا يتطرقون، فلقوا أناساً من العدو فحملوا عليهم فهزموهم، فشد رجل منهم فتبعه رجل يريد متاع، فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم، إني مسلم. فأوجره السنان فقتله وأخذ متيعه، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقاتل: «أقتلته بعد أن قال إني مسلم؟!» يا رسول الله إنما قالها متعوّذاً. قال: «أفلا شققت عن قلبه؟» قال: لمَ يا رسول الله؟ قال: «لتعلم أصادق هو أو كاذب!» قال: وكنت عالم ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما كان يعبر عنه لسانه، إنما كان يعبر عنه لسانه». قال: فما لبث القاتل أن مات، فحفر له أصحابه، فأصبح وقد وضعته الأرض، ثم عادوا فحفروا له، فأصبح وقد وضعته الأرض إلى جنب قبره. قال الحسن: فلا أدري كم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كم دفناه، مرتين أو ثلاثة، كل ذلك لا تقبله الأرض، فلما رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجليه فألقيناه في بعض تلك الشعاب، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا} أهل الإسلام إلى آخر الآية. قال الحسن: أما والله ما ذاك أن تكون الأرض تجن من هو شر منه، ولكن وعظ الله القوم أن لا يعودوا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن قتادة في قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} قال: «بلغني أن رجلاً من المسلمين أغار على رجل من المشركين، فحمل عليه فقال له المشرك: إني مسلم أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله المسلم بعد أن قالها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال للذي قتله: أقتله وقد قال لا إله إلا الله؟! فقال وهو يعتذر: يا نبي الله إنما قال متعوّذاً وليس كذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا شققت عن قلبه! ثم مات قاتل الرجل فقبر، فلفظته الأرض، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يقبروه، ثم لفظته حتى فعل ذلك به ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأرض أبت أن تقبله فألقوه في غار من الغيران. قال معمر: وقال بعضهم: إن الأرض تقبل من هو شر منه، ولكن الله جعله لكم عبرة». وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى عن مسروق. أن قوماً من المسلمين لقوا رجلاً من المشركين ومعه غنيمة له، فقال: السلام عليكم، إني مؤمن. فظنوا أنه يتعوّذ بذلك فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا} تلك الغنيمة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «خرج المقداد بن الأسود في سرية بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمروا برجل فيه غنيمة له، فقال: إني مسالم. فقتله ابن الأسود، فلما قدموا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا} قال: الغنيمة». وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: نزل ذلك في رجل قتله أبو الدرداء، فذكر من قصة أبي الدرداء نحو القصة التي ذكرت عن أسامة بن زيد، ونزل القرآن {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ} فقرأ. .. حتى بلغ إلى قوله: {إن الله كان بما تعلمون خبيراً}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} قال: راعي غنم لقيه نفر من المؤمنين فقتلوه وأخذوا ما معه، ولم يقبلوا منه السلام عليكم إني مؤمن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} قال: حرم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد أن لا إله إلا الله لست مؤمناً كما حرم عليهم الميتة، فهو آمن على ماله ودمه، فلا تردوا عليه قوله. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي رجاء والحسن. أنهما كانا يقرآن «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم» بكسر السين. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد وأبي عبد الرحمن السلمي. أنهما كانا يقرآن {لمن ألقى إليكم السلام}. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {كذلك كنتم من قبل} قال: تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه. وفي لفظ: تكتمون إيمانكم من المشركين {فمنّ الله عليكم} فأظهر الإسلام، فاعلنتم إيمانكم {فتبينوا} قال: وعيد من الله مرتين. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {كذلك كنتم من قبل} قال: كنتم كفاراً حتى منّ الله عليكم بالإسلام وهداكم له. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسروق {كذلك كنتم من قبل} لم تكونوا مؤمنين. وأخرج عبد بن حميد عن النعمان بن سالم أنه كان يقول: نزلت في رجل من هذيل. وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {فتبينوا} بالياء. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال لا إله إلا الله وقتلته؟! قلت: يا رسول الله إنما قالها فرقاً من السلاح. قال: ألا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها أم لا.. ! فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يؤمئذ». وأخرج ابن سعد عن جعفر بن برقان قال: حدثنا الحضرمي رجل من أهل اليمامة قال: «بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة بن زيد على جيش. قال أسامة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أحدثه فقلت: فلما انهزم القوم أدركت رجلاً فأهويت إليه بالرمح، فقال: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ويحك يا أسامة.. ! فكيف لك بلا إله إلا الله؟ ويحك يا أسامة.. ! فكيف لك بلا إله إلا الله؟ فلم يزل يرددها علي حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته واستقبلت الإسلام يومئذ جديداً، فلا والله أقاتل أحداً قال لا إله إلا الله بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم». وأخرج ابن سعد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً. فقال سعد بن مالك: وأنا- والله- لا أقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً. فقال لهما رجل: ألم يقل الله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [ البقرة: 193] فقالا: قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن عقبة بن مالك الليثي قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فغارت على قوم، فأتبعه رجل من السرية شاهراً فقال الشاذ من القوم: إني مسلم، فلم ينظر فيما قال فضربه فقتله، فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال فيه قولاً شديداً، فبلغ القاتل. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوّذاً من القتل. فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته ثم قال أيضاً: يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوّذاً من القتل. فأعرض عنه وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته ثم لم يصبر فقال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوّذاً من القتل. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه فقال: إن الله أبى عليّ لمن قتل مؤمناً ثلاث مراراً». وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن المقداد بن الأسود قال: قلت «يا رسول الله أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين بضربتين فقطع يدي، فلما علوته بالسيف قال: لا إله إلا الله أضربه أم أدعه؟ قال: بل دعه. قلت: قطع يدي! قال: إن ضربته بعد أن قالها فهو مثلك قبل أن تقتله، وأنت مثله قبل أن يقولها». وأخرج الطبراني عن جندب البجلي قال: «إني لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه بشير من سريته، فأخبره بالنصر الذي نصر الله سريته، وبفتح الله الذي فتح لهم. قال: يا رسول الله بينا نحن نطلب القوم وقد هزمهم الله تعالى، إذ لحقت رجلاً بالسيف، فلما خشي أن السيف واقعه، وهو يسعى ويقول: إني مسلم، إني مسلم. قال: فقتلته...؟ فقال: يا رسول الله إنما تعوّذ. فقال: فهلا شققت عن قلبه فنظرت أصادق هو أم كاذب؟! فقال: لو شققت عن قلبه ما كان علمي هل قلبه إلا مضغة من لحم! قال: لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدقت قال: يا رسول الله استغفر لي. قال: لا أستغفر لك. فمات ذلك الرجل، فدفنوه فأصبح على وجه الأرض، ثم دفنوه فأصبح على وجه الأرض ثلاث مرات، فلما رأوا ذلك استحيوا وخزوا مما لقي، فاحتملوه فألقوه في شعب من تلك الشعاب».