Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 12
الربع رقم 1
quran-border  قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون قال رب اني لا املك الا نفسي واخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فانها محرمة عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض فلا تاس على القوم الفاسقين واتل عليهم نبا ابني ادم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الاخر قال لاقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخاف الله رب العالمين اني اريد ان تبوء باثمي واثمك فتكون من اصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوءة اخيه قال يا ويلتا اعجزت ان اكون مثل هذا الغراب فاواري سوءة اخي فاصبح من النادمين
Page Number

1

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} أخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن انس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر، ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: «لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك». وأخرج أحمد وابن مردويه عن عتبة بن عبد السلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه «ألا تقاتلون؟ قالوا: نعم. ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون». وأخرج أحمد عن طارق بن شهاب أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر «يا رسول الله، إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون». وأخرج البخاري والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: «لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إليَّ مما عدل به، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين قال: والله يا رسول الله، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك». وأخرج ابن جريرعن قتادة قال: «ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد المشركون الهدي وحيل بينهم وبين مناسكهم! إني ذاهب بالهدي فناحره عند البيت. فقال المقداد بن الأسود: اما والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}».

{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)} أخرج ابن جرير عن السدي قال: غضب موسى عليه السلام حين قال له القوم: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} فدعا عليهم فقال: {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} وكان عجلة من موسى عجلها، فلما ضرب عليهم التيه ندم موسى، فلما ندم أوحى الله إليه {فلا تأس على القوم الفاسقين} [ المائدة: 26] لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} يقول: افصل بيننا وبينهم.

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)} أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {فإنها محرمة عليهم} قال: أبداً. وفي قوله: {يتيهون في الأرض} قال: أربعين سنة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم بعثوا اثني عشر رجلاً، من كل سبط رجلاً عيوناً ليأتوهم بأمر القوم، فأما عشرة فجبنوا قومهم وكرهوا إليهم الدخول، وأما يوشع بن نون وصاحبه فأمرا بالدخول واستقاما على أمر الله ورغبا قومهم في ذلك، وأخبراهم في ذلك أنهم غالبون حتى بلغ {ههنا قاعدون}. قال: لما جبن القوم عن عدوّهم وتركوا أمر ربهم قال الله: {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة} إنما يشربون ماء الاطواء، لا يهبطون قرية ولا مصراً، ولا يهتدون لها ولا يقدرون على ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: حرمت عليهم القرى، فكانوا لا يهبطون قرية ولا يقدرون على ذلك، إنما يتبعون الاطواء أربعين سنة، والاطواء الركايا، وذكر لنا أن موسى توفي في الأربعين سنة، وأنه لم يدخل بيت المقدس منهم إلا أبناؤهم والرجلان اللذان قالا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تاهوا أربعين سنة، فهلك موسى وهرون في التيه، وكل من جاوز الأربعين سنة، فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى، وهو الذي قيل له اليوم يوم الجمعة فهموا بافتتاحها، فدنت الشمس للغروب، فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا، فنادى الشمس: إني مأمور وإنك مأمورة. فوقفت حتى افتتحها، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط، فقربوه إلى النار فلم تأتِ فقال: فيكم الغلول، فدعا رؤوس الاسباط وهم اثنا عشر رجلاً فبايعهم، فالتصقت يد رجل منهم بيده فقال: الغلول عندك، فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب، لها عينان من ياقوت، وأسنان من لؤلؤ، فوضعا مع القربان، فأتت النار فأكلتها. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة، يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في تيههم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إن بني إسرائيل لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض، شكوا إلى موسى فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إن الله سيأتكم بما تأكلون. قالوا: من أين؟ قال: إن الله سينزل عليكم خبزاً مخبوزاً. فكان ينزل عليهم المنّ وهو خبز الرقاق ومثل الذرة. قالوا: وما نَأْتَدِمُ، وهل بُدِّلْنَا من لحم؟ قال: فإن الله يأتيكم به. قالوا: من أين؟ فكانت الريح تأتيهم بالسلوى، وهو طير سمين مثل الحمام. فقالوا: فما نلبس؟ قال: لا يخلق لأحدكم ثوب أربعين سنة. قالوا: فما نحتذي؟ قال: لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة. قالوا: فإنه يولد فينا أولاد صغار فما نكسوهم؟ قال: الثوب الصغير يشب معه. قالوا: فمن أين لنا الماء؟ قال: يأتيكم به الله. فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر قالوا: فما نبصر تغشانا الظلمة، فضرب له عموداً من نور في وسط عسكره أضاء عسكره كله. قالوا: فبم نستظل؟ الشمس علينا شديدة، قال: يظلكم الله تعالى بالغمام. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: ظلل عليهم الغمام في التيه قدر خمسة فراسخ أو ستة، كلما أصبحوا ساروا غادين، فإذا امسوا إذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه، فكانوا كذلك أربعين سنة، وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى ولا تبلى ثيابهم، ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تذوب. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاوس قال: كانت بنو إسرائيل إذا كانوا في تيهم تشب معهم ثيابهم إذا شبوا. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: لما استسقى موسى لقومه أوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فقال لهم موسى: ردوا معشر الحمير. فأوحى الله إليه: قلت لعبادي معشر الحمير، وإني قد حرمت عليكم الأرض المقدسة؟. قال: يا رب فاجعل قبري منها قذفة حجر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو رأيتم قبر موسى لرأيتموه من الأرض المقدسة قذفة بحجر». وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لما استسقى لقومه فسقوا قال: اشربوا يا حمير. فنهاه عن ذلك، وقال: لا تدعُ عبادي يا حمير. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {فلا تأس} قال: لا تحزن. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ان نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {فلا تَأْسَ} قال: لا تحزن. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت امرؤ القيس وهو يقول: وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم *** يقولون لا تهلك أسى وتجمَّل وأخرج عبد الرزاق في المصنف والحاكم وصححه عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن نبياً من الأنبياء قاتل أهل مدينة، حتى إذا كاد أن يفتحها خشي أن تغرب الشمس فقال: أيتها الشمس إنك مأمورة وأنا مأمور، بحرمتي عليك إلا وقفت ساعة من النهار. قال: فحبسها الله تعالى حتى افتتح المدينة، وكانوا إذا أصابوا الغنائم قربوها في القربان فجاءت النار فأكلتها، فلما أصابوا وضعوا القربان فلم تجئ النار تأكله. فقالوا: يا نبي الله، ما لنا لا يقبل قرباننا؟! قال: فيكم غلول. قالوا: وكيف لنا أن نعلم من عنده الغلول؟ قال: وهم اثنا عشر سبطاً قال: يبايعني رأس كل سبط منكم، فبايعه رأس كل سبط، فلزقت كفه بكف رجل منهم فقالوا له: عندك الغلول. فقال: كيف لي أن أعلم؟ قال تدعو سبطك فتبايعهم رجلاً رجلاً، ففعل، فلزقت كفه بكف رجل منهم قال: عندك الغلول. قال: نعم، عندي الغلول. قال: وماهو؟ قال: رأس ثور من ذهب أعجبني فغللته، فجاء به فوضعه في الغنائم، فجاءت النار فأكلته» ، فقال كعب: صدق الله ورسوله هكذا، والله في كتاب الله يعني في التوراة، ثم قال: يا أبا هريرة، أحدثكم النبي صلى الله عليه وسلم أي نبي كان؟ قال: هو يوشع بن نون. قال: فحدثكم أي قرية؟ قال: هي مدينة أريحاء، وفي رواية عبد الرزاق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تحل الغنيمة لأحد قبلنا، وذلك أن الله رأى ضعفنا فطيبها لنا، وزعموا أن الشمس لم تحبس لأحد قبله ولا بعده».

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)} أخرج ابن جرير عن ابن مسعود عن ناس من الصحابة. أنه كان لا يولد لآدم مولود ألا ولد معه جارية، فكان يزوّج غلام هذا البطن لجارية البطن الآخر، ويزوّج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل، وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال: هي اختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوّج بها. فأمره أبوه أن يتزوّجها هابيل فأبى، وإنهما قَرَّبَا قرباناً إلى الله أيهما أحق بالجارية، وكان آدم قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها، فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت، وقال للأرض فأبت، وقال للجبال فأبت، فقال لقابيل فقال: نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك. فلما انطلق آدم قربا قرباناً، وكان قابيل يفخر عليه فقال: أنا أحق بها منك، هي أختي وأنا أكبر منك وأنا وصي والدي، فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي. فقال هابيل {إنما يتقبل الله من المتقين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إثم قتلي إلى إثمك الذي في عنقك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر بسند جيد عن ابن عباس قال: نهى أن ينكح المرأة أخاها توأمها، وأن ينكحها غيره من اخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وأخرى قبيحة ذميمة، فقال أخو الذميمة: انكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا، أنا أحق بأختي، فقربا قرباناً، فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض وصاحب الزرع بصبرة من طعام، فتقبل من صاحب الكبش فخزنه الله في الجنة أربعين خريفاً وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم، ولم يقبل من صاحب الزرع، فبنو آدم كلهم من ذلك الكافر. وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر في تاريخه من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولداً، عشرون غلاماً وعشرون جارية، فكان ممن عاش منهم هابيل، وقابيل، وصالح، وعبد الرحمن، والذي كان سماه عبد الحارث، وود، وكان يقال له شيث، ويقال له هبة الله، وكان اخوته قد سودوه، وولد له سواع، ويغوث، ونسر، وإن الله أمره أن يفرق بينهم في النكاح، ويزوج أخت هذا من هذا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان من شأن ابني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا: لو قربنا قرباناً، وكان أحدهما راعياً والآخر حراثاً، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه واسمنها، وقرب الآخر بعض زرعه، فجاءت النار فنزلت فأكلت الشاة وتركت الزرع، وإن ابن آدم قال لأخيه: أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قرباناً فتقبل منك وردَّ عليَّ؟ فلا والله لا ينظر الناس إليّ وإليك وأنت خير مني، فقال: لأقتلنك. فقال له أخوه: ما ذنبي {إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} لا أنا مستنصر ولأمسكن يدي عنك. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: إن ابني آدم اللذين قربا قرباناً، كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، وأنهما أُمِرَا أن يُقَرِّبَا قرباناً وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه، وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه الكردن والزوان غير طيبة بها نفسه، وإن الله تقبل قربان صاحب الغنم ولم يقبل قربان صاحب الحرث، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه، وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكنه منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم} قال: هابيل وقابيل لصلب آدم، قرب هابيل عناقاً من أحسن غنمه وقرب قابيل زرعاً من زرعه، فتقبل من صاحب الشاة، فقال لصاحبه: لأقتلنك... ! فقتله. فعقل الله إحدى رجليه بساقه إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة، وجعل وجهه إلى اليمن، حيث دارت عليه حظيرة من ثلج في الشتاء، وعليه في الصيف حظيرة من نار، ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} قال: كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل وكان أوّل من مات. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: لأن استيقن ان الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن علي بن أبي طالب قال: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟... وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز. أنه كتب إلى رجل: أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا عليها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل. وأخرج ابن أبي الدنيا عن يزيد العيص: سألت موسى بن أعين عن قوله عز وجل {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين. وأخرج ابن أبي الدنيا عن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون اعلم أن الله يقبل مني مثقال حبة من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، فإن الله يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}. وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا عن قتادة قال: قال عامر بن عبد قيس آية في القرآن أحب إليّ من الدنيا جميعاً أن أعطاه أن يجعلني الله من المتقين، فإنه قال: {إنما يتقبل الله من المتقين}. وأخرج ابن أبي الدنيا، عن همام بن يحيى قال: بكى عامر بن عبد الله عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله. فقيل له: أيّة آية؟! قال: {إنما يتقبل الله من المتقين}. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه». وأخرج ابن أبي شيبة عن ثابت قال: كان مطرف يقول: اللهم تقبَّل مني صيام يوم، اللهم اكتب لي حسنة، ثم يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في قوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: الذين يتقون الشرك. وأخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال: دخل سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: اعطه ديناراً فاعطاه، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ {إنما يتقبل الله من المتقين}.

{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)} وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {لئن بسطت إلي يدك...} الآية. قال: كان كتب عليهم إذا أراد الرجل رجلاً تركه ولا يمتنع منه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية. قال: كانت بنو إسرائيل كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لا يمتنع عنه حتى يقتله أو يدعه، فذلك قوله: {لئن بسطت} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} قال: بقتلك إياي {وإثمك} قال: بما كان منك قبل ذلك. وأخرج عن قتادة والضحاك. مثله. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} قال: ترجع بإثمي وإثمك الذي عملت فتستوجب النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول: من كان كاره عيشه فليأتنا *** يلقى المنية أو يبوء عناء وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إليّ يده ليقتلني؟ قال: كن كابن آدم، وتلا {لئن بسطت إلىّ يدك لتقتلني} الآية». وأخرج أحمد ومسلم والحاكم عن أبي ذر قال: «ركب النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وأردفني خلفه فقال: يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: تعفف يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: اصبر يا أبا ذر. قال: أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: اقعد في بيتك واغلق بابك. قلت: فإن لم أترك؟ قال: فائت من أنق منهم فكن فيهم. قلت: فآخذ سلاحي؟ قال: إذن تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروّعك شعاع السيف فالق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار». وأخرج البيهقي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اكسروا سيفكم يعني في الفتنة، واقطعوا أوتاركم، والزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم». وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال: لئن اقتتلتم لأنتظرن أقصى بيت في داري فلألجنَّه فلئن دخل عليَّ فلأقولن: ها بؤ بإثمي وإثمك كخير ابني آدم. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي نضرة قال: دخل أبو سعيد الخدري يوم الحرة غاراً، فدخل عليه الغار رجل ومع أبي سعيد السيف، فوضعه أبو سعيد وقال: بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار، ولفظ ابن سعد وقال: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار} قال أبو سعيد الخدري: أنت...؟! قال: نعم. قال: فاستغفر لي. قال: غفر الله لك. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ابني آدم ضربا مثلاً لهذه الأمة فخذوا بالخير منهما». وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس ألا إن ابني آدم ضربا لكم مثلاً، فتشبهوا بخيرهما ولا تتشبهوا بشرهما». وأخرج ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلاً، فخذوا خيرهما ودعوا شرهما؟.. قال بلى». وأخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها، فإذا نزلت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه. فقيل: أرأيت يا رسول الله إن لم يكن له ذلك؟ قال: فليأخذ حجراً فليدق به على حد سيفه، ثم لينج إن استطاع النجاة، اللهم هل بلغت ثلاثاً. فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، فيرميني رجل بسهم أو يضربني بسيف فيقتلني؟ قال يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار. قالها ثلاثاً». وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة أنه قيل له: ما تأمرنا إذا قتل المصلون؟ قال: آمرك أن تنظر أقصى بيت في دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك فتقول له: بُؤْ بإثمي وإثمك فتكون كابن آدم. وأخرج أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خالد إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل». وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع خير من القاعد، والقاعد خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قتلاها كلها في النار. قال: يا رسول الله، فيم تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: ادخل بيتك. قلت: أفرأيت إن دخل عليَّ؟ قال: قل بؤ بإثمي وإثمك، وكن عبد الله المقتول». وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن الأوزاعي قال: من قتل مظلوماً كفَّر الله كل ذنب عنه، وذلك في القرآن {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك}. وأخرج ابن سعد عن خباب بن الأرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل». وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعجز أحدكم أتاه الرجل أن يقتله أن يقول هكذا، وقال بإحدى يديه على الأخرى، فيكون كالخير من ابني آدم، وإذا هو في الجنة وإذا هو في الجنة وإذا قاتله في النار».

5:28

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)} أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} قال: زيَّنت له نفسه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} ليقتله، فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يوماً من الأيام وهو يرعى غنماً له وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء ولا يدري كيف يدفن، فبعث الله غرابين أخوين، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثا عليه التراب، فلما رآه قال: يا ويلتا، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: ابن آدم الذي قتل أخاه لم يدر كيف يقتله، فتمثل له إبليس في صورة طير، فأخذ طيراً فوضع رأسه بين حجرين، فشدخ رأسه فعلمه القتل. وأخرج عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير عن خيثمة قال: لما قتل ابن آدم أخاه شفت الأرض دمه، فلعنت، فلم تشف الأرض دماً بعد. وأخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بدمشق جبل يقال له قاسيون فيه قتل ابن آدم أخاه». وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن خبير الشعباني قال: كنت مع كعب الأحبار على جبل دير المران، فرأى لجة سائلة في الجبل، فقال: هاهنا قتل ابن آدم أخاه، وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين. وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن كعب قال: إن الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم. وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: إن الأرض نشفت دم ابن آدم المقتول فلعن ابن آدم الأرض، فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دماً بعد دم هابيل إلى يوم القيامة. وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن عبد الرحمن بن فضالة قال: لما قتل قابيل هابيل مسح الله عقله، وخلع فؤاده، تائها حتى مات. قوله تعالى: {فأصبح من الخاسرين}. أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل». وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم قاتل الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل». وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشقى الناس رجلاً لابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء وذلك أنه أول من سن القتل. وأخرج الطبراني عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشقى الناس ثلاثة: عاقر ناقة ثمود، وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لأنه أول من سن القتل». وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو قال إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم. وأخرج ابن أبي الدنيا كتاب من عاش بعد الموت من طريق عبد الله بن دينار عن أبي أيوب اليماني عن رجل من قومه يقال له عبد الله، أنه ونفراً من قومه ركبوا البحر وإن البحر أظلم عليهم أياماً، ثم انجلت عنهم تلك الظلمة وهم قرب قرية. قال عبد الله: فخرجت ألتمس الماء وإذا أبواب مغلقة تجأجأ فيها الريح فهتفت فيها فلم يجبني أحد فبينا أنا على ذلك إذ طلع عليَّ فارسان، فسألا عن أمري فأخبرتهما الذي أصابنا في البحر وأني خرجت أطلب الماء، فقالا لي: اسلك في هذه السكة فإنك ستنتهي إلى بركة فيها ماء فاستق منها ولا يهولنك ما ترى فيها. فسألتهما عن تلك البيوت المغلقة التي تجأجئ فيها الريح، فقالا: هذه بيوت أرواح الموتى، فخرجت حتى انتهيت إلى البركة فإذا فيها رجل معلق منكوس على رأسه، يريد أن يتناول الماء بيده فلا يناله، فلما رآني هتف بي وقال: يا عبد الله، اسقني فغرفت بالقدح لأناوله فقبضت يدي فقلت: أخبرني من أنت؟ فقال: أنا ابن آدم أول من سفك دماً في الأرض.

{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية قال: لما قتله ندم، ضمه إليه حتى أروح، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به آدم فيحزنه، فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر وهو ينظر إليه، ثم حفر به بمنقاره وبرجليه حتى مكَّن له، ثم دفعه برأسه حتى ألقاه في الحفرة، ثم بحث عليه برجليه حتى واراه، فلما رأى ما صنع الغراب {قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: بعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر ثم جعل يحثو عليه التراب حتى واراه، فقال ابن آدم القاتل: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: جاء غراب إلى غراب ميت، فحثا عليه التراب حتى واراه، فقال الذي قتل أخاه {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة، حتى بعث الله الغرابين، فرآهما يبحثان فقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} فدفن أخاه. وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قال: ان آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر، مكث مائة عام لا يضحك حزناً عليه، فأتى على رأس المائة فقيل له: حياك الله وبياك وبشر بغلام، فعند ذلك ضحك. وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قتل ابن آدم، بكى آدم فقال: تغيرت البلاد ومن عليها *** فلون الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي لون وطعم *** وقل بشاشة الوجه المليح فأجيب آدم عليه السلام: أبا هابيل قد قتلا جميعاً *** وصار الحي بالميت الذبيح وجاء بشره قد كان منه *** على خوف فجاء بها يصيح وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه الصلاة والسلام: تغيرت البلاد ومن عليها *** فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي لون وطعم *** وقل بشاشة الوجه الصبيح قتل قابيل هابيلاً أخاه *** فوا حزناً مضى الوجه المليح فأجابه إبليس عليه اللعنة: تنح عن البلاد وساكنيها *** فبي في الخلد ضاق بك الفسيح وكنت بها وزوجك في رخاء *** وقلبك من أذى الدنيا مريح فما انفكت مكايدتي ومكري *** إلى أن فاتك الثمن الربيح