Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 21
الربع رقم 1
quran-border  والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم واخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده وياخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون واخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم والله عليم حكيم
Page Number

1

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} أخرج أبو عبيد وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري. أن عمر بن الخطاب قرأ «والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان» فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين، فقال له زيد بن ثابت: والذين. فقال عمر: الذين. فقال زيد: أمير المؤمنين اعلم. فقال عمر رضي الله عنه: ائتوني بأُبي بن كعب، فأتاه فسأله عن ذلك؟ فقال أبي: والذين. فقال عمر رضي الله عنه: فنعم إذن فتابع أُبيا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: مر عمر رضي الله عنه برجل يقرأ {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبي بن كعب. قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا! فقال أبي: تصديق ذلك في أول سمرة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} [ الجمعة: 3] وفي سورة الحشر {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان} [ الحشر: 10] وفي الأنفال {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} [ الأنفال: 75]. وأخرج أبو الشيخ عن أبي أسامة ومحمد بن إبراهيم التميمي قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ {والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} فوقف عمر، فلما انصرف الرجل قال: من أقرأك هذه؟ قال: أقرأنيها أبي بن كعب. قال: فانطلق إليه فانطلقا إليه فقال: يا أبا المنذر أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية. قال: صدق تلقيتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: أنت تلقيتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقال في الثالثة وهو غضبان: نعم. والله لقد أنزلها الله على جبريل عليه السلام، وأنزلها جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه. فخرج عمر رافعاً يديه وهو يقول: الله أكبر الله أكبر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى. أنه سئل عن قوله: {والسابقون الأوّلون} قالوا: هم الذين صلوا القبلتين جميعاً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن سعيد بن المسيب في قوله: {والسابقون الأولون} قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعاً. وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله: {والسابقون الأولون} قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعاً، وهم أهل بدر. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {والسابقون الأوّلون من المهاجرين} قال: أبو بكر، وعمر، وعلي، وسلمان، وعمار بن ياسر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي في قوله: {والسابقون الأولون} قال: من أدرك بيعة الرضوان، وأول من بايع بيعة الرضوان سنان بن وهب الأسدي. وأخرج ابن مردويه عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس بن مالك هذا الاسم الأنصار أنتم سميتموه أنفسكم أو الله تعالى سماكم من السماء؟ قال: الله تعالى سمانا من السماء. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله». وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية الإِيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار». وأخرج أحمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأزواج الأنصار ولذراري الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي، ولو أن الناس أخذوا شعباً وأخذت الأنصار شعباً لأخذت شعب الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار». وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحارث بن زياد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الأنصار أحبه الله حين يلقاه، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله حين يلقاه». وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم. أنه قال: «اللهمَّ صل على الأنصار، وعلى ذرية الأنصار، وعلى ذرية ذرية الأنصار». وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو سلك الناس وادياً وشعباً وسلكتم وادياً وشعباً لسلكت واديكم وشعبكم، أنتم شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ثم رفع يديه حتى اني لأرى بياض ابطيه فقال: اللهمَّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ومن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله». وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإن كرشي الأنصار، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم». وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الحي من الأنصار حبهم إيمان وبغضهم نفاق». وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهمَّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولنساء الأنصار، ولنساء أبناء الأنصار، ولنساء أبناء أبناء الأنصار». وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر». وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اغفر للأنصار، ولذراري الأنصار، ولذراري ذراريهم، ولمواليهم، ولجيرانهم». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار، موالي الله ورسوله لا مولى لهم غيره». وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر». وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله بحنين في أهل مكة من قريش وغيرهم، فغضبت الأنصار فأتاهم فقال: يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناساً أتالفهم على الإِسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله قلوبهم الإِسلام، يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإِيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله؟ ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وسلكتم وادياً لسلكت واديكم. أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم والشاء والنعم والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: رضينا. فقال: أجيبوني فيما قلت. قالوا: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك، ووجدتنا ضلالاً فهدانا الله بك. فرضينا بالله رباً، وبالإِسلام ديناً، وبمحمد نبياً. فقال: أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم، لو قلت ألم تأتنا طريداً فآويناك، ومكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وقبلنا ما رد الناس عليك، لو قلتم هذا لصدقتم. قالوا: بل لله ورسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا». وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان الناس على ثلاث منازل. المهاجرون الأولون، والذين اتبعوهم بإحسان، والذين جاؤوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان. فأحسن ما يكون أن يكون بهذه المنزلة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. أنه أتاه رجل فذكر بعض الصحابة فتنقصه، فقال ابن عباس {والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}. وأخرج عن ابن زيد في قوله: {والذين اتبعوهم بإحسان} قال: من بقي من أهل الإِسلام إلى أن تقوم الساعة. وأخرج أبو الشيخ عن عصمة رضي الله عنه قال: سألت سفيان عن التابعين قال: هم الذين أدركوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، وسألته عن الذين اتبعوهم بإحسان قال: من يجيء بعدهم. قلت: إلى يوم القيامة؟ قال: أرجو. وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي رضي الله عنه: أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أريد الفتن؟ فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم قلت له: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابهم؟ قال: ألا تقرأ {والسابقون الأولون...} الآية. أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان. يقول: يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك. قال أبو صخر: لكأني لم أقرأها قبل ذلك، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها على محمد بن كعب. وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثيِّر والقاسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية. أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لما أنزلت هذه الآية {والسابقون الأولون} إلى قوله: {ورضوا عنه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا لأمتي كلهم وليس بعد الرضا سخط».

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وممن حولكم من الأعراب منافقون...} الآية. قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة خطيباً فقال: قم يا فلان فاخرج فإنك منافق. فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له، فلقيهم عمر رضي الله عنه وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة، وظن الناس قد انصرفوا واختبأوا هم من عمر، وظنوا أنه قد علم بأمرهم، فدخل عمر رضي الله عنه المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا... ! فقال له رجل: أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم فهذا العذاب الأول، والعذاب الثاني عذاب القبر. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {وممن حولكم من الأعراب} قال: جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {مردوا على النفاق} قال: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب آخرون. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {مردوا على النفاق} قال: ماتوا عليه عبدالله بن أبي، وأبو عامر الراهب، والجد بن قيس. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {نحن نعلمهم} يقول: نحن نعرفهم. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لا تعلمهم نحن نعلمهم} قال: فما بال أقوام يتكلمون على الناس يقولون: فلان في الجنة وفلان في النار؟ فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري... لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفه نبي قال نوح عليه السلام {وما علمي بما كانوا يعملون} [ الشعراء: 112] وقال شعيب عليه السلام {وما أنا عليكم بحفيظ} [ الأنعام: 104] وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {لا تعلمهم نحن نعلمهم}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: بالجوع والقتل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: بالجوع وعذاب القبر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في القبر، وعذاب في النار. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في (عذاب القبر) عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في القبر وعذاب في النار. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: يبتلون في الدنيا وعذاب القبر {ثم يردون إلى عذاب عظيم} قال: عذاب جهنم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في الدنيا بالأموال والأولاد، وقرأ {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} [ التوبة: 55] بالمصائب فهي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر. قال: وعذاب الآخرة في النار {ثم يردون إلى عذاب عظيم} النار. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه قال: بلغني أن ناساً يقولون {سنعذبهم مرتين} يعني القتل وبعد القتل البرزخ، والبرزخ ما بين الموت إلى البعث {ثم يردون إلى عذاب عظيم} يعني عذاب جهنم. وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {سنعذبهم مرتين} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعذب المنافقين يوم الجمعة بلسانه على المنبر، وعذاب القبر. وأخرج ابن مردويه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما شهدت مثلها قط فقال: «أيها الناس إن منكم منافقين فمن سميته فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى قام ستة وثلاثون رجلاً. ثم قال: إن منكم وإن منكم وإن منكم فسلوا الله العافية. فلقي عمر رضي الله عنه رجلاً كان بينه وبينه إخاء فقال: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فقال كذا وكذا. فقال عمر رضي الله عنه: أبعدك الله سائر اليوم».

{وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} قال: «كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما حضر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، أوثقوا أنفسهم وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد حتى يطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم ويعذرهم. قال: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا. فأنزل الله عز وجل {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم} وعسى من الله وإنه هو التوّاب الرحيم، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم، فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا. قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم. فأنزل الله عز وجل {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} يقول: استغفر لهم {إن صلواتك سكن لهم} يقول: رحمة لهم، فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم، وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم؟ فأنزل الله عز وجل {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [ التوبة: 117] إلى آخر الآية {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [ التوبة: 118] إلى {ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} [ التوبة: 118] يعني إن استقاموا». وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه. مثله سواء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: {فاعترفوا بذنوبهم} قال: هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال، وأشار إلى حلقه بأن محمداً يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب. أن بني قريظة كانوا حلفاء لأبي لبابة فاطلعوا إليه وهو يدعوهم إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا لبابة أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟ فلبث حيناً حتى غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك- وهي غزوة العسرة- فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة سبعاً من بين يوم وليلة في حر شديد لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة، قال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليَّ. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية، ثم تاب الله عليه فنودي أن الله قد تاب عليك، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه عنه بيده، فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول الله إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وانتقل إليك فأساكنك، وإني أختلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال: يجزي عنك الثلث. فهجر أبو لبابة دار قومه وساكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق بثلث ماله ثم تاب، فلم ير منه في الإِسلام بعد ذلك إلا خيراً حتى فارق الدنيا». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك، فتخلف أبو لبابة ورجلان معه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة، وقالوا: نحن في الظل والطمأنينة مع النساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في الجهاد، والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا، فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وكان طريقه في المسجد، فمر عليهم فقال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري؟ فقال رجل: هذا أبو لبابة وصاحبان له تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاهدوا الله لا يطلقون أنفسهم حتى تكون الذي أنت تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أطلقهم حتى أُؤْمَر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتى يكون الله يعذرهم وقد تخلفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم، فأنزل الله تعالى {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} الآية. وعسى من الله واجب، فلما نزلت الآية أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم، فانطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا. يقولون: استغفر لنا وطهرنا. فقال: لا آخذ منها شيئاً حتى أومر به. فأنزل الله: {خذ من أموالهم صدقة...} الآية. قال: وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ولم يتوبوا ولم يذكروا بشيء ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم الذين قال الله: {وآخرون مرجون لأمر الله} [ التوبة: 106] الآية. فجعل الناس يقولون: هلكوا إذا لم ينزل لهم عذر، وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم. فصاروا مرجئين لأمر الله حتى نزلت {لقد تاب الله على النبي} [ التوبة: 117] إلى قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [ التوبة: 118] يعني المرجئين لأمر الله، نزلت عليهم التوبة فعملوا بها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري، منهم كردم ومرداس وأبو لبابة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} قال: ذكر لنا أنهم كانوا سبعة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك، منهم أربعة خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً: جد بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، كلهم من الأنصار تيب عليهم، وهم الذين قيل {خذ من أموالهم صدقة}. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} قال: غزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {وآخر سيئاً} قال تخلفهم عنه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عثمان النهدي قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} الآية. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال: إني لاستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن، فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} [ الذاريات: 17]. {يبيتون لربهم سجداً وقياماً} [ الفرقان: 64]. {أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً} [ الزمر: 9] فلا أراني منهم... ! فأعرض نفسي على هذه الآية {ما سلككم في سقر} {قالوا لم نك من المصلين} [ المدثر: 42- 46] إلى قوله: {نكذب بيوم الدين} فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم، فأمر بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا اخوتاه منهم. وأخرج أبو الشيخ وابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر بسند قوي عن جابر بن عبد الله قال: «كان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ستة: أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة بن وديعة، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فجاء أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة، فربطوا أنفسهم بالسواري، وجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله، خذ هذا الذي حبسنا عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحلهم حتى يكون قتال. فنزل القران {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً...} الآية. وكان ممن أرجىء عن التوبة وخلف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فأرجئوا أربعين يوماً، فخرجوا وضربوا فساطيطهم، واعتزلهم نساؤهم، ولم يتولهم المسلمون ولم يقربوا منهم، فنزل فيهم {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [ التوبة: 118] إلى قوله: {التوّاب الرحيم} [ التوبة: 118] فبعثت أم سلمة إلى كعب فبشرته». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآية أشبه مني بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً...} الآية. وأخرج أبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قول الله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} فقال: يا مالك، تابوا، عسى الله أن يتوب عليهم، وعسى من الله واجبة. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه عن سمرة بن جندب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان فقالا لي: انطلق. فانطلقت معهما، فاخرجاني إلى الأرض المقدسة فأتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ههنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود إليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى. قلت لهما: سبحان الله ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه وآخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قلت: سبحان الله ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قلت: ما هؤلاء...؟! فقالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شاطىء النهر رجل عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع فغر له فاه فألقمه حجراً. قلت لهما: ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء، وإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها. قلت لها: ما هذا...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط. قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر قط روضة أعظم منها ولا أحسن. قالا لي: ارق فيها. فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء. قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر. فإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المخض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا، فذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة... ! قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك، فسما بصري صعداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قالا لي: هذا منزلك. قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله. قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟! قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، يفعل به إلى يوم القيامة. وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخراه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة. وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني. وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا. وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار. وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام. وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم، وأنا جبريل وهذا ميكائيل». وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي موسى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت رجالاً تقرض جلودهم بمقاريض من نار. قلت: ما هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يتزينون إلى ما لا يحل لهم. ورأيت خباء خبيث الريح وفيه صباح. قلت: ما هذا؟! قال: هن نساء يتزين إلى ما لا يحل لهن. ورأيت قوماً اغتسلوا من ماء الجناة. قلت: ما هؤلاء؟! قال: هم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً». وأخرج ابن سعد عن الأسود بن قيس العبدي قال: لقي الحسن بن علي يوماً حبيب بن مسلمة فقال: يا حبيب رب ميسر لك في غير طاعة الله. فقال: أما ميسري إلى أبيك فليس من ذلك قال: بلى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، ولو كنت إذ فعلت شراً قلت خيراً كان ذلك كما قال الله: {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} ولكنك كما قال الله: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [ المطففين: 14].

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} قال: من ذنوبهم التي أصابوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وصل عليهم} قال: استغفر لهم من ذنوبهم التي أصابوها {إن صلواتك سكن لهم} قال: رحمة لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وصل عليهم} يقول: ادع لهم {إن صلواتك سكن لهم} قال: استغفارك يسكن قلوبهم ويطمن لهم. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن عبدالله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قال: اللهمَّ صل على آل فلان. فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفي». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {سكن لهم} قال: أمن لهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن عبدالله قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له امرأتي: يا رسول الله صل علي وعلى زوجي. فقال «صلى الله عليك وعلى زوجك». وأخرج ابن أبي شيبة عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت- وكان أكبر من زيد- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه فقالوا: فلانة. فعرفها فقال «أفلا آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلاً فكرهنا أن نؤذيك. فقال: لا تفعلوا. ما مات منكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة». وأخرج الباوردي في معرفة الصحابة وابن مردويه عن دلسم السدوسي قال: قلنا لبشير بن الخصاصية: إن أصحاب الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: إذا جاؤوكم فاجمعوها ثم مروهم فليصلوا عليكم، ثم تلا هذه الآية {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم}.

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: قال الآخرون: هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟ فأنزل الله: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده...} الآية. وأخرج عبد الرزاق والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود قال: ما تصدق رجل بصدقة إلا وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل. قال: وهو يضعها في يد السائل، ثم قرأ {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة في قوله: {ويأخذ الصدقات} قال: إن الله هو يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه، وإن الرجل ليصدق بمثل اللقمة فيربيها به كما يربي أحدكم فصيله أو مهره، فتربو في كف الله حتى تكون مثل أحد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة طيبة من كسب طيب- ولا يقبل الله إلا طيباً ولا يصعد إلى السماء إلا طيب- فيضعها في حق إلا كانت كأنما يضعها في يد الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى أن اللقمة أو التمرة لتأتي يوم القيامة مثل الجبل العظيم، وتصديق ذلك في كتاب الله العظيم {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}». وأخرج الدارقطني في الافراد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا فإن أحدكم يعطي اللقمة أو الشيء فتقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل، ثم تلا هذه الآية {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله فيوفيها إياه يوم القيامة».

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله} قال: هذا وعيد من الله عز وجل. وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع «قال: مرَّ بجنازة فأثنى عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:وجبت. ثم مر بجنازة أخرى فأثنى عليها، فقال: وجبت. فسئل عن ذلك فقال: إن الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض، فما شهدتم عليه من شيء وجب، وذلك قول الله: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}». وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: ما احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم القراء الذين طعنوا على عثمان، فقالوا قولاً لا نحسن مثله، وقرأوا قراءة لا نقرأ مثلها، وصلوا صلاة لا نصلي مثلها، فلما تذكرت إذن والله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أعجبك حسن قول امرىء منهم {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنك أحد. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في الإِخلاص والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائناً ما كان» والله أعلم.

{وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)} أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: {وآخرون مرجون لأمر الله} قال: هم الثلاثة الذين خلفوا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وآخرون مرجون} قال: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، من الأوس والخزرج. وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب. أن أبا لبابة أشار إلى بني قريظة باصبعه أنه الذبح، فقال: خنت الله ورسوله. فنزلت {لا تخونوا الله والرسول} [ الأنفال: 27] ونزلت {وآخرون مرجون لأمر الله} فكان ممن تاب الله عليه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {إما يعذبهم} يقول: يميتهم على معصية {وإما يتوب عليهم} فأرجأ أمرهم ثم نسخها فقال: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [ التوبة: 118].