Loading...
السورة
الأية
الجزء

الحزب رقم 20
الربع رقم 3
quran-border  يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وماواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا اليما في الدنيا والاخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير ومنهم من عاهد الله لئن اتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما اتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله علام الغيوب الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اليم
Page Number

1

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {يا أيها النبي جاهد الكفار} قال: بالسيف {والمنافقين} قال: باللسان {واغلظ عليهم} قال: اذهب الرفق عنهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {جاهد الكفار والمنافقين} قال: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليلقه بوجه مكفهر. وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال: لما نزلت {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاهد بيده، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهر. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {جاهد الكفار} قال: بالسيف {والمنافقين} بالقول باللسان {واغلظ عليهم} قال: على الفريقين جميعاً، ثم نسخها فأنزل بعدها {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} [ التوبة: 123]. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود.

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)} أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال: «لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير. فسمعه عمير بن سعد فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إليَّ وأحسنهم عندي أشراً وأعزهم علي أن يدخل عليه شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني، ولأحدهما أشد عليَّ من الأخرى. فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال، فأتى الجلاس فجعل يحلف بالله ما قال، ولقد كذب على عمير فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وقال: لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير. فرفع عمير بن سعد مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف الجلاس بالله لقد كذب عليَّ وما قلت. فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا} الآية. فزعموا أنه تاب، وحسنت توبته». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه رجلاً من المنافقين يقول- والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب-: إن كان هذا صادقاً لنحن شر من الحمير. فقال زيد رضي الله عنه: هو- والله- صادق ولأنت أشر من الحمار، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحد القائل، فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا...} الآية. فكانت الآية في تصديق زيد». وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه. فلم يلبثوا إلا أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، وأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا...} الآية». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: «ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الأنصار، فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس: انصروا أخاكم، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر...} الآية. وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} قال: نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة» أن رجلاً من الأنصار يقال له الجلاس بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك «والله لئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير. فسمعه غلام يقال له عمير بن سعد وكان ربيبه فقال له: أي عم، تب إلى الله. وجاء الغلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجعل يحلف ويقول: والله ما قلت يا رسول الله. فقال الغلام: بلى، والله لقد قلته فتب إلى الله، ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن النبي فقال: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} إلى قوله: {فإن يتوبوا يك خيراً لهم} فقال: قد قلته وقد عرض الله عليّ التوبة فأنا أتوب، فقبل ذلك منه، وقتل له قتيل في الإِسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك وكان همَّ أن يلحق بالمشركين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: وعت أذنك». وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: لما نزل القرآن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال: «وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك». وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: قال رجل من المنافقين: لئن كان محمد صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير. فقال له زيد بن أرقم رضي الله عنهما: إن محمداً صادق ولأنت شر من الحمار. فكان فيما بينهما في ذلك كلام، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتاه الآخر فحلف بالله ما قال، فنزلت {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن أرقم «وعت أذناك». وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: قال أحدهم: إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير. فقال رجل من المؤمنين: فوالله إن ما يقول محمد لحق، ولأنت شر من الحمار. فهمَّ بقتله المنافق، فذلك همهم بما لم ينالوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {يحلفون بالله ما قالوا} قال: «هم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه في بعض أسفاره، فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلاً قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فسمع حذيفة رضي الله عنه وهو يسوق النبي صلى الله عليه وسلم وكان قائده تلك الليلة عمار، وسائقه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فسمع حذيفة وقع اخفاف الابل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين: فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا. ومضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل منزله الذي أراد، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال: أردتم كذا وكذا؟ فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه، فذلك قوله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية». وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهموا بما لم ينالوا} قال: همَّ رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال: «رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مَكَرَ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعمار بن ياسر رضي الله عنه فمشيا معه شيئاً، فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها. فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة رضي الله عنه غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة رضي الله عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي الله عنه حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال: اضرب الراحلة يا حذيفة وامشِ أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة: هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحداً؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله... ! قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها. قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما، وقال: اكتماهم». وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق نحوه وزاد بعد قوله لحذيفة «هل عرفت من القوم أحدا» فقال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فلما أصبح سماهم له: عبد الله بن أبي سعد، وسعد بن أبي سرح، وأبا حاصر الأعرابي، وعامراً، وأبا عامر، والجلاس بن سويد بن صامت، ومجمع بن حارثة، ومليحاً التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، ومرة بن ربيع. فهم اثنا عشر رجلاً حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وذلك قوله عز وجل {وهموا بما لم ينالوا} وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة». وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين تحسوه ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة رضي الله عنه، وهم اثنا عشر رجلاً ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار ومن حلفائهم. وأخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده، حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوا فيها قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل عرفتم القوم؟ قلنا لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب. قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة. هل تدرون ما أرادوا؟ قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها. قلنا يا رسول الله، ألا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: لا، إني أكره أن تحدث العرب بينها: أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهمَّ ارمهم بالدبيلة. قلنا يا رسول الله، وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيهلك». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وهموا بما لم ينالوا} قال: أرادوا أن يتوّجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح {وهموا بما لم ينالوا} قال: هموا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه. أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلاً من الأنصار، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفاً، وفيه نزلت {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}. وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألفاً، وذلك قوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} قال: بأخذهم الدية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} قال: كانت له دية قد غلب عليها فأخرجها له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: كان جلاس يحمل حمالة أو كان عليه دين فأدى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: ثم دعاهم إلى التوبة فقال: {فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة} فاما عذاب الدنيا فالقتل، وأما عذاب الآخرة فالنار. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان قوماً قد هموا بهم سوءاً وأرادوا أمراً فليقوموا فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار، فقال: قم يا فلان قم يا فلان. فقالوا: نستغفر الله تعالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لانا دعوتكم إلى التوبة والله أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفساً بالاستغفار أخرجوا». وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: احفظ عني كل شيء في القرآن {وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير} فهي للمشركين، فأما المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم.

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)} أخرج الحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن منده والباوردي وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: «جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. قال: ويحك يا ثعلبة... ! أما ترضى أن تكون مثلي؟ فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي لسارت. قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فوالذي بعثك بالحق إن آتاني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه. قال: ويحك يا ثعلبة... ! قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيق شكره. فقال: يا رسول الله، ادع الله تعالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ ارزقه مالاً. فاتَّجَرَ واشترى غنماً فبورك له فيها ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها- فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل، ثم نمت كما ينمو الدود فتنحى بها، فكان لا يشهد الصلاة بالنهار ولا بالليل إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى به، فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار. وفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه؟ فأخبروه أنه اشترى غنماً، وأن المدينة ضاقت به وأخبروه بخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويح ثعلبة بن حاطب... ! ثم إن الله تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات، وأنزل الله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} [ التوبة: 103] الآية. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين، رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سلمة يأخذان الصدقات، فكتب لهما اسنان الابل والغنم كيف يأخذانها على وجهها، وأمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم، فخرجا فمرا بثعلبة فسألاه الصدقة. فقال: ارياني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذا إلا جزية، انطلقا حتى تفرغا ثم مرا بي. قال: فانطلقا وسمع بهما السليمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا: إنما عليك دون هذا. فقال: ما كنت أتقرب إلى الله إلا بخير مالي! فقبلاه، فلما فرغا مرا بثعلبة فقال: أرياني كتابكما. فنظر فيه فقال: ما هذا إلا جزية. انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى قدما المدينة، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما: ويح ثعلبة بن حاطب. ودعا للسليمي بالبركة، وأنزل الله: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن} الثلاث آيات. قال: فسمع بعض من أقارب ثعلبة فأتى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة... ! أنزل الله فيك كذا وكذا. قال: فقدم ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه صدقة مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قد منعني أن أقبل منك قال: فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني، فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى. ثم أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر اقبل مني صدقتي، فقد عرفت منزلتي من الأنصار. فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلها؟! فلم يقبلها أبو بكر، ثم ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتاه فقال: يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل مني صدقتي. وتوسل إليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا؟! فأبى أن يقبلها، ثم ولي عثمان فهلك في خلافة عثمان، وفيه نزلت {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} [ التوبة: 79] قال: وذلك في الصدقة». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} وذلك أن رجلاً كان يقال له ثعلبة من الأنصار، أتى مجلساً فاشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه وتصدقت منه وجعلت منه للقرابة. فابتلاه الله فأتاه من فضله. فخلف ما وعده، فأغضب الله بما أخلفه ما وعده نقص الله شأنه في القرآن. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال: اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وذلك بأن الله تعالى يقول {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن} إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمر قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق. إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. وتلا هذه الآية {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى آخر الآية. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث. إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان». وأخرج أبو الشيخ والخرائطي في مكارم الأخلاق عن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت بالثلاث التي تذكر في المنافق. إذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، فالتمستها في الكتاب زماناً طويلاً حتى سقطت عليها بعد حين، وجدنا الله تعالى يذكر فيه {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى قوله: {وبما كانوا يكذبون} و {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض} [ الأحزاب: 72] إلى آخر الآية {إذا جاءك المنافقون} [ المنافقون: 1] إلى قوله: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [ المنافقون: 1]. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلاً من الأنصار هو الذي قال هذا، فمات ابن عم له فورث منه مالاً فبخل به ولم يف الله بما عاهد عليه، فأعقبه بذلك نفاقاً إلى أن يلقاه قال: ذلك {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}. وأخرج أبو الشيخ عن أبي قلابة قال: مثل أصحاب الأهواء مثل المنافقين كلامهم شتى وجماع أمرهم النفاق، ثم تلا {ومنهم من عاهد الله} {ومنهم من يلمزك} [ التوبة: 58] {ومنهم الذين يؤذون النبي} [ التوبة: 61]. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} قال: «اجتنبوا الكذب فإنه باب من النفاق، وعليكم بالصدق فإنه باب من الإِيمان، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدث» أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة لبني إسرائيل قالت بنو إسرائيل: إن التوراة كثيرة، وانا لا نفرغ لها فسل لنا جماعاً من الأمر نحافظ عليه ونتفرغ لمعايشنا. قال: مهلاً مهلاً أي قوم، هذا كتاب الله وبيان الله ونور الله وعصمة الله. فردوا عليه مثل مقالتهم، فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرب تبارك وتعالى: فإني آمرهم إن هم حافظوا عليهن دخلوا الجنة بهن: أن يتناهوا إلى قسمة مواريثهم ولا يتظالموا فيها، وأن لا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعاماً حتى يتوضأوا كوضوء الصلاة. فرجع موسى عليه السلام إلى قومه بهن ففرحوا، ورأوا أن سيقومون بهن، فوالله إن لبث القوم إلا قليلاً حتى جنحوا فانقطع بهم فلما حدث نبي الله صلى الله عليه وسلم هذا عن بني إسرائيل قال: تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة. إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، وفروجكم «قال قتادة: شداد والله إلا من عصم الله».

9:75

9:75

9:75

{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)} أخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مراء، وجاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا. فنزلت {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم...} الآية. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً، فجاء عبد الرحمن فقال: يا رسول الله، عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما ربي وألفين لعيالي. فقال: بارك الله لك فيما أعطيت، وبارك لك فيما أمسكت، وجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إني بت أجر الحرير فأصبت صاعين من تمر، فصاعاً أقرضه ربي وصاعاً لعيالي، فلمزه المنافقون قالوا: والله ما أعطى ابن عوف الذي أعطى إلا رياء. وقالوا: أو لم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل الله: {الذين يلمزون المطوعين} الآية». وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته، وجاء المطوعون من المؤمنين، وجاء أبو عقيل بصاع فقال: يا رسول الله، بت أجر الحرير فأصبت صاعين من تمر، فجئتك باحدهما وتركت الآخر لأهلي قوتهم فقال المنافقون: ما جاء عبد الرحمن وأولئك إلا رياء، وإن الله لغني عن صدقة أبي عقيل، فأنزل الله: {الذين يلمزون المطوّعين} الآية». وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والبغوي في معجمه والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أبي عقيل قال: «بت أجر الحرير على ظهري على صاعين من تمر، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلغون به، وجئت بالآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتقرب به إلى ربي، فاخبرته بالذي كان فقال: انثره في المسجد. فسخر القوم وقالوا: لقد كان الله غنياً عن صاع هذا المسكين؟ فأنزل الله: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين...} الآيتين». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {الذين يلمزون المطوّعين...} الآية. قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء رجل من الأنصار بصاع من طعام فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلاّ رياء، وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: الذي تصدق بصاع التمر فلمزه المنافقون: أبو خيثمة الأنصاري. وأخرج البغوي في معجمه وابن قانع وابن مردويه عن سعيد بن عثمان البلوي عن جدته ليلى بنت عدي. أن أمها عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاعين الذي لمزه المنافقون، أخبرتها أنه خرج بصاع من تمر وابنته عميرة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر فصبه. وأخرج عبد الرزاق وابن عساكر عن قتادة في قوله: {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات} قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله ثمانية آلاف دينار، فقال ناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء. فقال الله عز وجل {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} وكان لرجل من الأنصار صاعان من تمر، فجاء بأحدهما فقال ناس من المنافقين: إن كان الله عن صاع هذا لغني! وكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون منهم فقال الله عز وجل {والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم} الآية. وأخرج أبو نعيم في المعرفة عن قتادة قال: «أقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له الحجاب أبو عقيل قال: يا نبي الله بت أجر الحرير الليلة على صاعين من تمر، فاما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فهو ذا. فقال المنافقون: إن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع هذا، فأنزل الله: {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين...} الآية». وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس للصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف فقال: يا رسول الله هذه صدقة. فلمزه بعض القوم فقال: ما جاء بهذه عبد الرحمن إلا رياء، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال بعض القوم: ما كان الله أغنى عن صاع أبي عقيل، فنزلت {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} إلى قوله: {فلن يغفر الله لهم}». وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يجمعوا صدقاتهم، وكان لعبد الرحمن بن عوف ثمانية آلاف دينار، فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة فقال: هذا ما أفرضه الله وقد بقي مثله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «بورك لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، وجاء أبو نهيك رجل من الأنصار بصاع تمر نزع عليه ليله كله، فلما أصبح جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل من المنافقين: إن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء، وقال للآخر: إن الله لغني عن صاع هذا. فأنزل الله: {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات} عبد الرحمن بن عوف {والذين لا يجدون إلا جهدهم} صاحب الصاع». وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال: أصاب الناس جهد عظيم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا فقال «أيها الناس تصدقوا». فجعل أناس يتصدقون، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب فقال: يا رسول الله كان لي ثمانمائة أوقية من ذهب فجئت بأربعمائة أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ بارك له فيما أعطى وبارك فيما أمسك» . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما كان يوم فطر أخرج عبد الرحمن بن عوف مالاً عظيماً، وأخرج عاصم بن عدي كذلك، وأخرج رجل صاعين، وآخر صاعاً. فقال قائل من الناس: إن عبد الرحمن إنما جاء بما جاء به فخراً ورياء، واما صاحب الصاع أو الصاعين فإن الله ورسوله غنيان عن صاع وصاع، فسخروا بهم فأنزل الله فيهم هذه الآية {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتصدقوا فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: انما ذلك مال وافر فأخذ نصفه. قال: فجئت أحمل مالاً كثيراً. فقال له رجل من المنافقين: أترائي يا عمر؟ قال: نعم. أرائي الله ورسوله فاما غيرهما فلا. قال: وجاء رجل من الأنصار لم يكن عنده شيء فأجر نفسه بجر الحرير على رقبته بصاعين ليلته، فترك صاعاً لعياله وجاء بصاع يحمله، فقال له بعض المنافقين: إن الله ورسوله عن صاعك لغنيان. فذلك قوله: {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات}. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {الذين يلمزون المطوّعين} أي يطعنون على المطوعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {والذين لا يجدون إلا جهدهم} قال: هو رفاعة بن سعد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي في قوله: {والذين لا يجدون إلا جهدهم} قال: الجهد في القوت، والجهد في العمل. وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في الآية قال: الجهد جهد الإِنسان، والجهد في ذات اليد. وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: كان الذي تصدق بجهده أبو عقيل واسمه سهل بن رافع، أتى بصاع من تمر فافرغها في الصدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إن الله لغني عن صدقة أبي عقيل. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً للناس فقال: «يا أيها الناس تصدقوا أشهد لكم بها يوم القيامة، ألا لعل أحدكم أن يبيت فصاله راو وابن عمه طاو، ألا لعل أحدكم أن يثمر ماله وجاره مسكين لا يقدر على شيء، الا رجل منح ناقة من ابله يغدو برفد ويروح برفد، يغدو بصبوح أهل بيت ويروح بغبوقهم، ألا إن أجرها لعظيم. فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي أربعة ذود. فقام آخر قصير القامة قبيح السنة يقود ناقة له حسناء جميلة فقال رجل من المنافقين كلمة خفية لا يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها: ناقته خير منه. فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت هو خير منك ومنها ثم قام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله عندي ثمانية آلاف، تركت أربعة منها لعيالي وجئت بأربعة أقدمها لله، فتكاثر المنافقون ما جاء به، ثم قام عاصم بن عدي الأنصاري فقال: يا رسول الله عندي سبعون وسقاً جذاذ العام، فتكاثر المنافقون ما جاء به وقالوا: جاء هذا بأربعة آلاف وجاء هذا بسبعين وسقاً للرياء والسمعة فهلا أخفياها فهلا فرقاها. ثم قام رجل من الأنصار اسمه الحجاب يكنى أبا عقيل فقال: يا رسول الله مالي من مال غير اني أجرت نفسي من بني فلان، أجر الحرير في عنقي على صاعين من تمر، فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع أقربه إلى الله تعالى، فلمزه المنافقون وقالوا: جاء أهل الابل بالابل، وجاء أهل الفضة بالفضة، وجاء هذا بتمرات يحملها، فأنزل الله: {الذين يلمزون المطوّعين...} الآية». وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي السليل قال: وقف علينا شيخ في مجلسنا فقال: حدثني أبي أو عمي أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع قال: «من يتصدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند الله يوم القيامة. فجاء رجل- لا والله ما بالبقيع رجل أشد سواد وجه منه، ولا أقصر قامة، ولا أذم في عين منه- بناقة- لا والله ما بالبقيع شيء أحسن منها- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه صدقة؟ قال: نعم يا رسول الله. فلمزه رجل فقال: يتصدق بها والله لهي خير منه. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته فقال: كذبت بل هو خير منك ومنها، كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرات، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الا من قال بيده هكذا وهكذا وقليل ما هم، ثم قال: قد أفلح المزهد المجهد، قد أفلح المزهد المجهد». وأخرج أبو داود وابن خزيمة والحاكم وصححه عن أبي هريرة. أنه قال: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد المقل، وابدأ بمن تعول».