Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 18
الربع رقم 3
quran-border  اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم اذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين امنوا سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب ذلكم فذوقوه وان للكافرين عذاب النار يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير
Page Number

1

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو عوانة وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم مد يده وجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله تعالى {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}. فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً رضي الله عنهم؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قلت: ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه حتى يعلم الله تعالى أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر رضي الله عنه: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وهما يبكيان. فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما...؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي عرض على أصحابك من أخذ الفداء قد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة الشجرة قريبة»، وأنزل الله تعالى {ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [ الأنفال: 67] إلى قوله: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم} من الفداء ثم أحل لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه. فأنزل الله تعالى {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [ آل عمران: 165] بأخذكم الفداء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالصوت فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد خطم وشق وجهه كضربة السوط، فاحضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقت، ذاك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين». وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: نزل جبريل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة رضي الله عنه «أن رسول الله قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب». وأخرج سنيد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: ما أمد النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله تعالى في الأنفال، وما ذكر الثلاثة آلاف أو الخمسة آلاف إلا بشرى، ثم أمدوا بالألف ما أمدوا بأكثر منه. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه وكان من أهل بدر قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال «من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة». وأخرج أبو الشيخ عن عطية بن قيس رضي الله عنه قال: وقف جبريل عليه السلام على فرس أخضر أنثى قد علاه الغبار، وبيد جبريل عليه السلام رمح وعليه درع فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك فأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى فهل رضيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مردفين} يقال: المدد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مردفين} يقال: المدد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مردفين} قال: وراء كل ملك ملك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه قال: كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين فكانوا أربعة آلاف، وهم مدد المسلمين في ثغورهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {مردفين} قال: ممدين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {مردفين} قال: متتابعين، أمدهم الله تعالى بألف، ثم بثلاثة، ثم أكملهم خمسة آلاف {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم} قال: يعني نزول الملائكة عليهم السلام قال: وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال: أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة عليهم السلام كانوا معنا، وأما بعد ذلك فالله أعلم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه {مردفين} قال: بعضهم على أثر بعض. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما جعله الله إلا بشرى} قال: إنما جعلهم الله يستبشر بهم.

8:9

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)} أخرج أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت الشجرة حتى أصبح. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه في قوله: {إذ يغشاكم النعاس أمنة منه} قال: بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر، فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أمنة} قال: أمنا من الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: النعاس في الرأس، والنوم في القلب. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: كان النعاس أمنة من الله، وكان النعاس نعاسين. نعاس يوم بدر، ونعاس يوم أحد. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} قال: طس كان يوم بدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} قال: المطر: أنزله عليهم قبل النعاس فاطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهساً، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فكانت بينهم رمال، فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال: أتزعمون أن فيكم نبياً وإنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {رجز الشيطان} قال: وسوسته. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وليربط على قلوبكم} قال: بالصبر {ويثبت به الأقدام} قال: كان ببطن الوادي دهاس، فلما مطر اشتد الرملة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {ويثبت به الأقدام} قال: حتى يشتد على الرمل، وهو وجه الأرض. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة ليلة بدر، ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد، وأصابهم تلك الليلة مطر شديد، فذلك قوله: {ويثبت به الأقدام}.

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)} أخرج ابن أبي حاتم أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد المغبري فيما كتب إلي قال: سمعت أبا سعيد أحمد بن داود الحداد يقول: إنه لم يقل الله لشيء أنه معه إلا للملائكة يوم بدر. قال: إني معكم بالنصر. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين؟ فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن فقال لهم: أتزعمون أن فيكم النبي صلى الله عليه وسلم وإنكم أولياء الله وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين؟ حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت أقدامهم، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث الله المطر عليها فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام، ونفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، منهم سبعون ومائتان من الأنصار وسائرهم من المهاجرين، وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة لكبر سنه. فقال عتبة: يا معشر قريش إني لكم ناصح وعليكم مشفق لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم، وقد بلغتم الذي تريدون وقد نجا أبو سفيان فارجعوا وأنتم سالمون، فإن يكن محمد صادقاً فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يك كاذباً فأنتم أحق من حقن دمه. فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له: قد امتلأت أحشاؤك رعباً. فقال له عتبة: سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه. فنزل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا: ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم. فقام غلمة من بني الخزرج فاجلسهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم- والنبي منكم- غلمة بني الخزرج؟ فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، فمشوا إليهم في الحديد فقال عتبة: تكلموا نعرفكم، فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلكم. فقال حمزة رضي الله عنه: أنا أسد الله وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له عتبة: كفء كريم. فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله، ثم قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة فاختلفا ضربتين فضربه علي رضي الله عنه فقتله، ثم قام عبيدة فخرج إليه عتبة فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه، وكر حمزة على عتبة فقتله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال» اللهم ربنا أَنْزَلْتَ عليَّ الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد «فأتاه جبريل عليه السلام، فأنزل عليه {ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} [ آل عمران: 124] فأوحى الله إلى الملائكة {إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} فقتل أبو جهل في تسعة وستين رجلاً، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبراً، فوفى ذلك سبعين وأسر سبعون. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس، وأوحى الله: إليهم إني معكم فثبتوا الذين آمنوا، وتثبيتهم أن الملائكة عليهم السلام تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول: ابشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمداً وأصحابه في الحبال، فلا تقتلوا وخذوهم أخذاً». وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم رافع يديه يسأل الله النصر، ويقول: اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك، ولا يقوم لك دين، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك، فأنزل الله عز وجل ألفاً من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض، فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ثم نزل على ثناياه النقع، يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته». وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة عليهم السلام ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: الرؤوس. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} قال: اضربوا الأعناق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: اضربوا الرقاب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واضربوا منهم كل بنان} قال: كل مفصل. وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله: {واضربوا منهم كل بنان} قال: أضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار. وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {واضربوا منهم كل بنان} قال: أطراف الأصابع وبلغة هذيل الجسد كله. قال: فأنشدني في كلتيهما؟ قال: نعم، أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي: فنعم فوارس الهيجاء قومي *** إذا علق الأعنة بالبنان وقال الهذلي في الجسد: لها أسد شاكي البنان مقذف *** له لبد أظفاره لم تقلم وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي داود المازني رضي الله عنه قال: بينا أنا أتبع رجلاً من المشركين يوم بدر، فاهويت إليه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه، فعرفت أن قد قتلته غيري. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} قال: ما وقعت يومئذ ضربة إلا برأس أو وجه أو مفصل.

8:12

8:12

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع رضي الله عنه أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي: الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: إن الله تعالى يقول {إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار} قال: إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: إنها كانت لأهل بدر خاصة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي نضرة رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} الآية. قال: نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لم ينحازوا إلا للمشركين. أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر، وأنا فئة لكل مسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: ذاكم يوم بدر لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: نزلت في أهل بدر خاصة، ما كان لهم أن يهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: إنما كانت يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: ذاك في يوم بدر. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: يرون أن ذلك في بدر، ألا ترى أنه يقول {ومن يولهم يومئذ دبره}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه قال: أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار. قال: ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله: {فقد باء بغضب من الله} فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: {إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم} [ آل عمران: 155] ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال: {ثم وليتم مدبرين} [ التوبة: 25]. {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} [ التوبة: 27]. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: يعني يوم بدر خاصة منهزماً {إلا متحرفاً لقتال} يعني مستطرداً يريد الكرة على المشركين {أو متحيزاً إلى فئة} يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة {فقد باء بغضب من الله} يقول: استوجب سخطاً من الله {ومأواه جهنم وبئس المصير} فهذا يوم بدر خاصة، كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين، وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: المتحرف: المتقدم في أصحابه، إنه يرى غرة من العدو فيصيبها، والمتحيز: الفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال: وإنما هذه وعيد من الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفروا، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ثبتهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال {الآن خفف الله عنكم} [ الأنفال: 66]. وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال} الآية. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الفرار من الزحف من الكبائر. وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة، فحاص الناس حيصه قلنا: كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟! فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فخرج فقال «من القوم...؟ فقلنا: نحن الفرارون. فقال: لا بل أنتم العكارون. فقبلنا يده فقال: أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين، ثم قرأ {إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة}». وأخرج ابن مردويه عن أمامة رضي الله عنها مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضىء النبي صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه، إذ دخل عليه رجل فقال: يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك. قال: «لا تفر يوم الزحف، فإنه من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير». وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من فر من اثنين فقد فر. وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار...} الآية. قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «قاتلوا كما قال الله». وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه استعاذ من سبع موتات. موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف». وأخرج أحمد عن أبي اليسر رضي الله عنه «أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات السبع يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً». وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده «أنه سمع رسول الله يقول: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف». وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثاً غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف». وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله موقوفاً، وله حكم الرفع. والله تعالى أعلم.

8:15